تلويح رئيس الوزراء العراقي بتعديل حكومته إبراء للذمّة أم تصفية حسابات مع دعاة استقالته

عضو في ائتلاف نوري المالكي: تعديل غير مجد لحكومة منتهية العمر الافتراضي.
السبت 2024/11/02
خطوة جسورة لا تخلو من مقامرة

عودة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني لإثارة موضوع إدخال تعديلات على حكومته قبل نحو عام من نهاية مدتها القانونية يثير الأسئلة بشأن قدرته الفعلية على القيام بذلك في ظل ارتهان الحكومة ومصيرها لتوافق القوى التي وقفت أصلا وراء تشكيلها، والتي لن يكون من السهل توافقها على تغيير وزرائها ومسؤوليها الإداريين، وهي التي لم تستطع قبل أشهر قليلة التوافق بسهولة على تشكيل حكومات المحافظات.

بغداد- قلّلت جهات سياسية وإعلامية عراقية من قدرة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني على تمرير التعديلات التي أعلن مؤخّرا أنّه بصدد إدخالها على حكومته، فيما عبرت بعض القوى المشاركة في تشكيل الحكومة ذاتها بشكل صريح عن رفضها لتعديل تركيبة مجلس الوزراء معتبرة أن الخطوة متأخرة وغير ذات جدوى.

ويبدو أنّ السوداني على علم مسبق بصعوبة تنفيذ خطّته لكنّه أراد من إعادة إثارة الموضوع مرّة أخرى تبرئة ذمّته والتعبير للرأي العام عن عدم رضاه عن أداء الحكومة ومستوى تقدّمها في إنجاز برنامجها، بما يجنّبه الغضب الشعبي وتقهقر قاعدته الجماهيرية التي سيكون بعد أقل من عام في أمسّ الحاجة إليها إذا رغب في خوض الانتخابات المقررة السنة القادمة، والفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة.

وقال السوداني في وقت سابق هذا الأسبوع “نحن بصدد إجراء تعديل وزاري وفق مؤشرات الأداء والعمل”.

أمير المعموري: التعديل يتطلب كسر القيود السياسية المفروضة على السوداني
أمير المعموري: التعديل يتطلب كسر القيود السياسية المفروضة على السوداني

وأضاف متحدّثا بمناسبة مرور عامين على تشكيل الحكومة “أن المنطقة تمر بتطورات نتيجة الصراعات وهي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية للعراق”.

وحرص على التوضيح بأنّ التعديل المذكور لا يتضمّن “موقفا سياسيا تجاه هذه الكتلة أو هذا الحزب وإنما رغبة في الوصول إلى أداء أكثر فاعلية لتلبية متطلبات المرحلة وتطلعات المواطنين”.

وسبق لرئيس الحكومة العراقية أن أعلن مرارا أنه بصدد إجراء تعديل على حكومته التي تشكلت في أكتوبر 2022 لكنه لم ينفذ تطلعاته بسبب عدم موافقة الأطراف السياسية البارزة.

ومع عودة السوداني لإثارة الموضوع عادت الاعتراضات عليه لتظهر بسرعة، حيث استبعد عضو ائتلاف دولة القانون حيدر اللامي إجراء تعديل وزاري “نظرا لقصر المدة المتبقية للحكومة فضلا عن أن هذا الموضوع لن يكون يسيرا في ظل الوضع السياسي الراهن”، موضحا في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “تغيير بعض الوزراء بحاجة إلى استقرار سياسي واتفاقات داخل القوى والأحزاب”، وهو ما قال النائب إنّه مفقود حاليا.

ويقود الائتلاف الذي ينتمي إليه اللامي رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي العضو البارز والمؤسس في الإطار التنسيقي الشيعي، والذي تحوّل من دعم حكومة السوداني إلى تزعّم المطالبة باستقالتها مع رئيسها قبل انتهاء مدّتها القانونية.

وجدّد عضو دولة القانون الدفع بهذا الاتّجاه قائلا إن “العمر الافتراضي للحكومة انتهى تقريبا مما يجعل تعديلها غير مجد”.

كما كشف اللامي عدم رضا أغلب الأحزاب السياسية عن إجراء التعديلات الوزارية مشيرا إلى وجود “اتفاقات وفق مبدأ التخادم السياسي على رفض هذه التعديلات”.

ويمنح الدستور العراقي رئيس الوزراء الحق في إجراء تعديلات حكومية على كابينته مع تقييد ذلك بموافقة البرلمان عليها بأغلبية النصف زائدا واحدا.

حيدر اللامي: تغيير بعض الوزراء بحاجة إلى استقرار سياسي واتفاقات داخل القوى والأحزاب
حيدر اللامي: تغيير بعض الوزراء بحاجة إلى استقرار سياسي واتفاقات داخل القوى والأحزاب

وعلى مدى الفترة المنقضية من عمر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني، طرحت أكثر من مرّة إمكانية إدخال تعديلات على تركيبتها وذلك إيفاء بما كان السوداني قد ألزم به نفسه لدى تسلمه المنصب التنفيذي الأهم في الدولة بشأن التقييم المستمر لأداء الوزراء ونتائج عملهم وإعفاء المقصرين منهم والفاشلين في تحقيق أهداف البرنامج الحكومي.

ويعني نظريا عدم إجراء التعديلات قيام جميع الوزارات بمهامها على أكمل وجه ونجاحها في بلوغ الأهداف المرسومة لها، وهو أمر لا يعكسه واقع الحال في البلد حيث ما تزال أبرز الملفات والقضايا التي حملت حكومة السوداني على عاتقها مسؤولية معالجتها وحسمها مطروحة، بل ازداد بعضها تعقيدا عما كان عليه قبل مجيء الحكومة الحالية.

ويتفاوت الأداء والنتائج المحققة بين وزارة وأخرى، إذ يقابل التحسّنَ الطفيفَ في الوضع الاقتصادي والتقدّمَ الملموسَ في تثبيت الأمن والاستقرار، تلكؤُ جهود محاربة الفساد وتراجعها، وبقاءُ الأوضاع الاجتماعية على حالها مع استمرار اتّساع دائرة الفقر وارتفاع معدّل البطالة جنبا إلى جنب التعثّر الحكومي الأوضح في تحسين الخدمات وتوفير الماء والكهرباء بشكل منتظم لكافة السكّان.

لكن ما يقيّد يد السوداني بالفعل ويجبره على مواصلة العمل بذات الطاقم الوزاري بغض النظر عن أدائه هو ارتهان حكومته بشكل كامل للأحزاب والفصائل التي اشتركت في تشكيلها عبر تحالفها في إطار ائتلاف إدارة الدولة الذي يضمّ قوى عربية سنية وكردية جنبا إلى جنب القوى المشكّلة للإطار التنسيقي الشيعي صاحب السطوة الكبيرة على الحكومة وقراراتها.

وطرح عبدالقادر النايل عضو الميثاق الوطني العراقي سببا سياسيا مختلفا تماما لعودة السوداني المفاجئة للحديث عن تعديل الحكومة، معتبرا “التعديلات الوزارية التي تحدث عنها رئيس الوزراء لا تتعلق بتصحيح مسار حكومته مطلقا، إنما تخضع لحسابات سياسية هدفها الأساسي تصفية حسابات مبكرة قبل الانتخابات”.

وقال في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية إن “الوزراء الذين سيشملهم التعديل وفقا للطرح الحكومي، لم ينضمّوا إلى تحالف السوداني الذي يعمل عليه بصمت، لأنه يريد أن يؤسس ائتلافا انتخابيا بعيدا عن نوري المالكي، على الرغم من الهزات السياسية التي تعرض لها السوداني من قبل زعيم دولة القانون وكان أخطرها فضيحة خلية التجسس في مكتبه”.

