تقييد الاستيراد يطرد وكالات السيارات من مصر

تشهد سوق السيارات المصرية أزمة طاحنة تُنذر بشح المركبات الحديثة وقطع الغيار مع قرار بعض الشركات العالمية تجميد صادراتها إلى البلاد نتيجة ضعف سلاسل الإمداد، وقرارات تقييد الاستيراد من جانب البنك المركزي المصري.
القاهرة - تلوح في أفق المشهد الاستثماري المصري بوادر خلاف بين وكلاء السيارات والسلطات الرسمية من شأنها توجيه رسائل سلبية عن مدى جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية، وتكشف الأزمة الحالية عن العمق الحقيقي لشح العملات الأجنبية في البلاد.
وكشف عدد من أعضاء شعبة السيارات بغرفة القاهرة التجارية، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، في تصريحات لـ”العرب” أن ثماني علامات عالمية قررت إيقاف توريد سيارات جديدة للوكلاء.
وأرجعوا ذلك إلى ضعف الإمداد الناشئ عن التغيرات الجيوسياسية، فضلا عن تأخر المستوردين في دفع المستحقات للخارج، والذي جاء نتيجة لقرارات البنك المركزي الأخيرة الخاصة بتقييد الاستيراد.
والكيانات التي قررت إيقاف التصدير إلى مصر، من ماركات السيارات الأوروبية، وهي ستروين وفولكسفاغن وسكودا وسيات وأودي وبيجو وفيات.
وقرر المركزي إيقاف التعامل بمستندات التحصيل لتنفيذ كل العمليات الاستيرادية والتحول كليا نحو الاعتمادات المستندية باستثناء فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها خلال شهر فبراير الماضي.
وتم تعديل القرار منذ أسبوعين بعد أن وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من الإجراءات التي تم تطبيقها على الاستيراد والعودة إلى النظام القديم عبر مستندات التحصيل، وهذا لا ينطبق على توزيع واستيراد السيارات.

ويكمن الفرق بين الأداتين في أن الاعتمادات يتم التعامل فيها بين بنك المستورد وبنك المصدر، وتشكل المصارف حلقة الوصل بين المصدر والمستورد، إذ تحتجز مبلغ البضاعة كاملا من المستورد قبل وصولها ثم ترسلها إلى بنك المصدر بعد تسلمها.
أما في طريقة مستندات التحصيل فيكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر بناء على الثقة والتعاملات السابقة، ويتم تحويل المستحقات على دفعات متعددة، لأن دور البنك يقتصر على تحويل الأموال.
وجاء هذا القرار في إطار حوكمة عملية الاستيراد في ظل شح العملات الأجنبية في مصر، وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي بدأ تطبيقها بصورة إلزامية في الأول من مارس الماضي.
ومن حق السلطات النقدية اتخاذ ما تراه مناسبا لتقييد الاستيراد حفاظًا على توفير العملة الأجنبية لاستيراد الغذاء والدواء وتحقيق الأمن الغذائي في البلاد، لاسيما أنه ازداد الطلب من جانب مستوردي السيارات أخيرا، وتبين أن بعضهم يطلب سيولة تفوق طلب الاستيراد ثم يحول المتبقي إلى الخارج كدفعات مقدمة للشركات الأم.
وبعد أن سمح المركزي للمستوردين، بخلاف السلع الأساسية، ومنهم وكلاء السيارات بتوفير الدولار من خارج البنوك لتلبية متطلباتهم أقرت البنوك تعليمات جديدة عقب رفع أسعار الفائدة وخفض قيمة الجنيه في مارس الماضي، وتكرار سيناريو 2016.
وتضمنت تلك التعليمات عدم قبول موارد النقد الأجنبي غير معلومة المصدر أو التي يحصل عليها المستورد من شركات الصرافة، في خطوة منعت ظهور سوق سوداء للدولار، وكلها عوامل ضيقت الخناق على وكلاء السيارات.
ويعد إيقاف تصدير أي ماركة من السيارات للسوق المصرية مؤشرا سلبيا وبداية لتعطل توريد قطع الغيار للموديلات الأخرى منها بالأسواق، لأنها ستفقد صلتها بالبلاد.
كما سيقلص عدد مراكز خدماتها وهو ما يخفض قيمة السيارات من تلك الماركات على المدى الطويل (أكثر من 10 سنوات) بينما ترتفع الأسعار حاليا لعدم انتظام التوريد وشح البضاعة.
وأكد بدوي إبراهيم خبير صناعة السيارات لـ”العرب” أن عدم توريد السيارات يدفع المستثمرين إلى الهروب لأن السوق سيكون طاردا لرؤوس أموالهم.
وحذر في الوقت ذاته من الغش التجاري في أسعار قطع غيار السيارات خلال الفترة الحالية، لأن المؤشرات تتجه إلى حدوث شح في السيارات وقطع الغيار.
ويكمن الحل الأمثل لأزمة السيارات في مصر في استيراد المركبات المستعملة، لأنها فرصة لانخفاض الأسعار وتخفيف الضغط وتقليل الطلب على السيارات الجديدة، خاصة أن المركبات أصبحت أصلا لا غنى عنها مع انتشار المدن الجديدة واتساع الحيز العمراني، وتزامنًا مع عدم وفرة وسائل المواصلات في العديد من تلك المدن.
ويعد قطاع السيارات من القطاعات التي تصطحب معها مجالات توفر فرص العمل المختلفة، مثل محلات الإطارات وقطع الغيار والميكانيكا ومراكز خدمة السيارات وشركات التأمين والمعارض وشركات النقل التي تنقلها من الموانئ إلى المعارض.

