تمويل الشركات الناشئة في مصر محفوف بالمخاطر

الحكومة تحفز رواد الأعمال على الاستثمار في مشاريع مبتكرة دون إطار قانوني منظم.
الاثنين 2022/09/19
يا فرحة ما تمت!

خيّم غموض على مستقبل الشركات الناشئة في مصر بعد أزمة شركة كابيتر القابضة للتجارة الإلكترونية، وهو ما حمل تشاؤما بشأن بروز مخاطر تمويل محتملة يمكن أن تدفع شركات التمويل وصناديق الاستثمار المغامرة إلى تحجيم تسليف أصحاب الأفكار المبتكرة.

القاهرة - زادت احتمالات تزعزع الثقة في المتانة المالية للشركات الناشئة الجديدة في مصر وعدم قدرتها على تلقي تمويلات نتيجة رؤية ضبابية خلفتها تطورات متسارعة مؤخرا.

وتعلق ذلك بكيانين ظهرا كبيرين، وهما شركة صيدليات 19011 التي أعلنت إفلاسها، ثم أزمة شركة كابيتر، والتي شهد نشاطها اهتماما ملحوظا من جهات حكومية عديدة بما فيها البنك المركزي.

وأعلن مجلس إدارة كابيتر القابضة للتجارة الإلكترونية المتخصصة في خدمة التجار في بيان عزل الرئيس التنفيذي محمود نوح والرئيس التنفيذي للعمليات أحمد نوح من منصبيهما عبر قرار يسري مفعوله على الفور.

وجاء ذلك وسط اتهامات منتشرة بحصول الأخوين على تمويلات تخص الشركة والهروب خارج البلاد، وهو ما تم نفيه من خلال تصريحات إعلامية، ولا زالت الأزمة مستمرة، خاصة أن الشقيقين يوجدان خارج مصر الآن.

محمد سعيد: الكثير من المنشآت شهد تراجعا خلال الفترة الماضية

ولم تكن هذه الاتهامات المنتشرة هي السبب الذي أعلنته الشركة للإقالة، حيث قالت في بيانها إن “عزل الأخوين نوح عن إدارة الشركة جاء بسبب عدم وفائهما كشركاء مؤسسين للشركة بالتزاماتهما وواجباتهما التنفيذية تجاه المنشأة”.

وأرفقت الشركة تبريرها بعدم حضورهما أمام ممثلي مجلس الإدارة والمساهمين والمستثمرين خلال زياراتهم المتكررة إلى مقر الشركة لإتمام إجراءات الفحص النافي للجهالة لعملية دمج محتملة للشركة مع كيان آخر.

ويتنوع الاستثمار بصورة عامة ليشمل تأسيس الشركات الكبيرة والمشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، فضلا عن الشركات الناشئة التي تقوم على فكرة مبتكرة ومرتبطة بالتكنولوجيا وهدفها الانتشار.

ويواجه هذا النوع مخاطر في مصر والكثير من الدول، وهي في الأصل تهدف إلى الاندماج لتكوين كيان أكبر.

ولاقت تلك الشركات دعما من قبل الحكومة المصرية، إذ دشنت وزارة التخطيط مشروع “راود 2030” لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة منذ نحو عامين والبنك المركزي عبر مبادرة “رواد النيل”.

لكن يبدو أن السلطات تشجع على الاستثمار في الشركات الناشئة دون حساب العائد من وراء ذلك النشاط.

وتعد أكثر المجالات التي تستثمر بها الشركات الناشئة هي التكنولوجيا التي ترتبط بأنشطة الحياة للأفراد، مثل وسائل النقل والأغذية، لأن تكلفة إنشائها منخفضة، وتشجعها القاهرة بمبادرات مختلفة.

وتدق الأحداث التي تطرأ على الساحة الاقتصادية ناقوس الخطر في ما يخص هذه الكيانات، فالواقعة الأخيرة المنسوبة إلى كابيتر يرجع السبب الرئيسي فيها إلى الممولين الذين ضخوا سيولة كبيرة في شركة لم تُثبت قدرتها على التواجد بالأسواق واستيعاب تلك الاستثمارات.

وقال محمد سعيد رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة إن “هؤلاء الشباب لم يصدقوا أن في حوزتهم ذلك المبلغ الكبير الذي تلقوه كتمويل والمقدر بنحو 33 مليون دولار في شركة عمرها عامين، وقاموا باستنزافه في السوق دون عائد”.

