تلفزيون لبنان يقترب من الانهيار مع استمرار أزماته

عادت أزمة تلفزيون لبنان لتطفو على السطح مجددا مع استمرار معاناة موظفيه وعدم حصولهم على حقوقهم المالية على قلتها، ومع تخلي الدولة عنه يصبح مصير التلفزيون والعاملين فيه في مهب الريح.
بيروت - يكافح تلفزيون لبنان من أجل البقاء بالحد الأدنى من المقومات، إذ انعكس الانهيار المالي بشكل مباشر على الموظفين الذين يتقاضون رواتب متدنية مقارنة مع المؤسسات الأخرى، فيما يلوحون بالإضراب بعد أن فشلوا في التوصل إلى حل مع القائمين على التلفزيون المهدد بالانهيار.
وعقد مجلس نقابة مستخدمي التلفزيون في لبنان اجتماعاً “للتداول بما آلت إليه أوضاع موظفي تلفزيون لبنان لاسيما لجهة عدم استفادتهم حتى اليوم من التعويضات المؤقتة التي أقرتها الحكومة في المرسوم 13020 تاريخ 28/2/2024 رغم موافقة ومراجعات وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري المتكررة”.
وأشار بيان للمجلس إلى أنه “وبعد سلسلة الاتصالات التي أجرتها النقابة مع عدد من المعنيين، يعتبر مجلس النقابة أن رواتب المستخدمين خط أحمر لا يجوز التفريط به”، داعيا “الجميع إلى التفاعل لتكريس هذا الحق الشهري المقدس”.
وأضاف “إن هذه المؤسسة الإعلامية الوطنية الهامة تبقى من أبرز معالم الدولة وذاكرة الوطن ولا يجوز إخضاع عملها لمنطق الربح والخسارة، لذلك نأمل من المسؤولين في وطننا الالتفات إلى التلفزيون الوطني لا محاصرته وعدم حمايته وتحصينه وهو الذي يضم خيرة الكفاءات الإعلامية والفنية والتقنية وتختزن من أرشيفه كل المؤسسات الإعلامية وهو ذاكرة لبنان والعالم العربي المرئية”.
وفي هذا الإطار، عُقد اجتماع مع وزير الإعلام في حضور رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، وكان “التأكيد على متابعة إنجاز الحقوق وإيجاد أرضية صالحة لموازنة شاملة للتلفزيون تعطي الحقوق كاملة وتدخل في إطار الموازنة الشاملة للعام 2025 بما يتناسب مع تطور العمل التقني والفني فيه، بما في ذلك تأمين صفائح البنزين والمثابرة إضافة إلى المتأخرات من خلال اتصالات ستتكثف في الأيام المقبلة للوصول إلى الحلول المطلوبة”.
مجلس نقابة مستخدمي التلفزيون يؤكد أن رواتب المستخدمين خط أحمر لا يجوز التفريط فيها ويدعو إلى تكريس هذا الحق
وسبق أن وصف وزير الإعلام تلفزيون لبنان الرسمي بأنه “مديون ومنهوب”، لافتا إلى أن ميزانيته الشهرية تبلغ 15 ألف دولار. وأشار إلى أنه “يحصل على مساهمة شهرية من الوزارة بما يقارب المليار و500 مليون ليرة”، وقال “كان قبل الأزمة يحصل على مبلغ مليون دولار شهريا. واليوم أصبح المبلغ 15 ألف دولار شهريا”.
ولفت في مؤتمر صحفي إلى أن “تلفزيون لبنان تتم إدارته بـ240 موظفا، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية، من دون أي إيرادات أو مداخيل أخرى، لاسيما أن الإنتاج ونسبة المشاهدين تراجعا في السنوات الأخيرة”.
كما لفت إلى أن “حجم الديون فيه وصل إلى مليونين و343 ألف دولار و354 ألف فرنك سويسري و17540 يورو”، مشيرا إلى أن “حساباته موجودة في 3 مصارف لبنانية، وتبلغ قيمة ودائعه حوالي 12 مليار ليرة و57 ألف دولار”.
وطالب كثيرون بإغلاق التلفزيون. لكن فئة أخرى ليست بالقليلة تعتبر أن هذا الطرح يسيء للبنان وليس فقط لتلفزيونه الرسمي. وقالت النقابة في بيان سابق “لم يكن ينقص تلفزيون لبنان الذي يكافح بجهود موظفيه من أجل الاستمرار، إلا طرح إقفاله”.
واعتبر رئيس نقابة موظفي التلفزيون المخرج حنا بواري في تصريحات سابقة أن “الأزمة الاقتصادية راكمت المشاكل ولا توجد إدارة فيه وهناك الكثير من الموظفين تقاعدوا وكل الأسهم في التلفزيون تملكها الدولة”.