ولا يعوق شركات توزيع السيارات في مصر قرارات البنك المركزي فقط، بل تشمل أيضا الآليات الجديدة للإفراج عن سيارات الركوب ذات السبعة مقاعد والتي جعلت الموانئ تتكدس بنحو 30 ألف سيارة يصعب الإفراج عنها، لأنها صدرت بعد وصول الشحنات.
وتضمنت قرارات وزارة الصناعة ضرورة أن يتقدم المستورد إلى مصلحة الرقابة الصناعية بالمستندات التي تفيد استيفاءه لأحكام القرار للحصول على موافقة مسبقة لاستيراد سيارات الركوب سالفة الذكر.
ويلزم لاستيراد قطع الغيار أن يتقدم صاحب الشركة إلى مصلحة الرقابة الصناعية بمستندات تفيد تغطيته بحد أدنى 15 في المئة من عدد المركبات.
وحذر محمد شتا الخبير المتخصص في قطاع السيارات من اختفاء بعض الموديلات الحديثة للسيارات من السوق المصرية إذا استمر إيقاف التصدير الفترة المقبلة.
وطالب بضرورة فتح استيراد المركبات الكهربائية المستعملة من الخارج، لأنها تتلقى دعما أوروبيا يصل إلى نحو 10 آلاف يورو على السيارة.
وأوضح شتا لـ”العرب” أنه حال تطبيق ذلك القرار يستفيد المستهلك المصري أيضا، ويمكن شراء السيارة الكهربائية المستعملة بمبلغ يتراوح بين 150 و180 ألف جنيه (حوالي 8 و10 آلاف دولار)، وهو سعر مناسب للسيارات الكهربائية.
وفشلت المفاوضات المصرية العام الماضي لتصنيع سيارة كهربائية محلية مع شركة دونغ فينغ الصينية التي كان من المقرر أن تكون شريكا لشركة النصر لصناعة السيارات، لكن الاختلاف على نسبة المكون المحلي تسبب في فشلها.
ولا تزال هناك تصريحات متضاربة بشأن الاتفاق مع شريك أجنبي جديد لبدء تصنيع السيارات الكهربائية في مصر، إلا أن هشام توفيق وزير قطاع الأعمال توقع أن يشهد العام المقبل اتفاقًا في الغرض.
ويعتزم بعض وكلاء السيارات إعادة تصدير حصتهم من الإنتاج إلى بعض الدول من خلال استخدام الأسواق الإماراتية والأردنية لتكون مركزًا إقليميًا لإعادة التصدير إلى أسواق المنطقة.
ويرى شتا أن مثل هذا القرار يضر بالاقتصاد ويشوه صورة السوق المحلية. وقد يطرد الاستثمارات الوافدة، فالوكلاء الذين يعتزمون مغادرة البلاد واستبدالها بأسواق عربية أخرى وكلاء علامات في تلك الدول وأبرزها رينو في المغرب والأردن.