تكريس القبلية بديلة للمواطنة

صار من الصعب على العراقي أن يعبر عن فقره في ظل صعود طبقة من الأثرياء الجدد الذين لا يهمهم ما يحدث من حولهم من مآس.
السبت 2018/07/14
مجالس العزاء مناسبة للتعبير عن ذلك الثراء الكاذب

من أجل تكريم الميت يُذل الأحياء وهم أقرباء ذلك الميت”، تلك عادة تعبر عن عرف كان شائعا في العراق بصبغته الريفية التي خف تأثيرها في سبعينات القرن الماضي، حين انتشر يومها وعي مديني قلل من مظاهر الاستعراض البدائي غير المبرر فاكتفى أهل الفقيد بمجلس للعزاء يُقام في مسجد أو حسينية، يؤمها المعزون لقراءة سورة الفاتحة وتناول فنجان من القهوة المرة مع تدخين السجائر لمَن يشاء.

غير أن العراق وقد تم تحطيم دولته الحديثة عام 2003 دُفع بقوة إلى استعادة الأعراف الريفية بعد أن تم تكريس القبلية بديلا عن المواطنة وهو ما تمت شرعنته من خلال قانون العشائر.

وإذا ما عرفنا أن السياسيين العراقيين الذين حكموا بعد الاحتلال وفي مقدمتهم نوري المالكي قد اعتمدوا سياسة الهدر والإسراف من أجل ترسيخ سلطتهم فإن تلك السياسة قد تمكنت من المجتمع الذي كان جاهزا للقبول بها من غير التفكير في عواقبها.

لم يلتفت المالكي إلى خطط الإعمار في بلد دمرت بنيته التحتية الحروب بل اهتم بما يُزيد من شعبيته في إطار الطائفة من خلال رفع مستوى ما يتقاضاه موظفوه شهريا من رواتب، وهو ما لم يترك حيزا للتفكير في إعمار البلد الذي يعاني من نقص فادح في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأساسية.

ولأن العراق بلد قدوة، فقد صار العراقيون يقلدون قدوتهم في الثراء الكاذب، فكانت مجالس العزاء مناسبة للتعبير عن ذلك الثراء الكاذب. لقد هُدمت فكرة العراقيين عن الحقيقة.

صار من الصعب على العراقي أن يعبر عن فقره في ظل صعود طبقة من الأثرياء الجدد الذين لا يهمهم ما يحدث من حولهم من مآس. وكما أرى فإن الأثرياء الجدد وهم من سقط المتاع يدفعون بالشعب من خلال ثقافتهم القائمة على الاستعراض إلى أن يُذل من أجل استرضاء نزعاتهم؛ فالعراق الجديد تتحكم به الثقافة العشائرية التي هي نقيض الدولة الحديثة.

وإذا ما كان العراقيون يظلمون أنفسهم من خلال إقامة حفلات عزاء، يهدرون من خلالها الكثير من الأموال التي تدفع بهم إلى مزيد من الفقر فإن ذلك ما كان له أن يحدث لولا أنهم صاروا محكومين بنظام اعتمد مبدأ الإسراف في هدر الثروة الوطنية وسيلة لشراء شعبية مضللة.

20