تلاميذ جنوب لبنان يعودون إلى مقاعد الدراسة رغم القصف

بيروت - قرعت الراهبة جرس المدرسة صباحا للمرة الأولى منذ نحو عام إيذانا ببدء العام الدراسي في ثانوية القلبين الأقدسين في بلدة مرجعيون في جنوب لبنان والتي عاد تلاميذها إلى مقاعدهم على الرغم من القصف اليومي.
والتقى التلاميذ بأصدقائهم بعد عام أتمّوه في التعلم عن بعد بسبب التصعيد بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر 2023، خشية من أن يطال البلدة التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن الحدود.
في هذا الصباح، أحضرت مريم حردان فارس ابنيها اللذين يبلغان من العمر 10 سنوات و8 سنوات إلى المدرسة وسط مشاعر متضاربة، قائلة “نحن متوترون وسعداء في الوقت نفسه”.
وتقرّ بوجود “قليل من القلق، نخشى من أي ضربة خاطئة”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن “العام الفائت كان مليئا بالصعوبات، كانت سنة صعبة كنا جالسين قرب الأولاد طوال الوقت”، وهم يتلقون التعليم عن بعد.
ودخل التلاميذ من كل المراحل التعليمية وصولا إلى الصفوف الثانوية، وعلى ظهورهم حقائبهم الملونة، المدرسة مرتدين الزي المدرسي المؤلف من قميص أبيض وسروال أزرق داكن.
وتشارك التلميذة ياسمين أبوإبراهيم زملاءها فرحة العودة. وتقول من باحة المدرسة “نحن سعداء بالعودة بعد سنة كانت صعبة تعلمنا فيها عن بعد وعانينا كثيرا، أتمنى أن يكون هذا العام جميلا وأن نواصل الحضور إلى المدرسة”.
يتوقع أن يزيد عدد الطلاب بين 20 و30 في المئة في المدارس الرسمية عن العام الماضي في جنوب لبنان
وعلى الرغم من أن بلدة مرجعيون ذات الغالبية المسيحية بقيت بمنأى تقريبا عن القصف اليومي للحدود، إلا أن ذلك لا يعني أن دوي القصف في القرى المجاورة لا يصل إليها.
وقررت مديرة المدرسة الأخت هيام حبيب فتح الأبواب هذا العام خصوصا بسبب صعوبة التعليم عن بعد.
تقول حبيب من مكتبها “حتمت علينا الظروف الأمنية العام الماضي أن نعلّم عن بعد لكننا وجدنا صعوبات كثيرة (…) لاسيما الصعوبات اللوجستية المتعلقة بانقطاع الكهرباء وضعف شبكة الإنترنت”.
وتشدّد “أردنا هذا العام أن نتخطى كل المخاطر ونفتح ويعود التلاميذ إلى المدرسة”، مضيفة “نحن نعيش في ظروف استثنائية لكن لا يمكن أن نستسلم ونضيّع على الأولاد عاما إضافيا بالتعليم عن بعد”.
ومنذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل في المنطقة الحدودية، قتل 627 شخصا على الأقل في لبنان، بينهم 141 مدنيا، وفق تعداد لوكالة فرانس برس، بينما قُتل 24 جنديا و26 مدنيا على الجانب الإسرائيلي وفق الجيش.
أكثر من 112 ألف شخص نزحوا من بيوتهم في جنوب لبنان، 35 في المئة منهم أطفال
ونزح أكثر من 112 ألف شخص من بيوتهم في جنوب لبنان، وفق منظمة الهجرة العالمية، 35 في المئة منهم أطفال.
والثلاثاء، أصيب “المئات من الأشخاص” بجروح في لبنان إثر انفجار لأجهزة اتصالات يحملونها، كما قال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض.
وأكد مصدر مقرب من حزب الله أن “عددا كبيرا” من عناصره أصيبوا بجروح في هذه الانفجارات.
مع ذلك، تشعر غلاديس رزق بسعادة لعودة الأولاد إلى المدرسة.
وتضيف بعدما أوصلت أولادها إلى الحصة “ست سنوات بالكاد تعلّم الأولاد، مرة بسبب كورونا، أو بسبب الأزمة، والآن الحرب التي لم يتوقعها أحد ولا يريدها أحد”.
وتتابع “يدفع أولادنا الثمن، لا نريد أن يكبر جيل من دون علم”.
وتستقبل ثانوية القلبين الأقدسين 350 تلميذا هذا العام، بينهم نازحون، وفق مديرة المدرسة. وتقول إن “هناك نازحين من قرى أخرى تمكنوا من تأمين منازل هنا والتحقوا بالمدرسة، لكن آخرين لم يتمكنوا من ذلك”.
عدد التلاميذ في ثانوية القلبين الأقدسين بلغ أكثر من 500 في السنوات الماضية، لكن العدد تراجع لأن قرى عديدة اضطر سكانها إلى النزوح بسبب القصف
وفي السنوات الماضية بلغ عدد التلاميذ أكثر من 500، وفق رئيسة المدرسة، لكن العدد تراجع “لأن قرى عديدة حولنا اضطر سكانها إلى النزوح” بسبب القصف.
ومن المدرسة، يسمع أحيانا صوت القصف الذي يطال القرى المجاورة، وأحيانا أخرى أصوات طائرات الاستطلاع التي تجوب أجواء الجنوب، أو صوت خرق الطائرات الإسرائيلية لجدار الصوت.
ويقول إيلي رميح الذي أقلّ ولديه إلى مدرسة القلبين الأقدسين “عودنا أولادنا على الصوت”، مضيفا أنه يعلمهم “ألا يجزعوا وألا يصرخوا لكي لا يخيفوا أصدقاءهم في المدرسة”.
وتعدّ مدرسة القلبين الأقدسين واحدة من بضعة مدارس خاصة فتحت أبوابها في جنوب لبنان.
لكن بالنسبة للمدارس الرسمية التي يتوقع أن يكون لها النصيب الأكبر من التلاميذ، من المقرر أن تبدأ الدراسة اعتبارا من الثلاثين من سبتمبر وفق رئيس المنطقة التربوية في الجنوب أحمد صالح.
وفي القرى الأمامية، المدارس الحكومية مغلقة بحكم الأمر الواقع.
ويقول المسؤول إن “هناك سبع مدارس تابعة” لمنطقة الجنوب “مقفلة حاليا، كانت تحتوي على نحو 600 تلميذ”. لكنه يشير إلى أن هذه المدارس لم تدمّر بل تعرض بعضها لأضرار فقط.
ويتوقع أن “يزيد عدد الطلاب بين 20 و30 في المئة في المدارس الرسمية” عن العام الماضي في جنوب لبنان.
ويعزو ذلك خصوصا إلى أن “القرى التي تتعرض للقصف نزح أهلها وسوف يتسجل طلابها النازحون في مكان نزوحهم إلى حين استتباب الأمن”، وإلى واقع أن رسوم التسجيل فيها أقل بكثير من المدارس الخاصة.