تقلّص ملحوظ لعمالة الأطفال في الأردن مرده قوة التشريعات

العقوبات أصبحت مغلظة والجولات الرقابية متعددة على المحلات التجارية وبالتالي تلاشت ظاهرة عمالة الأطفال إلى درجة كبيرة.
السبت 2025/06/14
طفولة تحتاج إلى رعاية أكبر

عمَان - يواصل الأردن مواجهة استغلال الأطفال وإدخالهم إلى سوق العمل قبل وصولهم السن القانونية التي تخول لهم ذلك، بعد أن قام بسنَّ قوانين وتشريعات ووضَعَ حلولا تحارب الظاهرة على مدار سنوات.

وفي زيارة لوكالة الأنباء الأردنية للمناطق الحرفية والصناعية في منطقة الزرقاء وماركا والبيادر في العاصمة عمّان، رصدت الوكالة تقلص الظاهرة بشكل كبير وذلك بفضل العقوبات والإجراءات الوقائية التي تم تطبيقها.

وقال المهندس محمد المومني الذي يقوم بتشغيل مجموعة من الأشخاص في محل صيانة المركبات، بالمنطقة الصناعية في ماركا شرق العاصمة عمَّان، عند سؤاله عنهم وهل هم دون السن القانونية: “هؤلاء متدربون من المدارس الصناعية التابعة لوزارة التربية والتعليم، وهم يتدربون وفق برنامج ساعات محدَّد وإشراف مباشر من المدرسة، ولديهم تأمين صحي ولا يتم تصنيفهم بأنهم يعملون وهم أطفال.”

وأضاف، أنَّ هناك سببا رئيسيا في تشغيل الأطفال وهو قيام عدد من أولياء الأمور بالموافقة وإحضار الطفل للعمل في عدة أماكن وخصوصًا في أوقات العطلة الصيفية، لكن الفترة الأخيرة أصبحت العقوبات مغلظة والجولات الرقابية متعددة على المحلات التجارية وبالتالي تلاشت هذه الظاهرة إلى درجة كبيرة.

وأكد أنّه يرفض تشغيل الأطفال، والخطورة الأكبر في تشغيلهم هو أنَّهم صغار وقد يتعرضون للأذى وفي حال حصل ذلك تصبح المسؤولية مضاعفة والعقوبات أكبر، وبالتالي فإنَّ أصحاب العمل لا مصلحة لديهم بتشغيل الأطفال، ناهيك عن وجوب التصرف بإنسانية وعدم انتهاك حقوق الأطفال والالتزام بالقانون الذي يُنصف هذه الفئة.

قانون التنمية الاجتماعية لسنة 2024 نصَّ على تقديم خدمات الحماية والرعاية للأطفال المتسولين والحد من ظاهرة التسول بكافة أشكالها وصورها

وتبين أرقام وزارة العمل التي حصلت عليها وكالة الأنباء الأردنية أنَّ عدد حالات عمل الأطفال المكتشفة في السنوات الأربعة الأخيرة وأول خمسة أشهر من العام 2025 بلغت ألفين و505 حالات موزعة على ألف و87 حالة خلال العام 2021، و520 حالة عام 2022، و507 حالات خلال العام 2023، و294 حالة خلال العام 2024، و97 حالة بين الأول من شهر جانفي وحتى 31 مارس من العام الحالي 2025، حيث تظهر هذه الأرقام انخفاضا متدرجا للمخالفات وصولًا إلى الرقم الأخير في العام 2025.

وحرَّرت وزارة العمل 736 مخالفة بحق أرباب عمل قاموا بتشغيل أطفال لدى منشآتهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة وأول خمسة أشهر من العام 2025، توزعت بين 104 مخالفات خلال العام 2021، و160 مخالفة خلال العام 2022، و242 مخالفة خلال العام 2023، و181 مخالفة خلال العام 2024، و49 مخالفة بين الأول من شهر يناير و31 مارس من العام الجاري 2025.

ووجهت الوزارة حسب أرقامها الرسمية ألفا و51 إنذارًا خلال السنوات الأربعة الأخيرة لكل من ثبت أنه قام بتشغيل أطفال في منشأته، توزعت بين 433 إنذارا خلال العام 2021، و142 إنذارًا خلال العام 2022، و259 إنذارًا خلال العام 2023، و201 إنذارًا خلال العام 2024، بينما شهدت الأشهر الأولى من العام 2025 توجيه الوزارة لـ16 إنذارًا لتشغيلهم الأطفال وانتهاك حقوق الإنسان ومخالفة القانون.

