تمويلات المركزي آلية تفك عقدة ترميم تشوهات الاقتصاد التونسي

تتزايد قناعة الكثير من الخبراء في تونس بأن التمويل المباشر من قبل البنك المركزي سيعمل على تفكيك عقدة ترميم تشوهات الاقتصاد، رغم أن شقا من المتابعين يعتقد أنه قد يكون خطوة غير محسوبة العواقب نتيجة البطء في الإصلاحات.
تونس – حملت الخطوة التي اتخذتها الحكومة لتمويل جزء من عجز ميزانية 2024 بالاقتراض مباشرة من البنك المركزي في طياتها تفاؤلا كونها ستسد الكثير من الثغرات المالية وتحسن المؤشرات السلبية الجاثمة على الاقتصاد منذ سنوات.
وأكد المختص في المخاطر المالية مراد الحطاب أن التوجه نحو التمويل المباشر للخزينة من المركزي لن يتسبب في التضخم النقدي باعتبار حدوث ذلك يعود إلى سببين أساسيين يتمثلان في الطلب لاسيما ذي الطابع الموسمي ودوامة ارتفاع الأسعار والأجور.
وتأتي مقاربة الحطاب في وقت يناقش فيه البرلمان مشروع قانون ببادرة من الحكومة يتعلق بالترخيص للبنك المركزي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة، مما يزيد الدلائل على عدم لجوء تونس إلى صندوق النقد الدولي. وتأتي هذه الخطوة في ظل شح التمويلات الخارجية والصعوبات التي تواجه المالية العامة واعتماد البلاد على الاقتراض الداخلي لسداد الديون الخارجية.
ويتضمن مشروع القانون مقتضيات مجددة في هذا المجال في خصوص عدم مرور الخزينة العامة بالاقتراض عبر الجهاز المالي في سياق السعي للمزيد من دعم توازناتها من خلال ضخ الأموال فيها دون تكلفة تثقل كاهلها. كما أنه سيساعد في تكريس تنويع مصادر التمويل والتقليص من كلفته على المستوى الداخلي.
وقال ثلاثة نواب من البرلمان لرويترز الثلاثاء الماضي، إن “الحكومة ستطلب تمويلا مباشرا استثنائيا من البنك المركزي بقيمة 7 مليارات دينار (2.25 مليار دولار) لسد عجز في ميزانية هذا العام”.
وتسلط هذه الخطوة الضوء على الصعوبات الشديدة التي تواجهها المالية العامة، التي ستدفع 4 مليارات دولار من الديون الخارجية في عام 2024، بزيادة قدرها 40 في المئة مقارنة بعام 2023.
وقال عبدالجليل الهاني، نائب رئيس اللجنة المالية بالبرلمان، إن “الحكومة قدمت مشروع قانون يطالب بتنقيح استثنائي للسماح للبنك المركزي بتقديم تسهيلات لمرة واحدة للخزينة”. وأكد نائبان آخران من البرلمان الخبر لرويترز، وأضافا أن مشروع القانون يتضمن تمويلا مباشرا على مدى 10 سنوات وبنسبة فائدة تصل إلى صفر في المئة.
ووافق مجلس الوزراء الأسبوع الماضي على مشروع القانون المثير للجدل، الذي يسمح للمركزي بتمويل الخزينة، في خطوة عززت مخاوف اقتصاديين وخبراء بشأن استقلالية البنك. وفي العام الماضي، قال الرئيس قيس سعيد إنه “يجب مراجعة القانون للسماح للمركزي بتمويل الميزانية مباشرة عن طريق شراء سندات الدولة”، وهي خطوة حذر منها محافظ البنك مروان العباسي.
وحذر العباسي في 2022 من أن خطط الحكومة لمطالبة المركزي بشراء سندات خزينة لها مخاطر حقيقية على الاقتصاد، بما في ذلك المزيد من الضغط على السيولة وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الدينار.
