تكاليف خدمة الديون تأخذ منحى تصاعديا مقلقا في تونس

تونس – يراقب المحللون والسلطات النقدية في تونس تأثيرات الارتفاع المقلق لخدمة ديون البلاد في الوقت الذي تتأخر فيه كل يوم فرصة الحصول على دعم من المانحين الدوليين، وتتزايد في الوقت ذاته الضغوط على المالية العامة.
وتواجه تونس مفارقة في طريق تحقيق بعض التوزان المالي بعدما قضمت التكاليف الباهظة لخدمة الديون الخارجية مكاسب القطاع السياحي، الذي حقق انتعاشا قويا بعد تعليق قيود الإغلاق الاقتصادي، وأيضا تحويلات المغتربين.
وأظهرت بيانات إحصائية رسمية نشرها البنك المركزي على منصته الإلكترونية أن خدمات الديون الخارجية للبلاد سجلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية ارتفاعا بنسبة 23 في المئة على أساس سنوي.
وبلغت قيمة تلك الخدمات المنجرة عن القروض التي تعمل تونس على سدادها حوالي 2.4 مليار دينار (784.3 مليون دولار)، وذلك بسبب موجة التكاليف المتأتية من ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية لمكافحة آفة التضخم.
23
في المئة نسبة نمو تكاليف القروض في الربع الأول من 2023 لتبلغ 784.3 مليون دولار
ولم يُحدد المركزي إجمالي حجم الديون الخارجية، لكن آخر إحصائية بهذا الشأن نشرتها وزارة المالية في منتصف مارس الماضي أشارت إلى أن حجم الديون بلغ في نهاية ديسمبر الماضي 21.7 مليار دولار.
ويقول محللون إن هذا المؤشر يفند كل الوعود التي أعلنت عنها السلطات بتخفيف الأعباء تدريجيا عن المالية العامة، التي تعاني من اختلال كبير في التوازنات رغم محاولات الإصلاح التي تسير ببطء.
ويستأثر التعاون متعدد الأطراف على غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الأخرى المانحة بنحو 60.3 في المئة من إجمالي ديون تونس الخارجية، تليها السوق المالية بنحو 21.3 في المئة، والتعاون الثنائي بنحو 18.4 في المئة.
وأفادت البيانات الإحصائية للبنك المركزي أن عائدات قطاع السياحة سجلت خلال الربع الأول من هذا العام ارتفاعا بنسبة 67 في المئة بمقارنة سنوية لتبلغ نحو 326.8 مليون دولار.
ويعكس هذا الارتفاع بدء تعافي القطاع بعد الأزمات التي تعرض لها خلال السنوات التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي في يناير 2011. وتتطلع السلطات إلى أن تُساهم إستراتيجية تنمية القطاع السياحي 2035 التي أقرتها حكومة نجلاء بودن في انتعاش القطاع من جديد حتى يستعيد دوره في العملية الاقتصادية.
أما بالنسبة إلى تحويلات المغتربين فقد كانت في صدارة مصادر جذب العملة الصعبة خلال العام الماضي، حيث زادت في أول شهرين من هذا العام بنحو 42.6 مليون دولار على أساس سنوي ليصل حجمها إلى 400 مليون دولار.
وبلغت التحويلات العام الماضي حوالي 2.8 مليار، ما مكن الدولة من الاستمرار في إدارة الواردات وسداد أكثر من 3 مليارات دولار من القروض الخارجية وساعدت في التغلب على نقص النقد الأجنبي الناتج عن ضعف عائدات السياحة والاستثمار الأجنبي.
ويلعب المغتربون دورا مهما في تحفيز الاقتصاد التونسي، وهو ما كشفت عنه الجائحة بوضوح عبر إنعاشهم خزائن الدولة الفارغة عبر ضخهم للعملة الصعبة رغم كل التحديات.
ووفق إحصائيات رسمية يناهز عدد المغتربين نحو 1.4 مليون تونسي، أغلبهم يقيمون في فرنسا تليها إيطاليا ثم ألمانيا فبلدان الخليج العربي.
أي تأخير في تمويل صندوق النقد سيعمق الأزمة الاقتصادية الملحة في البلاد التي تعمل على إصلاح خراب الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011
وتضم الجالية التونسية كفاءات عالية حيث تشير دراسة قام بها ديوان التونسيين بالخارج إلى أن أوروبا وحدها تستقطب أكثر من 90 ألف شخص من هؤلاء معظمهم هاجر بعد العام 2011.
وخلال العقد الأخير تطورت مساهمة المغتربين التونسيين بمعدل سنوي لا يقل عن خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، لكن المركزي يقول إنها بلغت نحو 7.3 في المئة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
وكانت تونس غارقة في الضائقة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب الأزمة الصحية، ثم تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهو ما تسبب في تسجيل تضخم تاريخي عند حوالي 10.4 في المئة بنهاية فبراير الماضي قبل أن يتراجع بشكل طفيف الشهر الماضي إلى 10.3 في المئة.
واتسعت علاوة المخاطرة على الدين التونسي الذي يتم تداوله عند مستويات متعثرة منذ سبتمبر 2021 عند نحو 663 نقطة أساس من منتصف فبراير الماضي إلى 2834 نقطة أساس فوق سندات الخزانة، وفق المؤشر جي.بي مورغان.
ويرى محللون أن أي تأخير في تمويل صندوق النقد سيعمق الأزمة الاقتصادية الملحة في البلاد التي تعمل على إصلاح خراب الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011.
وتزداد احتياجات البلاد من الاقتراض الخارجي هذا العام بنسبة 34 في المئة بمقارنة سنوية إلى 5.2 مليار دولار، في حين أن من المتوقع ارتفاع خدمة الدين العام 44.4 في المئة إلى 6.6 مليار دولار. وبحسب البنك المركزي تبلغ احتياطات البلاد من العملة الصعبة حوالي 7.2 مليار دولار، أي ما يُغطي واردات البلاد لمدة 95 يوما.