تقنين الإعفاءات الطبية يؤزم العلاقة بين الحكومة الأردنية ومجلس النواب

تشهد الساحة النيابية في الأردن هذه الأيام جدلا حول عدد من الملفات الخلافية مع الحكومة ومنها ملف الإعفاءات الطبية التي كانت تمنح لكل نائب في دائرته الانتخابية، لكن جرى تقنينها بحيث لم يعد بالإمكان للنواب الحصول على أكثر من عشر إعفاءات، وهذا أمر غير كاف في ظل وجود الآلاف من المواطنين الذين لا يملكون تأمينا صحيا.
عمّان - يشكل تقنين الإعفاءات الطبية عنصر تأزيم في العلاقة بين الحكومة الأردنية ومجلس النواب، حيث إن إقرار الخطوة يسحب أحد الخدمات الأساسية التي يقدمها النواب في دوائرهم الانتخابية.
وقررت الحكومة حصر عدد الإعفاءات الطبية الممنوحة لكل نائب في عشرة إعفاءات بعد أن كانت مفتوحة، وهو أمر استهجنه النواب معتبرين أن ذلك لا يكفي مقارنة بأعداد المواطنين عن كل دائرة، وفي ظل غياب منظومة تأمين صحي شاملة في المملكة.
ومن المنتظر أن تعقد جلسة نيابية بداية العام المقبل بشأن الإعفاءات في ظل ضغوط من عدد من الكتل النيابية، لوضع الملف ضمن أولويات المجلس خلال الفترة المقبلة.
وخلال جلسة نيابية عقدت الأسبوع الجاري ونظرت في عدد من القوانين بينها قانون المعلومات، شدد النائب خالد أبوحسان على أن تقنين الإعفاءات الطبية لا يمكن تبريره، قائلا “إنه لا يعقل أن مستشفى الملك المؤسس الذي يخدم الشمال يحدد الإعفاءات بنسبة 1 في المئة من الاحتياجات للمرضى، الأمر الذي يوقعنا في حيرة”.
وأضاف أبوحسان، في كلمة له، أن المجلس يدرك حجم الكلف الاقتصادية المترتبة على الإعفاءات الطبية لكن حياة المواطنين وأرواحهم أهم من كل شيء وتتقدم على كل المبررات.
وأوضح أنه لا يمكن القبول ببتر ساق أو أطراف مريض وهو يصارع المرض قبيل الحصول على علاج، فالمرض لا يعرف وقتا ولا يعرف أن ينتظر، علاوة على أمراض السرطان.
ولفت أبوحسان إلى أن مجلس النواب يعايش يوميا الكثير من الحالات برسم الانتظار، مطالبا الحكومة بسرعة الإجراءات للحصول على العلاجات، داعيا مجلس النواب إلى تشكيل لجنة مختصة للنظر في ملف الإعفاءات الطبية.
وتعتبر حكومة بشر الخصاونة أن تقنين الإعفاءات الطبية خطوة لا بد منها لإيقاف الهدر المالي، خصوصا بعد أن ثبت أن العديد من النواب يمنحون هذا الامتياز لغير مستحقيه، لكن أعضاء المجلس يعتبرون أن الخطوة استهداف مباشر لهم.
ويرون أن الحكومة تعمل على تحجيم حضورهم في دوائرهم الانتخابية، لاسيما وأنهم مقبلون على استحقاق انتخابي استثنائي يأمل الكثيرون في تجديد العهد معه، معتبرين أنه كان الأجدى على الحكومة أن تنظر في مكامن الهدر الأخرى والتي أشارت إليها تقارير ديوان المحاسبة.
وطفت بوادر الأزمة على السطح مع بداية العام الجاري حينما أبدت الحكومة رغبتها في إعادة النظر في ملف الإعفاءات الطبية، حيث ثار النواب ضدها، الأمر الذي جعلها في مارس الماضي تحيل الملف إلى الديوان الملكي، في محاولة من قبلها للتملص من تلك الضغوط، حيث تدرك أن النواب لا يستطيعون مواجهة الديوان، أو رفض قراراته.