وينظر خبراء إلى هذه الخطوة على نطاق واسع على أنها تهديد خطير لاستقلال البنك، وتشير إلى احتمال تدخل الدولة بشكل أكبر في السياسات النقدية، خاصة في ظل صعوبة الاقتراض الخارجي.
لكن خبراء يرون أن مراجعة القانون لا تهدد استقلالية البنك “لأنه استثنائي لمرة واحدة”، وتم اللجوء إليه في بعض الدول الأخرى وحتى في تونس سابقا عندما مول المركزي الحكومة بقيمة مليار دينار (320 مليون دولار) في عام 2020.
وشدد الحطاب في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية الجمعة على أن هذا الصنف من التمويل، يمكّن الدولة من توفير ما لا يقل عن ملياري دينار سنويا. واستند في رأيه إلى أن سندات الخزينة قصيرة المدى المكتتبة من قبل المؤسسات المالية تناهز 27 مليار دينار (8.7 مليار دولار) وفق آخر إحصائيات البنك المركزي بفوائد تبلغ 9 في المئة سنويا.
واعتبر الحطاب أن القرار الجديد ينهي حقبة كلفت تونس الكثير على مستوى توسع نفقات خدمة الدين الداخلي، بحجة استقلالية البنك المركزي، ومن شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها في ما يتعلق بالتخفيض في سعر الفائدة.
40
في المئة نسبة الزيادة في الديون الخارجية في عام 2024 قياسا بالعام الماضي
وتشير التوقعات إلى إمكانية تراجع الفائدة تدريجيا من 8 في المئة حاليا إلى 6 في المئة في المدى القصير بسبب انعكاساتها على كلفة التمويل بشكل عام، فضلا عن تأثير القرار في الإبقاء على سعر صرف الدينار من خلال دعم الجهود للتحكم في التضخم المستورد. وفي جميع الحالات، أوضح الحطاب أن التسهيلات التي ستُمنح من المركزي ستكون محددة بضوابط ومعايير دقيقة في علاقة بتناسبها مع الناتج المحلي الإجمالي وموارد الميزانية.
ولكنه شدد على أنه من الضروري طرح تساؤلات جدية حول الحصيلة الاقتصادية للسياسة النقدية “المستقلة” بعد سبع سنوات على بداية تطبيق قانون في الغرض وتسبب في تفاقم الاقتراض الداخلي من الجهاز المالي من خلال مناقصات رقاع الخزينة، بشكل خاص.
وجراء سياسة الاقتراض الداخلي تضاعفت المديونية الداخلية مقارنة بالناتج المحلي الخام من 19.4 في المئة نهاية 2015 إلى 43.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 بنسب فائدة تقارب 9 في المئة سنويا. وعلى أساس ذلك ارتفعت خدمة الدين الداخلي العام الماضي إلى نحو 1.16 مليار دولار، بينما تقدر ميزانية وزارة الصحة بنحو 1.18 مليار دولار.
ويرى الحطاب أن تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي من خلال إقرار آلية التمويل المباشر يتناغم مع روح القانون الصادر في عام 1958 والمتعلق بإنشاء وتنظيم البنك المركزي. ويقر القانون تمويل الخزينة العامة في حدود 10 في المئة من المداخيل الضريبية للسنة الجارية، كما أنه يتماهى مع رؤية سعيد الذي بيّن خلال زيارته للبنك المركزي في سبتمبر الماضي أن القانون المذكور أفضل بكثير من نظيره الحالي.
ولفت الحطاب إلى أن مراجعة أهداف البنك المركزي التونسي ومهامه تكرس التناسق بين السياسة الاقتصادية للدولة والسياسة النقدية وتجاوز حالة التنافر الحالية بينهما. وأفضت العلاقة إلى عدة وضعيات وصلت إلى حد التعارض خاصة أن السياسة النقدية تتم إدارتها على المدى القصير، بينما توضع السياسة الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل.