تلكؤ الوفد السوداني في لقاء المبعوث الأميركي بالقاهرة يكشف تخبط الجيش

القاهرة - تتضارب المعلومات حول تأخر ذهاب وفد الحكومة السودانية إلى القاهرة ولقاء المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو، من أجل استكمال المحادثات الجارية حالياً في جنيف، دون تحديد موعد لزيارة الوفد، وهو ما يبعث إشارات على تخبط في توجهات الجيش السوداني، وخشية قيادته أن تجد نفسها مضطرة إلى إرسال وفد عسكري إلى مباحثات جنيف بعد إعلان مقاطعتها ورفض دعوة الولايات المتحدة للقاء قوت الدعم السريع.
وكانت تقارير سودانية ذكرت الثلاثاء، أن وفدا برئاسة وزير المعادن محمد بشير أبونمو وصل القاهرة استجابة لدعوة من الولايات المتحدة ومصر للتباحث حول رؤية الحكومة السودانية بشأن آليات تنفيذ اتفاق جدة الموقع في مايو من العام الماضي.
وحثّ المبعوث الأميركي للسودان الذي وصل القاهرة، الجيش والدعم السريع على فهم خطورة الوضع الكارثي الذي تمر به البلاد، وقال إن اجتماعات سويسرا هدفها توحيد جهود المنظمات الدولية، وأن المحادثات غير معنية بمصلحة أي من طرفي الصراع.
وكان مجلس السيادة السوداني الانتقالي أعلن إرسال وفد حكومي إلى القاهرة للقاء المبعوث الأميركي، وأن الخطوة جاءت بناء على اتصال مع الحكومة الأميركية، متمثلة في المبعوث الخاص توم بيريلو، وطلب آخر من الحكومة المصرية لعقد اجتماع مع وفد رسمي لمناقشة رؤية الحكومة السودانية حول تنفيذ اتفاق جدة.
ويقول مراقبون إن المبعوث الأميركي أدرك كيفية التعامل مع قيادة الجيش، ويحاول من خلال إجراء مناقشات في أي مكان سد المبررات والذرائع التي تستخدم للتملص من تنفيذ التزامات وقف الصراع وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين.
ويضيف هؤلاء أن بيريلو وضع منهجا يعتمد على مناقشة القضايا الحيوية مع الدعم السريع في جنيف، ومناقشتها مع وفد الجيش في القاهرة، وأن الاتصالات الهاتفية والمرئية مع المسؤولين في الجيش لم تتوقف الفترة الماضية، ما يمهد الطريق لصياغة ما تم التفاهم عليه بين الطرفين، في كل من جنيف والقاهرة، والخروج بمسودة اتفاق نهائي وطرحها عليهما معا، أو كل على حدة لاحقا.
وذهب وفد الدعم السريع إلى جنيف لحضور الاجتماعات، بدءا من الرابع عشر من أغسطس الجاري ولمدة عشرة أيام، بينما غاب وفد الجيش بحجة أنه طالب بتنفيذ بنود إعلان جدة أولا، ورغبته في إرسال وفد حكومي مدني وليس عسكريا.
وأرسلت الحكومة وفدا إلى جدة وقررت إرسال وفد آخر إلى القاهرة لإجراء حوارات مع المبعوث الأميركي، بعد أن ربطت الذهاب إلى جنيف بتنفيذ مطالبها، وهو ما فسّر بعدم استعداد الجيش لوقف الحرب والدخول في عملية سياسية شاملة مع القوى السودانية، وهما من أهم المحاور المعروضة على طاولة سويسرا.
وقال المحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي إن وصول وفد الحكومة إلى القاهرة (إذا تأكد) يشير إلى “خطوة متقدمة نحو الذهاب إلى جنيف، وأن المباحثات من المتوقع نجاحها في الضغط المكثف الذي تمارسه قوى إقليمية على الجيش، وعدم ممانعة قيادته وجود القاهرة كوسيط في المحادثات، في ظل ضعف موقفه الميداني". وذكر في تصريح لـ”العرب” أن مصر جزء مهم في الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة والسعودية، ومعهم الإمارات، ما يمنح المفاوضات رئة لتفكيك عقبات وقف الحرب، مع ملامح توافق إقليمي على أهمية وقف الصراع.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بفشل مفاوضات جنيف هذه المرة، وأن لقاء القاهرة (المتوقع) تسعى من خلاله واشنطن لطمأنة الجيش عبر تعزيز الوجود المصري كطرف في المحادثات بما يشكل ضمانة للتوقيع على اتفاق إنهاء العدائيات، لافتا إلى أن ذهاب وفد الجيش إلى جنيف “لا مفر منه لأن تنفيذ إعلان جدة يتطلب التفاوض حول آليات تنفيذه، وعليه الاعتراف بوجود طرف آخر في المعادلة".
ووصف توم بيريلو مفاوضات جنيف بأنها نموذج جديد تريد واشنطن مواصلة البناء عليه، وأن الهدف توسيع نطاق إيصال المساعدات وإعادة فتح الممرات الإنسانية، وأن الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن يدعمان هذا المسار. وعبّر بيريلو عن تفاؤله بالقول "إذا كان وفد الجيش هنا (جنيف) أضمن أننا سنحقق المزيد من النتائج للسودانيين فيما يتعلق بالحصول على المساعدات وحماية المدنيين".
وأكدت المحللة السياسية المصرية صباح موسى أن ما سيدور في القاهرة يصعب وصفه بـ”المفاوضات” لكنه اجتماعات المراد منها التوافق على أجندة مباحثات جنيف، مع مراعاة التحفظات التي أبدتها الحكومة السودانية سابقا، وأن عدم وجود الطرف الحكومي في جنيف تسبب في عدم صدور بيانات تتعلق بالتباحث حول الوضع الأمني والعسكري، واكتفت الإدارة الأميركية بتأكيد ضرورة الانخراط في المفاوضات.