تنافس خليجي على صفقات قطاع الاتصالات الأوروبي

يتزايد اهتمام شركات الاتصالات الخليجية بتنفيذ صفقات استحواذ أو اندماج مع القيام بتوسعات في الخارج، ولاسيما في السوق الأوروبية، نظرا للمخاطر المنخفضة والنمو المستقر في الإيرادات والأرباح، ما يجعلها تتحوط أكثر من تقلبات الأسواق الناشئة.
الرياض- وجهت شركات الاتصالات الخليجية بوصلتها نحو الأسواق الأوروبية من خلال عقد صفقات اندماج أو استحواذ، سعيا منها لتنويع مصادر دخلها وتقليل المخاطر الناجمة عن تقلبات الأسواق الناشئة التي تعمل فيها.
ولاحظت ستاندر آند بورز غلوبال ريتينغز في تقرير أصدرته الأربعاء أن شركات الاتصالات الخليجية تواجه نمواً بطيئاً في إيراداتها من الأسواق المحلية.
وجاء هذا الوضع نتيجة تشبع الأسواق حيث تجاوز معدل انتشار الهواتف المحمولة مقارنة بعدد السكان 100 في المئة، وهو ما دفعها إلى البحث عن فرص جديدة في الأسواق الأوروبية ذات المخاطر المنخفضة والنمو المستقر.
وأوضحت وكالة التصنيف الدولية أنه رغم توقعها تباطؤ نمو سوق الاتصالات في أوروبا ليكون عند اثنين في المئة في المتوسط، إلا أن انخفاض الإنفاق الرأسمالي المطلوب في هذه الأسواق يمكن أن يساهم في زيادة التدفقات النقدية للمشغلين الخليجيين.
وأرجعت ستاندر آند بورز في تقريرها الذي أوردته وكالة بلومبيرغ هذا التوجه من جانب الشركات الخليجية إلى سبب آخر يتمثل في استهدافها تقليل مخاطر الأسواق الناشئة التي تعمل فيها.
70
مليار دولار حجم ما أنفقته كل من السعودية والإمارات على قطاع الاتصالات في عام 2024
وقال خبراء الوكالة إن “زيادة أنشطة الشركات الخليجية في أوروبا من شأنه أن يوفر تحوطاً لمحافظها من تقلب العملات في الأسواق الأخرى، مثل أسواق مصر وباكستان ومعظم دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.”
ويرى محللون أن الاستحواذات الخليجية على شركات الاتصالات الأوروبية تأتي بسبب انخفاض التقييمات في أوروبا، ما يجعلها جذابة نسبيا، خاصة وأن تكلفة رأس المال في منطقة الخليج منخفضة بعض الشيء.
وشهدت الأشهر الأخيرة عدداً من الصفقات الكبرى التي نفذتها الشركات الخليجية في أوروبا، أبرزها كان استحواذ إي آند الإماراتية على حصة أغلبية في بي.بي.إي تيلكيوم غروب بنسبة 51 في المئة بقيمة 2.36 مليار يورو.
ويمثل الاستحواذ على بي.بي.أف التي تمتلك أصولاً في بلغاريا والمجر وصربيا وسلوفاكيا، خطوة مهمة في طموحات إي آند المستمرة للتوسع العالمي، وتنويع وتنمية حضورها الجغرافي إلى 38 دولة.
وكذلك، رفعت الشركة الإماراتية حصتها في فودافون إلى 15 في المئة، وهو ما يجعلها أكبر مساهم منفرد في مجموعة الاتصالات البريطانية العملاقة.
وإضافةً إلى ذلك، أبرمت إي آند في ديسمبر 2023 صفقة ملزمة للاستحواذ بالكامل على شركة تيلينور باكستان بقيمة تقدر بنحو 380 مليون دولار، وفي انتظار الموافقات التنظيمية.
وفي السعودية، استحوذت شركة الاتصالات السعودية (أس.تي.سي) على حصة 4.9 في المئة في مجموعة تليفونيكا الإسبانية، لتحصل لاحقاً على موافقة الحكومة الإسبانية لرفع حصتها إلى 9.97 في المئة، بالإضافة إلى الحق في تعيين عضو في مجلس الإدارة.
