تكهنات بشأن إمكانية توقف واشنطن عن دعم بوينغ

أشعل اتساع أزمات شركة بوينغ لصناعة الطائرات التكهنات بشأن إمكانية تخلي الولايات المتحدة عن دعمها في هذا الظرف الحساس، رغم أنها من أبرز رموز الصناعة الأميركية والمنافس الوحيد لمجموعة أيرباص الأوروبية في سوق الطيران العالمية.
نيويورك - تصاعدت التكهنات بشأن الطريق، الذي يمكن أن تسلكه الولايات المتحدة مستقبلا بخصوص مواصلة دعمها لشركة بوينغ، إحدى أكبر شركتين لصناعة الطائرات في العالم.
وتعتبر بوينغ من أبرز رموز الصناعة الأميركية حيث توظف الآلاف من الأشخاص في مصانع تقع في معاقل الجمهوريين والديمقراطيين، ما يمنحها وزنا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا في الولايات المتحدة.
وتضررت سمعة الشركة منذ تجميد طائرتها من طراز 737 ماكس قبل أربعة أشهر بعد كارثتين جويتين أسفرتا عن مقتل 346 شخصاً، ما أدى إلى أزمة غير مسبوقة لدى العملاق الاقتصادي وإثارة الشكوك حولها.
ووجه الرئيس دونالد ترامب صاحب شعار “أميركا أولاً”، انتقادات مرارا لبوينغ، موصياً إياها بإعادة تصنيع طائرتها، لكنه لم يذهب لدرجة منعها من التحليق.
ورغم دعم سياسيين كبار للشركة، لكن التساؤلات ما فتئت تتزايد حول إن كان هذا مؤشرا إلى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن أفضل إنتاجات صناعة الطيران.
وخلال الفترة الماضية لم تردع الصحافة النواب من استدعاء المدير التنفيذي للشركة دينيس مويلنبرغ لإخضاعه لنفس نوع الإذلال الذي واجهه أرباب وول ستريت بعد الأزمة المالية عام 2008.
ويرى الخبير في مركز أير انسايت ريسرتش ميشال ميرلوزو أن بوينغ واحدة من محركات الاقتصاد الأميركي، مؤكدا أنها مهمة جداً للولايات المتحدة.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لميرلوزو قوله إنه “إذا قرر السياسيون الأميركيون الهجوم على الشركة المصنعة لطائرة 777، فسيلحقون الضرر بأنفسهم”.
وأوضح أن وظائف عديدة ستكون على المحك، كما أن لديها شبكة مزودين شديدة الضخامة وهذان الأمران لا يمكن أن تعوضهما شركتا فيسبوك وغوغل اللتان لا تنتجان أي شيء ملموس.
ووفق موقع الشركة الإلكتروني، توظف بوينغ، التي تأسست قبل 103 أعوام أكثر من ألف شخص حول العالم، 89.8 بالمئة منهم في الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى الوظائف المباشرة، توفر الشركات المتعاقدة معها مثل جنرال إلكتريك ويونايتد تكنولوجيز وسبريت ايرو سيستمز أيضاً العديد من الوظائف في القطاع الصناعي الأميركي.
كما أن خارطة التوزع الجغرافي لبوينغ مشابهة فعليا لاستراتيجية حملة انتخابية.
وبالنظر إلى هذا المعطى المهم يمكن ملاحظة أن الشركة الجوية حاضرة في الريف الأميركي، الذي ينتخب الحزب الجمهوري أي ولايات ألاباما وأوكلاهوما وكارولاينا الجنوبية وتكساس.
ولديها مواقع أيضاً في أراضٍ تنتخب الحزب الديمقراطي، في كاليفورنيا وواشنطن، وفي ولايات أخرى حاسمة في السباق الانتخابي للبيت الأبيض في مقدمتها ميزوري وبنسلفانيا وأريزونا.
وفي مؤشر على الارتباط الوثيق بين بوينغ ودوائر السلطة السياسية، رشح مويلنبرغ شخصيتين لهما علاقات قوية مع واشنطن لتولي مراكز في مجلس إدارة الشركة، وهما نيكي هايلي السفيرة السابقة لإدارة ترامب لدى الأمم المتحدة والحاكمة السابقة لولاية كارولاينا الجنوبية، وكارولاين كينيدي المقربة من باراك أوباما وابنة الرئيس السابق جون كينيدي.