وكانت مصادر حكومية سربت في وقت سابق من العام الجاري أرقاما كبيرة لعدد الإعفاءات الطبية التي منحها النواب لمواطنين خلال بضعة أشهر فقط، حيث بلغ العدد بحسب إحصائية نشرتها وكالة “عمون” المحلية أكثر من 51 ألف وثيقة إعفاء. وترى الحكومة أن هناك حاجة ملحة إلى وضع حد لهذا الهدر، الذي يثقل خزينة الدولة، في ظل صعوبات مالية كبيرة تعاني منها المملكة، وتفرض تبني خيارات تقشفية مؤلمة تشمل كل القطاعات بما في ذلك الخدماتية.
مع عودة التصعيد النيابي بخصوص الملف، فإن من الوارد جدا أن تسعى الحكومة إلى البحث عن حلول وسطى
ويرى مراقبون أن خطوة الحكومة في تقنين الإعفاءات تنطوي على إيجابيات لجهة وقف استغلال هذا الملف لدواع شعبوية من قبل بعض النواب، حيث يعمد هؤلاء إلى إعطاء إعفاءات لأشخاص ليسوا في حاجة إليها، وظروفهم المادية تتيح لهم العلاج على نفقاتهم الخاصة، في المقابل فإن الحد الحالي الذي تفرضه ليس كافيا، ما يعني أن حياة الكثير من المرضى ستكون معرضة للخطر.
ويقول المراقبون إن الحكومة كان الأفضل لها أن تطرح بديلا عن الإعفاءات من خلال حصر أعداد المواطنين الذين هم في حاجة إلى دعم صحي من الدولة وتمكينهم من تغطية نفقاتهم الطبية.
وفق مشروع للتأمين الصحي تم عرضه في وقت سابق بمبادرة من اتحاد النقابات العمالیة المستقلة، فإن 30 في المئة من المواطنين الأردنيين، أي حوالي مليوني مواطن، ليس لديهم تأمين صحي، فيما الخدمات الطبية المقدمة تلقى العديد من الانتقادات، في غياب الكوادر الطبية المختصة، وعدم توافر الأسرّة، وصعوبة الوصول إلى الفحوصات الطبية المساندة من مختبرات واسعة، وأحيانا غياب العلاجات والأدوية.
وكانت الحكومة الأردنية قد أخفقت في الالتزام بما سبق أن تعهدت به في عام 2021 بشأن تنفيذ مشروع التأمين الصحي الشامل للمواطنين، ويرجع خبراء ذلك إلى الأزمة المالية التي تعيشها المملكة منذ سنوات والتي تجعلها عاجزة عمليا عن تحمل تكلفة إنجاز مثل هكذا مشروع يتطلب رصد موارد مالية ضخمة.
ويقول خبراء اقتصاد إن قرار الحكومة تقنين الإعفاءات كان منتظرا حيث تعمل على تبني سياسة ترشيد النفقات في كل المجالات، لتجاوز الصدمات الاقتصادية المتتالية وآخرها حرب غزة وانعكاساتها، لكن الأكيد أن النواب لن يصمتوا على ذلك.
ويشير الخبراء إلى أن مع عودة التصعيد النيابي بخصوص هذا الملف، فإن من الوارد جدا أن تسعى الحكومة إلى البحث عن حلول وسطى، بحيث قد تلجأ إلى رفع نسبة الإعفاءات لكل نائب، مع ترك الباب مفتوحا بالنسبة لأمراض معينة كمرض السرطان.
ووعد رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الأربعاء الماضي، بعقد اجتماع بين لجنة الصحة النيابية ووزير الصحة ومدير التأمين الصحي لمناقشة موضوع الإعفاءات الطبية الممنوحة لأعضاء مجلس النواب.