وأس.تي.سي مملوكة بنسبة 64 في المئة لصندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة)، وهو المحرك الرئيسي لجهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رؤية 2030 لبناء حصص في مجموعة متنوعة من الشركات العالمية.
والهدف الأساسي من هكذا خطوات هو إبعاد الاقتصاد السعودي عن اعتماده على النفط الذي جعل البلد واحدا من أغنى دول العالم.
ورغم ذلك، أوضح تقرير ستاندر آند بورز أن الاستثمارات الخليجية في قطاع الاتصالات بأوروبا تواجه رقابة تنظيمية صارمة، حيث أبدى المسؤولون حذراً في الموافقة على بعض الاستثمارات، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية الإستراتيجية.
وعلى سبيل المثال، فرضت السلطات الإسبانية شروطاً على استثمار شركة أس.تي.سي في تليفونيكا لضمان استقلالية عملياتها وحماية المصالح الوطنية.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الإنفاق على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية والإمارات ارتفع خلال عام 2024 ليصل إلى 70 مليار دولار.
ويؤكد خبراء وكالة التصنيف أن هذه الاستثمارات لم تؤثر بشكل كبير على التصنيفات الائتمانية للشركات الخليجية، حيث لا تزال تعتمد على الأسواق المحلية والإقليمية كمصادر رئيسية للتدفقات النقدية.
ومع ذلك، فإن عمليات الاستحواذ الكبيرة مثل صفقة إي آند على بي.بي.أف تيلكيوم قد تؤدي إلى تحسن في الإيرادات والأرباح بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 في المئة بدءاً من عام 2025.
وفي ما يتعلق بالشركات المستهدفة، فقد أشار التقرير إلى أن تصنيفاتها الائتمانية لم تتحسن بعد، وذلك بسبب عدم وجود سيطرة تشغيلية كاملة أو ضمانات مالية صريحة من الشركات الخليجية.
والاستثناء الوحيد كان صفقة استحواذ إي آند على بي.بي.أف، حيث تم رفع التصنيف الائتماني للشركة الأوروبية من بي.بي+ إلى بي.بي.بي-.
وإلى جانب التوسع الدولي، تتجه شركات الاتصالات الخليجية نحو الاستثمار في مراكز البيانات لتعزيز خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
وسبق أن أعلنت كل من أس.تي.سي وأوريدو الكويتية عن خطط لاستثمار مليار دولار لكل منهما في هذا المجال خلال السنوات القليلة القادمة.
وكذلك شهد السوق السعودي في شهر ديسمبر الماضي خطوة إستراتيجية بقيام أس.تي.سي ببيع حصتها البالغة 51 في المئة في شركة الأبراج التابعة لها (توال) لصندوق الثروة.
وتم ربط إتمام تلك العملية بنقل الصندوق هذه الحصة إضافةً إلى حصته في شركة غولدن لاتيس إنفستمنت إلى كيان جديد بهدف توحيد البنية التحتية لأبراج الاتصالات في المملكة تحت كيان موحد يدير 30 ألف برج في خمسة دول.
وكانت توال للبنية التحتية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد استحوذت على أصول الأبراج التابعة لمجموعة يونايتد في بلغاريا وكرواتيا وسلوفينيا في أغسطس 2023، بقيمة إجمالية تبلغ 1.3 مليار دولار.
وتتوقع ستاندر آند بورز أن يستمر توسع شركات الاتصالات الخليجية في أوروبا في ظل وجود سيولة مالية قوية وإستراتيجيات واضحة للتوسع.
وترى الوكالة أن هذه التوسعات ستساهم في تعزيز مكانة شركات الاتصالات الخليجية على الساحة الدولية، مع استمرار تركيزها على الأسواق المحلية كمحور رئيسي لتحقيق الأرباح.
وفي حين لم تنشر أي معطيات حول نتائج أعمال عام 2024، تظهر إحصائيات لمنصة “أرقام” أن أرباح شركات الاتصالات الخليجية المدرجة نمت في الربع الثالث من العام الماضي بواقع 5 في المئة لتبلغ 3.2 مليار دولار.