تنازلات العثماني تفضح الانقسامات داخل العدالة والتنمية المغربي

يعيش حزب العدالة والتنمية المغربي حالة من الغضب وصلت إلى حد التراشق بالاتهامات بين قياداته على خلفية قبول رئيس الحكومة المكلف سعدالدين العثماني بمشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة المقبلة، الذي كان يرفضه سلفه عبدالإله بن كيران ما أدى إلى فشله في تشكيل الحكومة .
الخميس 2017/03/30
أنصار بن كيران غاضبون

الرباط – أثار تنازل سعدالدين العثماني رئيس الحكومة المغربية المكلف عن شروط كان يعتبرها سلفه عبدالإله بن كيران خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وفي مقدمتها مشاركة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في الحكومة، الحديث عن ملامح انقسام داخلي بين قيادات حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

وغداة إعفاء العاهل المغربي الملك محمد السادس لبن كيران الذي فشل طيلة خمسة أشهر في تشكيل الحكومة، تفاعلت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية مع بيان الديوان الملكي بايجابية واعتبرت إعفاء بن كيران وتكليف العثماني من نفس الحزب يخدم مصلحة الوطن انسجاما مع ما يراه الحزب من إصلاح من داخل المؤسسات، وأكدت على العمل ضمن فريق بشكل توافقي ولو اختلفت المرجعيات والأيديولوجيات المؤسسة لكل حزب مشارك في الحكومة.

لكن شقا آخر داخل الحزب كان معارضا لما جاء في بيان الأمانة العامة للحزب وذهب إلى حد تخوينها باعتبارها تخلت عن شروط بن كيران في تشكيل الحكومة.

وقال بلال التليدي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، “إن العديد من مناضلي حزبه لا يتفقون مع قيادة الحزب في مسألة القبول بإدخال الاتحاد الاشتراكي للحكومة، وسواء كان تقدير الأمانة العامة صحيحا أو خاطئا، فإن النتيجة اليوم ترتبت، ولا ندري إلى حد الآن حجم الخسائر التي ستحصل”.

ويقول محمـد فقيهـي الباحث في العلـوم السياسـية والقانون الدســـتوري، إن “صراع الأجنحة داخل العدالة والتنمية ليس جديدا، وكان العثماني كبش فداء لهذا الصراع عندما شكل بن كيران النسخة الثانية من الحكومة سنة 2013”.

وأضاف في حديث لـ“العرب” أن “الكل يتذكر عبارة بن كيران عندما قال إن على العثماني أن يعود إلى مصحته وكفى، ما يشير لوجود صراع بين صقور تؤيد بن كيران وشخصيات أكثر اعتدالا تنتقد نهجه”.

وترأس بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الحكومة المغربية بنسختيها منذ 2012. وفاز حزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة ليتم تكليفه من قبل العاهل المغربي بتشكيل الحكومة الجديدة قبل أن يعفيه منتصف الشهر الجاري.

ويرى عبدالرحيم منار اسليمي الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن هناك ثلاثة تيارات داخل العدالة والتنمية، تيار العثماني وتيار بن كيران وتيار آخر يسمى بـ “التوحيد والإصلاح”.

نمط تفكير العثماني وانفتاحه على الأفكار الحداثية يقلقان الكثير من أعضاء الحزب الذين يخشون على مشروع الحزب الإسلامي

ولم تتوان عدة أصوات داخل العدالة والتنمية في التعبير عن غضبها من إشراك الاتحاد الاشتراكي في الحكومة لعل أبرزها، سمية ابنة بن كيران التي وصفت المتشبثين بمشاركة الاتحاد الاشتراكي بـ”المداهنين والمتساقطين وعبدة المناصب”.

وبعدما عبّر عدد من قيادات الحزب عن استيائهم من قرار العثماني، وفي مقدمتهم القيادية والبرلمانية أمينة ماء العينين، واتهام البعض بخيانة الحزب للعهد مع بن كيران، دعا البعض الآخر إلى عقد اجتماع عاجل للمجلس الوطني، ليس لتفسير خلفيات وأسباب ما يقع من تراجعات وغموض أثناء سير مفاوضات تشكيل الحكومة فحسب، ولكن كذلك لما بات يهدد مستقبل الحزب من خطورة وقوع انشقاقات.

ووصف محمد يتيم، القيادي في الحزب الأصوات الغاضبة بـ”ـكتائب المكر والشتائم”، موضحا أن “الحزب لا يضيق بالملاحظات والانتقادات الصادرة من الصادقين من أبناء وبنات الحزب والمتعاطفين والغيورين”، مضيفا “أن تدويناته لا تستهدفهم وان كانت تحاورهم، أما الذين يتكلمون لغة السباب والشتائم فلغتهم هذه كافية لفضحهم وبيان ومعدنهم”.

وسبق لبن كيران، أن قال خلال كلمة ألقاها على هامش أشغال لجنة اقتراح وزراء الحزب في الحكومة، السبت، إن “حزبه يعيش فترة صعبة يتقاسم جميع أعضاء الحزب مسؤوليتها بإيجابياتها وسلبياتها”.

ورغم الخلافات وتضارب الأراء داخل الحزب، يستبعد عبدالإلـــه الســـطي الباحـــث في القانون الدســـتوري بجامعة محمد الخامس، أي انشقاق داخل العدالة والتنمية على المنظور القريب، نظرا للصرامة التأطيرية التي يخضع لها مناضلوه في سلم الترقي الحزبي من جهة، وأيضا من خلال الضوابط القانونية التي يفرضها الحزب من حيث آلية الانضباط لقرارات الجهات المسؤولة في مؤسسات الحزب من جهة ثانية.

وحول الأثر الذي قد تخلفه ردود الفعل المتضاربة داخل الحزب أكد السطي في حديثه لـ”العرب”، أن للعدالة والتنمية ذراع دعوي تم تأطير قادته سلفا داخل إحدى التنظيمات الموازية، التي تتبع في منهجها صرامة إيديولوجية في سلم الارتقاء والتمكين السياسي لقادته، تفرض عليهم الانصياع للضوابط والالتزام الأخلاقي بقرارات ومشروع الحزب.

ويقلق نمط تفكير العثماني وطريقة تدبيره لمجموعة من الملفات، الكثير من أعضاء الحزب الذين لا يريدون المغامرة بانفتاح كبير على الأفكار الحداثية التي يمكن ان تزعزع مشروع الحزب الإسلامي.

في حين يعتبر آخرون أن العثماني هو رجل المرحلة بامتياز وأن طريقة تدبيره لمشاورات تشكيل الحكومة تمر في تكتم منعا لآي تشويش من أطراف داخل حزبه، خصوصا المناهضون للابتعاد عن منهجية بن كيران.

ويستبعد السطي قدرة أي طارئ عارض أن يؤثر في وحدة صوت الحزب، الذي يتخذ من منهج الرأي حر والقرار ملزم إحدى قواعده الأساسية، خصوصا إذا كان قرارا نابعا من أعلى القيادات الحزبية.

4