وزير الإعلام وصف بالسابق تلفزيون لبنان الرسمي بأنه "مديون ومنهوب"، لافتا إلى أن ميزانيته الشهرية تبلغ 15 ألف دولار
وأضاف أن “انهيار تلفزيون لبنان هو لمصلحة الجميع، هناك أشخاص من محطات خاصة عينهم عليه، وسنعمد إلى وقف النقل المباشر”. وتابع “كل ما نطلبه هو تنفيذ المراسيم التي صدرت عن الدولة في موضوع الرواتب لأننا لانزال نقبض رواتبنا على سعر الصرف القديم”.
واعتبر متابعون أن مظاهر انهيار الدولة بكل أشكالها تتجلى خصوصا في مؤسساتها الإعلامية المتعثرة، والتي تتكشف يوما بعد يوم.
وتكافح وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في لبنان من أجل البقاء، بعد احتجاب عدد منها عن الصدور وتعثر معظمها عن سداد رواتب موظفيها، في وقت يشهد فيه قطاع الصحافة تدهورا منذ سنوات فاقمته مؤخرا أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وشرح المكاري، خلال مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج “حوار المرحلة”، ملف التلفزيون بعد التحركات الميدانية التي قام بها موظفوه العام الماضي قائلاً “كنا أمام خيارين، إما إقفال التلفزيون وحرمان عشرات العائلات من لقمة عيشها أو الاستمرار في العمل”.
ويسعى مكاري مع خبراء وجهات دولية مانحة لإعداد كل ما يلزم تقنيا، لتقديم “أوراق اعتماد” أرشيف تلفزيون لبنان لمنظمة الأونيسكو، علما أنه بتعريف المنظمة، يجب أن يتمتع الأرشيف بقيمة ثقافية وتاريخية ليحظى بامتياز الانضواء في كنف “ذاكرة العالم” التي تختزن 494 مجموعة وثائقية، وهذا امتياز إن تحقق له رمزيته الكبرى، كونه يضع إرثا ثقافيا وإعلاميا من لبنان على الخارطة العالمية، وهو إرث يعد ثروة وطنية وتاريخية.
قطاع الصحافة يواجه منذ سنوات أزمة متمادية ترتبط أساسا بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام
ويحوي أرشيف تلفزيون لبنان الذي بدأت عملية تنظيمه وتحديثه ورقمنته في العام 2010، أكثر من 50 ألفا من الأشرطة المسجلة ويعود مضمون بعضها إلى مرحلة الحرب العالمية الثانية، ولو أن التلفزيون عرف انطلاقته الرسمية من تلة الخياط في بيروت في العام 1957. وفي عداد المواد الأرشيفية، تغطيات لزيارات ملوك ورؤساء عرب ومقابلات وأحداث وبرامج ومسلسلات وحفلات لعمالقة عرب، في مقدمهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وفيروز.
وتلفزيون لبنان هو شركة التلفزة اللبنانية الرسمية التي تشرف عليها الحكومة اللبنانية، وأنشئت عام 1977 بدمج شركتين هما شركة التلفزيون اللبنانية وتلفزيون لبنان والمشرق، وتعتبر الشركتان من أقدم شركات التلفزة في المنطقة العربية، وكان الإنتاج التلفزيوني للشركة السباق في إنتاج الدراما العربية التي انتشرت في العالم العربي قبل الحرب الأهلية، إلا أن إنتاجيتها انخفضت مع بداية الحرب، وانعدمت بعد الحرب بسبب انتشار المحطات الخاصة.
وبعد تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان، تم دمج الشركتين نهائياً وسميت الشركة الجديدة تلفزيون لبنان واشترت الدولة اللبنانية 51 بالمئة من أسهمها، وأعطته حقاً حصرياً باستغلال الأقنية التلفزيونية في لبنان حتى عام 2012.
ومع تصاعد الحرب الأهلية انقسم تلفزيون لبنان على نفسه، فأصبحت القناة 7 والقناة 9 الناطقة بالفرنسية لسان حال المناطق الغربية المسلمة، أما القناتان 5 و11 فقد نطقتا باسم قوى المنطقة الشرقية المسيحية.
وفي عام 1991 بعد عودة الاستقرار إلى لبنان وحدت الحكومة اللبنانية المحطتين وألغت القناة الفرنسية، وأصبح تلفزيون لبنان محطة التلفزة الرسمية في لبنان.
ويواجه قطاع الصحافة منذ سنوات أزمة متمادية ترتبط أساسا بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام، إضافة إلى ازدهار الصحافة الرقمية وتراجع عائدات الإعلانات. وخلال السنوات الماضية استغنت عدة مؤسسّات عن عاملين فيها، كما توقّفت صحف عريقة عن الصدور.
لكن معاناة وسائل الإعلام تضاعفت مؤخراً نتيجة الانهيار الاقتصادي المتسارع، وسط شحّ في السيولة ومخاوف من عدم تمكن لبنان من سداد جزء من الدين العام المتراكم والذي سيستحق قريبا، بالتزامن مع الزيادات المستمرة في أسعار المواد الأساسية وفرض البنوك إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.
وتمتنع الكثير من وسائل الإعلام، لاسيّما القنوات التلفزيونية، عن دفع رواتب موظفيها كاملة.