تماثل بين الهجومين يؤكد رغبة إيران وإسرائيل في الخروج من دائرة التصعيد

باريس/طهران - يشير الهجوم "المدروس" المنسوب إلى إسرائيل ضدّ إيران الجمعة وردّ فعل طهران المعتدل عليه، إلى أنّ الطرفين يمكن أن ينخرطا في وقف للتصعيد حتى لو بقي الوضع متفجّرا، بناء على ما يذهب إليه عدد من المحلّلين.
ويخشى المجتمع الدولي من أن تتحوّل عقود من العداء بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية إلى حرب شاملة، في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي حربه في غزة في أعقاب الهجوم الذي نفّذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الدولة العبرية.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الانفجارات التي وقعت الجمعة قرب قاعدة عسكرية في قهجاورستان الواقعة بين أصفهان ومطارها في وسط البلاد، مرتبطة بهجوم إسرائيلي ضدّ إيران ردا على الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية خلال نهاية الأسبوع.
وتأتي هذه التطورات الجديدة بعدما هدّدت إسرائيل بالرد على هذا الهجوم وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة حليفتها الرئيسية.
ويقول مايكل هوروويتز المحلّل في مؤسسة "لو بيك" للاستشارات للمخاطر الجيوسياسية، إنّ "هذا ردّ محسوب يهدف إلى إظهار قدرة إسرائيل على ضرب الأراضي الإيرانية من دون إثارة أيّ تصعيد".
في هذه الأثناء، بدت طهران ميّالة إلى تهدئة الوضع الجمعة، إذ أشارت إلى هجوم من دون استخدام صواريخ وأوضحت أنّ المنشآت النووية آمنة.
ويقول جوليان بارنيس-دايسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية "يبدو أنّنا في وقت يسعى الجانبان إلى الخروج من دائرة التصعيد الحالية إذ نفّذت إسرائيل هجوماً محدوداً للغاية لإظهار الرد على الضربات الإيرانية، بينما سرعان ما قلّلت طهران من أهمية الحادث حتى لا تضطر إلى الرد عليه".
بدوره، يشير حسني عبيدي من مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسّطي الذي يتخذ من جنيف مقرّاً، إلى "شبه تماثل" بين الهجومين الإيراني والإسرائيلي، ما قد يدفع الطرفين إلى التفكير في إمكانية ترك الأمر عند هذا الحد.
ويقول إنّ "الضربة الإسرائيلية استهدفت قاعدة جوية كانت بمثابة منصة لإطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل" الأسبوع الماضي، مضيفاً أنّ "الإسرائيليين كانوا حريصين على عدم المساس بالمواقع النووية المهمّة الموجودة في المحافظة نفسها، أي أصفهان".
ومن شأن هذا الوضع أن يرضي طهران التي "ليس لديها مصلحة في استمرار هذا التوتر"، لأنّ "أولويتها القصوى" هي مواصلة برنامجها النووي الذي يعدّ ضمان بقاء النظام، وفقا لهذا الخبير في شؤون الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، يعتبر حسني أنّ إيران تمكّنت من قياس "القدرة الإسرائيلية في إطار الدفاع الجوي" خلال هجومها عليها في نهاية الأسبوع الماضي، فضلا عن التعبئة "غير المسبوقة للولايات المتحدة" وعلى نطاق أوسع للمعسكر الغربي الذي انضمّت إليه الأردن.
وأطلقت إيران ليل السبت الأحد أكثر من 300 صاروخ بالستي ومجنّح ومسيّرة بحمولة إجمالية زنتها 85 طناً قالت إسرائيل إنها تمكنت من اعتراضها جميعها تقريباً بمساعدة حلفائها ولم تخلّف سوى أضرار محدودة.
ولكن على الرغم من العناصر الموضوعية التي تميل إلى خفض التصعيد، يحافظ الخبراء على حذرهم مشيرين إلى الشكوك المحيطة بأهداف إسرائيل.
وتقول أنييس ليفالوا من معهد الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، "بالنسبة لي، تنتهج إسرائيل منطق التصعيد وليس منطق خفض التصعيد على الإطلاق"، مضيفة أنّ "مهاجمة إيران هي وسيلة للحصول على دعم دولي أكبر بكثير ممّا حصلت عليه في قضية غزة"، في إشارة إلى أنّ بعض الدول العربية تعتقد أنّ طهران وبرنامجها النووي يشكّلان في ذاتهما عاملا لزعزعة الاستقرار الإقليمي.
