تلقيح المواطنين أولا.. وصفة كويتية للتمييز ضد الوافدين

التمييز ضد الوافدين إلى الكويت تحول من مجرد دعوات إلى ممارسة عملية عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة حيث يكافح العديد منهم للحصول على التطعيم.
الاثنين 2021/04/05
مركز الكويت.. للكويتيين

الكويت- ضاعفت جائحة كورونا من المصاعب التي يواجهها العمّال الوافدون إلى الكويت بشكل متزايد في ظل بروز مواقف سلبية تجاههم يترجمها بعض السياسيين في تحميلهم هذه الشريحة المستضعفة قسما هامّا من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحتّى الأمنية ودعوتهم إلى اتّخاذ إجراءات بحق هؤلاء الوافدين ترقى أحيانا إلى مرتبة التمييز ضدّهم من قبل دعوة عضو سابق في البرلمان إلى عدم منحهم رخص قيادة المركبات أو منعهم من استخدام الطرقات العامّة إلا مقابل رسوم مالية وذلك لحل مشكلة الازدحام المروري.

لكنّ التمييز ضد الوافدين إلى الكويت يتحوّل من مجرّد دعوات إلى ممارسة عملية عندما يتعلّق الأمر بلقاح فايروس كورونا، بحسب ما ورد في تقرير لأسوشيتد برس بإمضاء مراسلتها إيزابيل ديبر، ورد فيه أنّ هؤلاء الوافدين الذين يديرون اقتصاد البلاد ويخدمون مجتمعها ويشكلون سبعين في المئة من السكان يكافحون للحصول على لقاحات مضادّة للفايروس.

روهان أدفاني: من السهل أن يُنظر إلى الوافدين كأصل لجميع مشاكل الكويت

وعلى عكس دول الخليج الأخرى التي أعطت جرعات لجماهير العمال الأجانب في سباق للوصول إلى مناعة شاملة، تعرضت الكويت لانتقادات بسبب تطعيم شعبها أولا.

ومن هنا ينتظر العديد من العمال الوافدين من آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى الذين ينظفون منازل المواطنين الكويتيين ويعتنون بأطفالهم ويقودون سياراتهم ويحملون البقالة لهم دورهم لتلقي جرعاتهم الأولى على الرغم من تحملهم وطأة الوباء.

وقال طبيب كويتي يبلغ من العمر 27 عاما “الوحيدون الذين رأيتهم في مركز التطعيمات هم كويتيون. الكويت لديها سياسة المواطن أولا في كل شيء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة”.

وعندما تم إطلاق موقع تسجيل التطعيمات في الكويت في ديسمبر الماضي، أعلنت السلطات أن العاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن وذوي الظروف الخاصة سيكونون في المرتبة الأولى. ومع مرور الأسابيع اتضح أن نصيب الأسد من الجرعات يذهب إلى الكويتيين، بغض النظر عن أعمارهم أو صحتهم. وفي البداية قال بعض العاملين في المجال الطبي من الوافدين إنهم لا يستطيعون حتى الحصول على مواعيد لتلقي التطعيم.

ويشتهر نظام العمل الكويتي بربطه إقامة الوافدين بوظائفهم ومنحه أصحاب العمل سلطة كبيرة على عمالهم الأجانب. لكن العداء تجاه الوافدين تصاعد منذ فترة طويلة في الكويت. وقد أثار إرث حرب الخليج عام 1991 الذي أدى إلى عمليات ترحيل جماعية للعمال الفلسطينيين والأردنيين واليمنيين الذين دعم قادتهم العراق في الصراع، القلق بشأن الحاجة إلى الاستقلالية والاعتماد على الذات في الكويت حتى بعد أن ملأ عمال جنوب شرق آسيا هذا الفراغ.

ويقول روهان أدفاني الباحث في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس “من السهل أن يُنظر إلى الوافدين على أنهم أصل جميع المشاكل في الكويت. لا يتمتع المواطنون بسلطة سياسية أو اقتصادية لذلك عندما لا يحبون ما يحدث لبلدهم، يصبح إلقاء اللوم على الأجانب هو المنفذ الرئيسي”.

وشاهدت امرأة هندية تبلغ من العمر ثلاثين عاما وأمضت حياتها كلها في الكويت صورا على تطبيق إنستغرام لبعض المراهقين الكويتيين وهم يحتفلون بتلقيهم اللقاح، بينما لا يستطيع والدها البالغ من العمر اثنين وستين عاما والمصاب بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم تلقي اللقاح.

وقالت المرأة الهندية “كل الكويتيين الذين أعرفهم تم تطعيمهم. هذا الأمر مزعج ولا أجد طريقة تجعلني أشعر بأنني أنتمي إلى هنا بعد الآن”.

وكشفت وزارة الصحة الكويتية في وقت سابق من العام الجاري أن الكويت لقحت مواطنيها بمعدل ستة أضعاف التطعيم لغير المواطنين. وفي ذلك الوقت وعلى الرغم من تسجيل حوالي 238 ألف أجنبي عبر الإنترنت لحجز موعد، تم استدعاء 18 ألفا منهم فقط، معظمهم من الأطباء والممرضات والعاملين في شركات النفط الحكومية لتلقي اللقاح. وعلى الجانب الآخر تم تطعيم حوالي 119 ألف كويتي.