وما يعيب الشركات الناشئة أنها ترغب في التوسع والانتشار دون التأكد من مدى انتعاش أو رواج القطاع الذي تستثمر فيه. وقد جاءت توسعات كابيتر أكبر من المأمول وبلا جدوى اقتصادية حقيقية على المنشأة.

وأوضح سعيد لـ”العرب” أن مؤسسي كابيتر لم يدركوا أنهم يعملون في مجال البقالة ومع قطاع يضم كبار التجار، وليس من السهل منافستهم أو تقديم السلع بأسعار تنافس هؤلاء.

وحمّل الخبير أصحاب صناديق رأس المال المُخاطر جزءا كبيرا في هذه الأزمة، لأنهم قدموا تمويلا بشكل يمكن وصفه بأنه “سفه”.

فكرة مبتكرة هدفها الانتشار
فكرة مبتكرة هدفها الانتشار

وأشار إلى أن الشركات الناشئة في مصر تشهد إخفاقا ملحوظا، تصل نسبة الفشل فيها إلى 90 في المئة، لكن لا تنشر غالبية تلك الإخفاقات في وسائل الإعلام، لأن تمويلها لا يكون بالحجم الضخم مثل كابيتر.

ويقول خبراء في مصر إن التغلب على التحديات التي تواجه الشركات الناشئة وتفادي الإخفاق يتطلب أن يكون تمويل المؤسسين من قبل شركات التمويل أو صناديق الاستثمار بشكل تدريجي مع متابعتها.

وأكدوا أنه حال نموها يتم زيادة التمويل والدخول كشريك أو مساهم، كما يجب التأكد أن السوق يقبل النشاط أولا ويشهد انتعاشا من جانب العملاء، فالعبرة ليست بالفكرة لكن بنجاح المشروع وتنفيذه عمليًا.

واستبعد وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع في تصريح لـ”العرب” الدعوة إلى التوقف عن الاستثمار في الشركات الناشئة.

لكنه طالب أن يعي المستثمرون فيها ومؤسسات التمويل تلك المخاطر، لأن تعثر تلك الشركات من الحالات الشائعة، ولذلك تضخيمها عبر وسائل الإعلام يضر بالأسواق.

وليد جاب الله: يجب التعامل بحذر مستقبلا عند إقراض هذه الكيانات

ويعد التناول الإعلامي المستمر لتلك الحالات أداة لرسم صورة سلبية في أذهان المستثمرين عن صعوبة تحقيق الأرباح حال الاستثمار في السوق، ما يتنافى مع وجود مزايا يتمتع بها الاقتصاد المصري من حيث تنوع الأنشطة الاستثمارية واتساع فرص المكاسب بالبلاد.

ولفت جاب الله إلى أن الشركات الناشئة في مصر تعد قاطرة الاقتصاد في العصر الحديث، وتحل مشكلات كبيرة، وتؤسس الحلول لأزمات كبرى بإجراءات يسيرة فشركات مثل أوبر وكريم وسويفل، فضلاً عن توفيرها فرص العمل للأفراد، كما أنها تحقق أرباحًا كبيرة ومقبولة.

وتكمن مشكلة تلك الشركات في مصر في عدم اكتمال الإطار القانوني اللازم لحماية وتطوير تلك الاستثمارات، ورغم حالات التعثر التي تشهدها الشركات خلال الفترة الماضية، إلا أنه لا يمكن تعميم ذلك على الأفكار الإبداعية للشباب في المراحل المقبلة.

وأكد جاب الله أن الأحداث الأخيرة دفعت صناديق رأس المال المغامر التي تستثمر في الشركات الناشئة أو شركات التمويل إلى الحيطة والحذر في الفترة المقبلة ودراسة أفكار الشباب قبل تمويلها والتأكد من جدية الشباب.

وقال “بالطبع ستنخفض تمويلات تلك الشركات في غضون الفترة المقبلة”.

وتبدأ معظم الشركات الناشئة برؤوس أموال صغيرة تناهز خمسة إلى 10 آلاف دولار أو أقل ثم تباع بنحو مليوني دولار.

كما تسهم حاضنات متخصصة للشركات الناشئة بالبلاد بدور بارز مثل “فلك” التابعة للجامعة الأميركية التي ساعدت أكثر من 60 شركة منذ 2018 على النمو أو الاستحواذ على حصة أو شركة في السوق.

10