ونفذت الوزارة خلال أول خمسة أشهر من العام 2025 زيارات تفتيشية للحد من عمل الأطفال على ألفين و481 منشأة تم الكشف فيها عن 97 حالة طفل عامل وتمَّ اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين وتمثلت بتوجيه 16 إنذارا و49 مخالفة بحق أصحاب العمل، وتلقت الوزارة 40 شكوى عمالية عبر منصة حماية مختصة بحقوق الأطفال العاملين.

وقالت مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني لوكالة الأنباء الأردنية إنَّه وفي إطار المنظومة القانونية الوطنية وامتثالا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، عمل الأردن على إقرار حماية متكاملة للحد من عمل الأطفال تمثلت ابتداء بالحماية الدستورية الواردة في المادة السادسة والتي أكدت على أن يحمي القانون الطفولة ويمنع الإساءة والاستغلال،” وأكدت المادة 23 من الدستور أيضا على وضع تشريع خاص بالعمل على أن يتضمن شروطاً خاصة بعمل الأحداث.

الإعلام يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل وعي المجتمع، وبالتالي فإن طريقة تناول قضية عمالة الأطفال في وسائل الإعلام تؤثر بشكل مباشر على نظرة المجتمع إليها

وأضافت أنَّه وعلى صعيد القوانين أكد قانون حقوق الطفل لسنة 2022 على حظر تعريض الطفل للاستغلال بما في ذلك الاستغلال الاقتصادي وإجباره على العمل أو التسول، وألزم مقدمي الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية ومفتشي العمل وكل من يعلم عن أطفال يتم استغلالهم بتبليغ الجهات المختصة.

ولفتت إلى أنَّ قانون التنمية الاجتماعية لسنة 2024 نصَّ على تقديم خدمات الحماية والرعاية للأطفال المتسولين والحد من ظاهرة التسول بكافة أشكالها وصورها ووسائله من خلال وضع الخطط والبرامج، وإنشاء صندوق الحماية والرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى قانون العمل الذي نص على حظر تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، وحظر تشغيل الحدث الذي لم يكمل 18 من عمره في الأعمال الخطرة أو المُرهِقة أو المُضرة بالصحة.

وأكدت أنَّ قانون منع الاتجار بالبشر وتعديلاته اعتبر التسول المنظم جريمة اتجار بالبشر، وعلى صعيد الأنظمة فقد صدر نظام حماية الأحداث والذي عرَّف الحدث العامل، وكذلك نظام عمال الزراعة لسنة 2021 والذي حظر تشغيل الحدث الذي لم يكمل 16 من عمره في الأعمال الزراعية، ونص على عدم تشغيل الحدث الذي لم يكمل 18 من عمره في الأعمال الخطرة.

وقالت إنه ولغايات الاستمرار في الحد من هذه الظاهرة، لا بد من الاستمرار في تطبيق الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين وتكثيف حملات الرقابة على أماكن العمل وتجريم التسول الذي يكون يأخذ أشكالا أخرى مثل البيع بثمن زهيد وغيره، وتعزيز شبكة الدعم الاقتصادي والاجتماعي للأطفال وأسرهم والحد من ظاهرة التسرب المدرسي التي تلعب دورا هاما في توجيه الأطفال نحو العمل.

وعن دور الإعلام في بث الوعي بعمالة الأطفال وانتهاك حقوقهم قالت مدربة التربية الإعلامية رناد عيسى إنَّ المشكلة واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية تعقيدا، وسط التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، وتتطلب تكاتف الجميع لمواجهتها والأردن يقوم بدور مهم جدًا على مستوى التشريعات والإجراءات الميدانية.

وأضافت أنَّ الإعلام يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل وعي المجتمع، وبالتالي فإن طريقة تناول قضية عمالة الأطفال في وسائل الإعلام تؤثر بشكل مباشر على نظرة المجتمع إليها، والتغطيات التي تفتقر إلى العمق والبعد الإنساني قد تسهم في ضياع البوصلة.

وأكدت أنَّ الأردن التزم وبشكل كبير وبالأرقام في الحد من عمالة الأطفال، من خلال التشريعات والسياسات الوطنية، إضافة إلى البرامج التوعوية والميدانية التي تعمل عليها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين، وهذه الجهود انعكست في تطوير آليات الرصد والحماية، وتوسيع نطاق التعليم والدعم الاجتماعي للأسر الأقل حظا.

15