تقنين استخدام الشيكات يغذي فرص توسع الدفع الإلكتروني في تونس

قانون الشيكات الجديد يهدف إلى تحسين الشفافية وتقليل الانتهاكات المرتبطة باستخدامها.
السبت 2025/01/25
في عصرنا لا حاجة للنقود

يرسم بعض الخبراء صورة وردية بشأن انعكاسات نظام الشيكات الجديد على المستهلكين التونسيين، مع دخوله حيز النفاذ بداية شهر فبراير المقبل، حيث قد يكون محفزا لتوسيع نمو عمليات الدفع الإلكتروني في السوق المحلية، ويقلص من نشاط اقتصاد الظل.

تونس - يحفز فرض تونس قواعد جديدة في التعاملات المتعلقة بالشيكات بين المستهلكين والتجار من جهة، والنظام المصرفي، من جهة أخرى، من فرص توسع عمليات الدفع الالكتروني في السوق المحلية.

وتقدم هذه السوق وخاصة عبر الإنترنت، إمكانات كبيرة للنمو وكبح التضخم وتضييق حجم السوق السوداء. ورغم أن نطاقها توسع مع تطور أساليب الدفع والتقنيات المتقدمة، إلا أنها لا تزال تمثل جزءا صغيرا من التجارة التونسية.

ولا تتجاوز المدفوعات الرقمية بالبلاد حوالي 300 مليون دولار سنويا في المتوسط، وذلك بعد تتبع المؤشرات خلال السنوات الخمسة الماضية، وهو رقم اعتبره محللون ضئيل، ولكنه يمكن أن ينمو بداية من عام 2025.

ومع ذلك، فإنه في سياق زيادة انتشار الإنترنت، وعدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية النشطين، فإن للبلد الأدوات اللازمة لتطويرها وجعلها مُراقبة ومقننة بشكل عملي بحيث تستفيد الدولة ويستفيد التجار والمستهلكون وتستفيد كل القطاعات المرتبطة بها.

واعتبر الخبير المصرفي والمالي أحمد الكرم أن الإصلاحات الأخيرة الهادفة “إلى ترشيد استخدام الشيك” قد تخلف كلفة على المدى القصير، لكنّها سيتولّد عنها أثرا هامّا “إذا ما وقع تطبيقها بشكل جيّد.”

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى الكرم قوله “يمكن لتونس أن تستفيد وتستلهم من أنماط الدفع هذه لمرافقة عمليّة الحد من استخدام الشيك من خلال الترويج لسبل دفع أقلّ كلفة وموثوقة وعمليّة.”

أحمد الكرم: تجب الاستفادة من سبل دفع أقل كلفة وموثوقة وعمليّة
أحمد الكرم: تجب الاستفادة من سبل دفع أقل كلفة وموثوقة وعمليّة

وأوضح أن أنماط الدفع البديلة، متعددة. ويتعلّق الأمر، مثلا، ببطاقات الدفع، التي ما فتئ استخدامها يتعزز في تونس، وإن اقتصر استعمالها على سحب الأموال، إذ لا يتجاوز اعتمادها في المبادلات الاقتصادية، نسبة 40 في المئة من استخداماتها ككل.

وأضاف “ربما يفسّر ذلك بأنّ الدفع بالبطاقة يترك أثرا قد لا يشجع بعض التجار على اعتماده، ومن هنا تأتي الحاجة إلى التفكير في إجراءات جبائية تقلص من الضريبة الموظّفة على المعاملات باعتماد البطاقة البنكية مقارنة بتلك، التّي يتمّ تسويتها نقدا.”

ويمثل قانون الشيكات الجديد، الذي أقر الشهر الماضي، نقطة تحول في تنظيم هذه الأدوات، حيث يهدف إلى تحسين الشفافية وتقليل الانتهاكات المرتبطة باستخدامها. ومن أهم تأثيراته تعزيز الثقة في المدفوعات الإلكترونية وتقليل استخدام الشيكات تدريجيًا. كما أن الشيكات قد تصبح محصورة في تعاملات محدودة مثل دفع الضرائب، معاملات الشركات الكبيرة، وبعض القطاعات الحكومية.

وعلاوة على ذلك، سيُشجع القانون الأفراد والمؤسسات على اعتماد أنظمة دفع إلكترونية لتجنب التعقيدات القانونية المرتبطة باستخدام الشيكات، حيث ستكون الشركات مجبرة على توفير وسائل دفع إلكترونية تتماشى مع المعايير الجديدة. ومن المتوقع أن ينخفض استخدام الشيكات بين المتعاملين في تونس بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة من حيث العدد والقيمة خلال عام الحالي.