عبدالقادر النايل: التعديلات الوزارية التي تحدث عنها رئيس الوزراء لا تتعلق بتصحيح مسار حكومته مطلقا
عبدالقادر النايل: التعديلات الوزارية التي تحدث عنها رئيس الوزراء لا تتعلق بتصحيح مسار حكومته مطلقا

وأضاف موضّحا أنّ السوداني الذي يحظى بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وبلدان المنطقة “يسعى إلى رسم حكومة بوزراء يعملون على إعادته لولاية ثانية”، ما سيشكل وفقا للنائل “ضربة سياسية لخصومه، لأن الشعب العراقي يتصور أن هؤلاء الوزراء غير أكفاء، وبالتالي كتلهم السياسية ستتحمل هذا الإخفاق انتخابيا، لأن الجمهور سيحكم عليهم بالفشل”.

وعلى طرف نقيض من هذا الطرح استبعد النائب بالبرلمان العراقي أمير المعموري استهداف رئيس الوزراء بالتعديل الحكومي لأي جهة سياسية واستغلال الموضوع لغايات انتخابية” ولفت إلى أنّ الرجل “يعلم جيدا أن هكذا خطوة سوف تثير ضدّه غضب الكتل والأحزاب”.

ورأى في ضوء تلك الاعتبارات أنّ التعديل الوزاري إذا تمّ “سيشمل وزراء من كتل ومكونات مختلفة حتى لا يتهم السوداني بأن هناك استهدافا من قبله لأي جهة”.

ويفضل المعموري الانتظار للوقوف على الإمكانيات التي يمتلكها السوداني بالفعل لـ”كسر القيود السياسية المفروضة عليه من أجل إجراء تعديل وزاري على حكومته”.

وقال لوسائل إعلام محلية إنه “بما لا يقبل الشك هناك ضغوط سياسية على رئيس الوزراء من أجل ثنيه عن إجراء أي تعديل وزاري، كون الوزراء تابعين إلى الكتل والأحزاب المتنفذة المشكلة للحكومة الحالية، وهناك قيود يجب أن يتجاوزها السوداني، فهناك وزراء فعلا بحاجة الى تغيير بسبب الإخفاق الواضح في الأداء وتنفيذ المنهاج الوزاري”. وبين أنّ “إمكانية كسر تلك القيود من قبل السوداني ستُكشف في الأيام القليلة المقبلة “.

وتعتبر المواقع الوزارية والإدارية التي تشكّل الجهاز الحكومي العراقي حصصا للقوى السياسية بموجب عرف المحاصصة الذي أرسي في البلد بعد سنة 2003.

ولا يمثّل حصول الأحزاب والفصائل المسلحّة على مناصب وزارية في الحكومات العراقية مجرّد منجز اعتباري وتأكيدا للحضور السياسي والمساهمة في تجربة الحكم، لكنّه يعتبر بقدر أكبر وسيلة للوصول إلى المقدرات المادية للدولة وتحصيل جزء من الثروة الوطنية.

يبدو أنّ السوداني على علم مسبق بصعوبة تنفيذ خطّته لكنّه أراد من إعادة إثارة الموضوع مرّة أخرى تبرئة ذمّته

وكثيرا ما تمكّنت الأحزاب من خلال تموقعها في الوزارات من السيطرة على قطاعات بحالها والهيمنة على مشاريعها وأعمالها وتحصيل ثروات طائلة من وراء ذلك.

ومن البديهي أن ترفض قوى إدارة الدولة والإطار التنسيقي المساس بحصصها في الحكومة مهما كان مستوى أداء الوزراء التابعين لها.

وليس من الوارد على الإطلاق إقالة وزير تابع لحزب أو فصيل ما وتغييره بآخر مستقل أو منتم لجهة أخرى، إذ يعني التعديل آليا تعيين خلف للوزير المقال بآخر من ذات حزبه أو فصيله.

ورغم ذلك ترفض الأحزاب والفصائل المسلّحة الممسكة ببعض الوزارات أن يشمل التعديل “وزاراتها” كي لا تتلبس بها وصمة الفشل أو الفساد.

 

اقرأ أيضا:

      • شبح التورط في الصراع الإقليمي ما يزال يلاحق العراق

3