تقلّص قياسي في فجوة العجز التجاري لتونس بفضل نمو الصادرات

تونس- أظهرت إحصائيات حديثة أن تونس استطاعت السيطرة بشكل واضح على مستوى العجز التجاري هذا العام، في مؤشر يرى خبراء أنه قد يمنح السلطات دافعا قويا لتعزيز الصادرات خلال المرحلة المقبلة بما يدعم الاحتياطات النقدية للبلد بشكل أكبر.
وأشارت بيانات رسمية إلى تراجع في العجز التجاري بفضل نمو الصادرات ليبلغ حدود 16.5 مليار دينار (5.2 مليار دولار) خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من 2023.
وكان العجز في حدود 7.4 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، وما يفوق بنحو 4.6 مليار دولار في عام 2021.
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء تراجع العجز في عام 2023 إلى تقلص النمو في الواردات، ولاسيما في قطاع الطاقة والمواد نصف المصنعة والأولية، ليبلغ 3.7 في المئة مقابل زيادة نسبتها 33 في المئة قبل عام.
كما زادت الصادرات بنسبة 7 في المئة، مدفوعة بالمنتجات الزراعية والنسيج وقطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية، مقابل ارتفاع بنسبة 24 في المئة على أساس سنوي.
5.2
مليار دولار قيمة العجز في 11 شهرا سنة 2023 مقابل 7.4 مليار دولار قبل عام
ويقول خبراء إن نمو الواردات خلال السنوات التي سبقت الأزمة الصحية كان نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تسويق حصة كبيرة من السلع المهرّبة في السوق المحلية.
وتلقي أوساط الأعمال باللوم على حكومة الترويكا، التي قادتها حركة النهضة في 2012 حينما فتحت الباب أمام غزو البضائع التركية وأغرقت البلاد في حالة من الفوضى الاقتصادية أدت إلى الدخول في نفق من الأزمات المتتالية.
وتسببت الأزمة الصحية، وما انجر عنها من إجراءات احترازية تطلبت إغلاق الاقتصاد، في انكماش النمو بشكل حاد، وهو ما انعكس على الطلب المحلي لكل السلع الاستهلاكية.
ويؤكد خبراء أن جائحة كورونا التي ألقت بظلال قاتمة على مختلف الأنشطة الاقتصادية ساعدت تونس على تخفيف العجز المزمن في الميزان التجاري الذي ظل لسنوات يحلق في مستويات عالية.
ومنذ 2011 حتى عام 2019 سجل متوسط العجز التجاري مستويات قياسية قدرت بحوالي 6 مليارات دولار سنويا، مما ضغط على الاحتياطيات النقدية للبلاد التي بلغت في عام 2016 نحو 4.3 مليار دولار.
أما الآن فتصل تلك الاحتياطيات إلى أكثر من 7.2 مليار دولار، أي ما يعادل 131 يوم توريد، وهو من أعلى المعدلات التي تم تسجيلها خلال السنوات السبع الأخيرة.
ويعتقد المتابعون أن تونس يمكن أن تقلص العجز التجاري بشكل أكبر في العام المقبل والسنوات التالية بعدما فرضت قواعد جديدة مع أنقرة عبر اتفاق أبرم الأسبوع الماضي يقضي بمراجعة الرسوم الجمركية على قائمة من السلع الموردة من تركيا.
ويقوم الاتفاق الجديد، الذي بدأ التفاوض بشأنه منذ شهر أكتوبر العام الماضي، على تعديل اتفاق التبادل الحر الموقع بين البلدين في عام 2004 وبدأ العمل به منذ 2005.
وتشمل مراجعة اتفاق التبادل الحر قائمة من المنتجات الصناعية التي لها مثيل مصنع في تونس من خلال إخضاعها مجددا للرسوم الجمركية لمدة خمس سنوات، بحيث يتم الترفيع في الرسوم من حالة الإعفاء الكامل حاليا إلى نسب تتراوح بين 27 و37.5 في المئة.
وتتوقع تونس خفض عجز الميزانية إلى 5.5 في المئة هذا العام من حوالي 7.7 في المئة العام الماضي، بدعم من إجراءات تقشف قد تمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ.
وتحتاج البلاد بشكل عاجل إلى مساعدة دولية منذ أشهر، إذ تواجه أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من عجزها عن سداد الديون وأسهمت في نقص الغذاء والوقود.
المانحون الأجانب يريدون من تونس أن تمضي في خفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، فضلا عن خطوات للسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام
وستزداد حاجة البلاد إلى الاقتراض الخارجي في العام المقبل بنسبة 34 في المئة إلى 5.2 مليار دولار، في حين أن من المتوقع ارتفاع خدمة الدين العام 44.4 في المئة إلى 6.6 مليار دولار.
وتسعى تونس، التي تكافح من أجل معالجة أوضاع المالية العامة المتضررة بشدة، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات غير شعبية تشمل خفض الإنفاق وخفض دعم الطاقة والغذاء.
ويريد الصندوق والمانحون الأجانب الرئيسيون من تونس أن تمضي في خفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، فضلا عن خطوات للسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام.
ويكابد التونسيون منذ أشهر في سبيل الحصول على احتياجاتهم من المواد الأساسية، في ظل شح واضح لها في الأسواق التجارية نتيجة تداعيات الجفاف والحرب في شرق أوروبا.
وذكر متعاملون أوروبيون الاثنين أن ديوان الحبوب التونسي طرح مناقصة دولية لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين ونحو 75 ألف طن من القمح الصلد و50 ألف طن من الشعير المستخدم كعلف للحيوانات. وتنص المناقصة على أن المنشأ اختياري. والموعد النهائي لتقديم عروض الأسعار في المناقصة هو الثلاثاء.
وتطلب تونس القمح اللين على أربع شحنات تزن كل منها 25 ألف طن، والقمح الصلد على ثلاث شحنات بنفس الكمية، والشعير على شحنتين بنفس الكمية أيضا، وتُحدد فترات الشحن بناء على قرار المورد بشأن بلد المنشأ الذي ستُستورد منه الحبوب.
ويُعتقد أن القمح اللين سُيطلب للشحن في الفترة ما بين نهاية ديسمبر الحالي ومطلع فبراير المقبل، والقمح الصلد خلال يناير المقبل، أما الشعير فسيكون في الفترة ما بين الأول من يناير والخامس من فبراير 2024.
وفي آخر مناقصة جرى الإعلان عنها الشهر الماضي، اشترت تونس مئة ألف طن من القمح اللين و75 ألف طن من الشعير المستخدم كعلف للحيوانات. وفي مناقصة القمح الصلد الأخيرة التي طرحها في السابع عشر من نوفمبر الماضي، اشترى ديوان الحبوب حوالي 25 ألف طن.