ولكن يبدو من الضروري، أيضا، التفكير بتهيئة نظام العمولات البنكية والتضييق على السحب نقدا من الموزّعات الآليّة مقابل إقرار مزايا لفائدة التسوية بالبطاقة أو بأي وسيلة دفع إلكترونية أخرى.

ومن بين أدوات الدفع، تلك المستخدمة عبر الهاتف الجوّال، والتي أصبحت شائعة، لدى مئات الملايين من الأفراد في أسواق الشرق الأوسط والهند والصين، وفي بلدان أخرى آسيوية، وذلك على عكس تونس، حيث لم يشهد هذا النمط من الدفع انتعاشه بعد.

ويرى الكرم أنّ صناع السياسات النقدية في تونس يجب أن تعمل بالتنسيق مع البنوك ومشغلي الهواتف ومؤسسات الدفع، التّي تمّ اعتمادها مؤخرا، لإنعاش هذا النمط من الدفع وجعله مغريا بقدر الدفع نقدا.

وفي الوقت الذي تزدهر فيه التجارة عبر الإنترنت وخاصة من شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدا فيسبوك، تشير إحصائيات البنك المركزي التونسي إلى وجود 1199 موقع عبر الإنترنت يعطي إمكانية الدفع الالكتروني.

ولا توجد معطيات عن حجم المدفوعات الرقمية عن كامل 2024، لكن الإحصائيات تظهر أنها نمت بالنصف الأول من العام الماضي، بواقع 5.1 في المئة على أساس سنوي لتبلغ 37.2 مليون عملية.

5.1

في المئة نسبة نمو الدفع الرقمي بالنصف الأول من 2024 لتبلغ 37.2 مليون عملية

ووفق البيانات الصادرة عن مركز نقديات تونس، فإن معاملات الدفع عبر الإنترنت في الفترة المذكورة بلغت أكثر من 169.66 مليون دولار بنمو قدره 2.3 في المئة. وبالنسبة للدفع عبر الهاتف الجوال، فقد تضاعفت المعاملات سبع مرات خلال فترة المقارنة، حيث بلغت المعاملات 183.33 مليون دولار.

ويعتقد فيصل عزوز مدير مالي واداري بأحد المصحات الخاصة أنه يجب التركيز اليوم على حلول بديلة تسهل عملية الشراءات لا سيما الدفع المتنقل باعتبار أن المعاملات بالشيكات ستتقلص، مؤكدا أن الحل يمكن ان يكون من خلال البطاقات البنكية.

وأوضح عزوز، خلال حلقة نقاش نظمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات هذا الأسبوع بعنوان “قانون الشيكات الجديد.. التأثير على المحلات التجارية الكبرى والمصحات الخاصة” أن هذه البطاقات تكون بديلا للشيك من خلال تمكين المواطن من المبالغ المطلوبة.

وقال إن “القانون الجديد سيساهم في حسن استعمال هذه الالية للدفع وعدم التهاون بها،” مشيرا إلى أن الإصلاح الجديد أشرك البنوك، التي أصبحت ملزمة بالقيام بدراسة ملاءة ودراسة المخاطر على المطالب بالشيك حتى يكون للقطاع المصرفي جانب من المسؤولية.

في المقابل أكد وليد الزواغي مدير عام مساعد لأحد المولات تجارية الخاصة أن الاجراء الجديد سيسهم في تغيير سلوكيات المستهلكين وسيقلص من الشراءات خاصة مع ارتفاع التضخم. وقال إن “هذا القانون سيؤثر على أنماط الشراء بالنسبة للمواطنين الذي سيحرمون من الاستفادة من السداد بالتقسيط، وسيكون هناك تغيير كبير على سلوكياتهم.”

وبخصوص آليات الدفع، لاحظ الزواغي، أن البطاقات البنكية سيكون لها تأثيرات، باعتبار ان المبالغ التي ستوفرها البنوك ستكون بمثابة قرض، وبالتالي دفع تكاليف هذه الخدمة. وشدد على أهمية المرحلة التجريبية للمنصة الرقمية الموحدة الخاصة بالمعاملات بالشيك، “حتى نتعرف على قدرتها التقنية باعتبار أنها ستكون متاحة للجميع.”

10