وإلى جانب ذلك كله، فإن بوينغ التي تتخذ من شيكاغو مقرا رسميا لها، هي من أبرز مزودي وزارة الدفاع الأميركية.
وتاريخيا، أنتجت بوينغ المقاتلات المعروفة بي 17 وبي 29 خلال الحرب العالمية الثانية، ومقاتلة بي 52، التي أنتجت خلال حرب فيتنام ولا تزال تعمل حتى اليوم.
وفي الوقت الحاضر، تصنع بوينغ الطائرة الناقلة كي.سي 46، وطائرات حربية مثل طائرة الهجوم أف.أي 18 سوبر هورنيت ومروحية الهجوم أباتشي ومروحية النقل شينوك، والطائرات المسيرة الحربية للبحرية الأميركية يوكلاس وبي 1 القاذفة.
وتشكل بوينغ، مع شركة سبايس إكس فريقا متكاملا باعتبارها إحدى الشركتين اللتين ستشغلان رحلات سياحية إلى الفضاء، على متن محطة الفضاء الدولية، التي تنظمها وكالة الفضاء (ناسا).
كما أن عملاق صناعة الطيران الأميركي حاضر بشكل رمزي أيضاً في قمة هرم السلطة في الولايات المتحدة لكونه مصنع الطائرة الرئاسية أير فورس وان.
وقال مصدر أميركي مطلع لوكالة الصحافة الفرنسية، لم تكشف عن هويته، إن “شراء طائرات بوينغ يمثل أيضا جزءا من المفاوضات التجارية مع الصين” رغم الحرب التجارية المشتعلة بين واشنطن وبكين.
واتضح حجم تداعيات الأزمة التي تواجهها الشركة في بيانات نشرت الشهر الماضي أظهرت انحدارا شديدا في مبيعاتها، وانعكست في ارتفاع حاد في صفقات منافستها الأوروبية أيرباص.
وفقدت بوينغ عرش أكبر شركة لصناعة الطائرات في العالم، بعدما أعلنت انخفاض عدد الطائرات التي سلمتها في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 37 بالمئة لتصل إلى 239 طائرة بسبب وقف تشغيل طائرتها الأفضل مبيعا 737 ماكس المستمر منذ مارس الماضي.
وتزامنت تلك البيانات المحبطة مع ارتفاع حاد في تسليمات منافستها الأوروبية أيرباص، التي قالت إنها سلمت 389 طائرة في الفترة ذاتها، بزيادة 28 بالمئة على أساس سنوي.
وتفوقت أرقام أيرباص بشكل كبير وبفارق 150 طائرة في انعكاس مباشر لأزمة بوينغ، التي دفعت الكثير من الشركات لإلغاء طلبيات من بوينغ والتحول إلى بدائل أيرباص.
وتشير الأرقام وبيانات العقود إلى أن من المرجح أن يقل عدد الطائرات التي تسلمها بوينغ في العام بأكمله عن تلك، التي تسلمها منافستها الأوروبية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات.
وحدث زلزال انهيار تسليمات طائرات بوينغ، كما هو متوقع في الربع الثاني من هذا العام، أي بعد حادثة سقوط طائرة الخطوط الإثيوبية.
وانحدر عدد الطائرات التي سلمتها بوينغ لزبائنها خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 54 بالمئة على أساس سنوي، وهو ما يشير إلى حجم الضرر الذي تعرضت له الشركة بعد حظر أكثر طائراتها مبيعا.
وذكرت الشركة أنها سلمت خلال أبريل ومايو ويونيو 90 طائرة فقط منها 27 طائرة من جيل بوينغ 737، مقارنة بتسليم 194 طائرة من تلك الطائرة في الفترة المقابلة من العام الماضي.
ودفع ذلك عددا كبيرا من الشركات إلى مطالبة بوينغ بتعويضات عن إيقاف أساطيلها من طائرة 737 ماكس، التي لا يلوح في الأفق أي موعد لعودتها إلى التحليق.
وقامت شركات طيران كثيرة بإلغاء طلبيات، كان آخرها شركة فلاي أديل المنخفضة التكاليف والتابعة للخطوط السعودية، التي ألغت شراء 30 طائرة من ذلك الطراز، وتحولت إلى استخدام طائرات منافستها أيرباص أي 320.