ومع توفر معلومات اللقاح باللغتين الإنجليزية والعربية فقط، يقول المحامون إن ذلك يستبعد العشرات من العمال ذوي الأجور المنخفضة من جنوب شرق آسيا الذين لا يتحدثون أيا من اللغتين.

مع انتشار فايروس كورونا في المناطق المزدحمة حيث يعيش العديد من الوافدين، فرضت السلطات عمليات إغلاق مستهدفة ونشرت أعداد الإصابة وفقا للجنسيات

وقد أثار هذا التمييز جدلا محتدما على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شجب المستخدمون ما وصفوه بأحدث حالة من كراهية الأجانب في الكويت. ويقولون إنّ الوباء ضاعف من استياء العمال الوافدين وعمق الانقسامات الاجتماعية وزاد من عزم الحكومة على حماية شعبها أولا. وقد حذر مهنيون في المجال الطبي من أن هذا التمييز في الكويت يضر بالصحة العامة.

ومقارنة بالإمارات والبحرين وهما من بين أسرع الدول في التطعيم للفرد في العالم، فقد تأخرت حكومة الكويت في إتمام حملة التلقيح. وبينما ينتظر الوافدون لتلقي التلقيح، يقول مسعفون إن المواطنين الكويتيين مازالوا مترددين في التسجيل بسبب الشائعات التي يتم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب تزايد عدد الإصابات، فرضت الحكومة حظر تجول ليليا صارم الشهر الماضي.

ومع تصاعد الضغط على وزارة الصحة خففت الحكومة من قيودها في الأسابيع الأخيرة، وازدادت أعداد المقيمين الأجانب الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فما فوق ممن تلقوا اللقاح. ومع ذلك، يصر معظم الوافدين على أن عدم المساواة في اللقاح لا يزال لافتا للنظر.

وقال عامل تنظيف منزلي يبلغ من العمر 55 عاما من سريلانكا “لا أزال أنتظر مكالمة حتى أتلقى التطعيم. وفي اللحظة التي أتلقى فيها هذه المكالمة، سأذهب. أحتاج إلى اللقاح لأكون آمنا”.

ولم تصدر الحكومة تفصيلا ديموغرافيا للوافدين الذين تم تطعيمهم مقابل الكويتيين منذ اندلاع الغضب بشأن عدم المساواة في منتصف فبراير الماضي، واكتفت بإصدار إحصاءات التطعيم الشاملة تظهر تلقي حوالي 500 ألف شخص جرعة واحدة على الأقل من لقاحات فايزر وأسترازينيكا، وفقا للسلطات الصحية.

وحتى مع استمرار عدم تلقيح غالبية العاملين في مجالات الاتصال المباشر مثل محلات البقالة والمقاهي، تخطط الكويت لإعادة فتح باب التلقيح مرة أخرى. وأعلنت الحكومة أن أولئك الذين يستطيعون إثبات حصولهم على اللقاح سيكونون قادرين على الذهاب إلى المدارس في الخريف والذهاب إلى دور السينما في الربيع وتخطي الحجر الصحي بعد سفرهم خارج البلاد.

الوباء ضاعف من استياء العمال الوافدين وعمق الانقسامات الاجتماعية وزاد من عزم الحكومة على حماية شعبها أولا
الوباء ضاعف من استياء العمال الوافدين وعمق الانقسامات الاجتماعية وزاد من عزم الحكومة على حماية شعبها أولا

وشعر العمال الوافدون في الكويت بهذا الإحباط من قبل. وعندما ضرب الوباء لأول مرة ألقى المشرعون ومضيفو البرامج الحوارية والممثلات البارزات باللوم على الوافدين في انتشار الفايروس.

ومع انتشار فايروس كورونا في المناطق المزدحمة حيث يعيش العديد من الوافدين، فرضت السلطات عمليات إغلاق مستهدفة ونشرت أعداد الإصابة وفقا للجنسيات. وعندما ارتفعت الإصابات بين الكويتيين، توقفت الحكومة عن نشر البيانات الديموغرافية.

وفي وقت سابق من هذا العام، حظرت الحكومة تجديد التأشيرات للوافدين الذين تزيد أعمارهم عن ستين عاما والذين لا يمتلكون شهادات جامعية، مما أدى فعليا إلى طرد ما يقدر بنحو سبعين ألف شخص، بما في ذلك العديد ممن عاشوا في الكويت منذ عقود.

وقالت امرأة لبنانية تبلغ من العمر ثلاثين عاما نشأت في الكويت ولا يزال أقاربها الأكبر سنا ينتظرون تلقي التطعيم “هذا التمييز ليس جديدا بالنسبة إلينا. لقد أظهر هذا الوباء أسوأ ما في الأمر. لكن هذه حياة وموت. لم أكن أعتقد حقا أن الأمر سيصل إلى هذه المرحلة”.

3