وبينما تقول إنّ الإسرائيليين اختاروا الرد على هجوم طهران من دون الالتفات إلى تحذيرات واشنطن، تشير إلى الطبيعة غير المتوقعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يتأثّر حتى الآن بالضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة.
وتقول أنييس ليفالوا إنّ "هناك ما يبدو واضحا ومعقولا ولكن على أرض الواقع لدينا جهة فاعلة تتخذ قرارات تبدو كأنها تتعارض مع مصالح إسرائيل نفسها".
وعلى مستوى المنطقة ككل، يشير جوليان بارنيس-دايسي إلى أنّ "الوضع الإقليمي بمجمله لا يزال محموما بشكل لا يُصدّق، بحيث أصبحت المواجهة بين هذين البلدين أكثر مباشرة من أيّ وقت مضى".
وترى أنييس ليفالوا أنّه في إطار السيناريو الأقل تشاؤما، ربما اضطرّت واشنطن إلى القبول بقيام إسرائيل بهذا الرد الانتقامي لا أكثر، معتبرة أنّ "المخاطر كبيرة للغاية" بالنسبة للولايات المتحدة ودول الخليج وإسرائيل.
الإيرانيون يحافظون على هدوئهم بعد الانفجارات
وتلقى الإيرانيون بهدوء الجمعة خبر وقوع انفجارات في وسط البلاد، فيما تجمع الآلاف في طهران تأييدا للضربة غير المسبوقة التي نفذتها الجمهورية الإسلامية ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي.
وتوجه العديد من سكان العاصمة الجمعة إلى المتنزهات أو إلى الجبل القريب، مغتنمين الطقس الربيعي الجميل في يوم العطلة الأسبوعي هذا.
والواقع أن العديدين منهم استيقظوا في الصباح على نبأ وقوع انفجارات فجرا، علموا بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما بعث مخاوف من بدء هجوم انتقامي توعدت به إسرائيل ردا على أول هجوم بالمسيرات والصواريخ على أراضيها.
لكن بعد ساعات، خيمت أجواء هادئة في العاصمة كما في أصفهان، المدينة التاريخية الكبرى في وسط البلاد حيث دوّت الانفجارات.
وقللت السلطات ووسائل الإعلام الرسمية من أهمية الانفجارات، موضحة أنها ناجمة عن تدمير الدفاعات الجوية "أجساما مشبوهة" في الأجواء على مقربة من قاعدة عسكرية. ولم ترد أنباء عن وقوع ضحايا أو أضرار.
وبعد بضع ساعات، لم يأت الرئيس إبراهيم رئيسي على ذكر هذا "الحادث" في خطاب ألقاها خلال جولة قام بها في شمال شرق إيران.
واستؤنفت الملاحة الجوية بعدما علقت إثر الانفجارات، وأعيد فتح عدد من المطارات بعد إغلاقها لفترة وجيزة، ولا سيما مطاري طهران.
ورغم عودة الحياة إلى طبيعتها، لم يخفِ محسن، سائق سيارة الأجرة الستينيّ في طهران، خوفه من أن يتدهور التوتر الحالي إلى نزاع مفتوح بين إيران وإسرائيل. وقال "الحرب مدمّرة ... ليس لنا فحسب، بل للعالم بأسره".
كما قال بهروز، رجل الإطفاء المتقاعد البالغ 71 عاما، "أنا ضدّ الحرب. لا يمكن أن نفرح بموت أحد، سواء كان إيرانيا أو إسرائيليا أو غزّاويا"، في إشارة إلى الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
في المقابل، قال علي العامل البالغ 48 عاما، "إن أرادت إسرائيل مهاجمة بلادنا، فمن واجبنا أن ندافع عنها ببسالة، لأن لا حق لإسرائيل إطلاقا في التدخل في إيران".
وبعد صلاة الجمعة، خرجت تظاهرات في طهران وعدد من المدن جمعت بضعة آلاف من أنصار الحكومة، وجرت بدون أي حوادث.
ولوح المتظاهرون في وسط طهران بأعلام إيرانية وفلسطينية وأعلام حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، وهتفوا الشعارات التقليدية المناهضة للغرب التي يرددونها منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، "الموت لإسرائيل" و"الموت لأميركا" و"الموت لبريطانيا" و"الموت لفرنسا".
ودعت عدة دول الجمعة من بينها الصين رعاياها إلى التزام الحذر بسبب أوضاع أمنية "تتطور بسرعة". وكانت دول أخرى مثل فرنسا أوصت رعاياها بـ"مغادرة إيران مؤقتا" بعد الهجوم على إسرائيل الأسبوع الماضي.