تقلبات الجنيه تضغط على تكاليف تحوط المطورين العقاريين في مصر

يحاول المطورون العقاريون في مصر التأقلم مع المنغصات التي يعيشها اقتصاد بلادهم عبر اللجوء إلى التسعير بالدولار والبيع بالجنيه بعدما أفرزت تقلبات العملة ضغوطا على التكاليف جعلت الشركات تتحوط لدرء المخاطر مع استمرار الضبابية في السوق.
القاهرة - دفع تدهور الجنيه المصري العديد من الشركات العقارية الناشطة في السوق المحلية إلى استخدام الدولار كأداة للتحوط من مخاطر زيادة الكلفة وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية.
وترافقت هذه الموجة التي تعكس مدى الضغوط المسلطة على قطاع الأعمال عموما، مع لجوء بعض المطورين إلى إلغاء حجوزات البعض من الزبائن وإرجاع الشيكات الخاصة بهم للحفاظ على هوامش الأرباح.
ويأتي مضي بعض المطورين في هذا الاتجاه مع نفي شركة أورا ديفلوبرز إيجيبت، المملوكة للملياردير المصري نجيب ساويرس، الخميس الماضي أن تكون مبيعاتها تتم بالدولار. وأكدت أن جميع وحداتها العقارية تُباع بالجنيه المصري.
وقال في بيان إنه “ليس لدى الشركة أي نيّة لتغيير أسلوب الدفع أو ربط سعر أيّ وحدات سكنية بالدولار في ظل الوضع الحالي للعملة الأميركية الذي نراه كمشكلة قصيرة المدى في طريق مصر نحو نمو اقتصادي أكبر”.
ويمثل القطاع العقاري نحو خُمس الناتج المحلي المصري، ويشهد نموا مطردا، مدعوما بزيادة عدد السكان البالغة مليوني نسمة سنويا، فضلا عن حركة الانتقال من الأرياف إلى المدن بنسبة اثنين في المئة كل عام.
وحرّرت القاهرة سعر عملتها المحلية ثلاث مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، وهو ما دفع قيمة العملة المصرية إلى الانخفاض مقابل الدولار بنحو 25 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام.
وتشير المعطيات وتقديرات المحللين إلى أن الجنيه فقد أكثر من 95 في المئة من قيمته منذ مارس العام الماضي بعد وقت وجيز من نشوب الأزمة الروسية - الأوكرانية.
وأوضح مصطفى القاضي، المدير التنفيذي لشركة إعمار مصر للتنمية التي تحوز منها شركة إعمار الإماراتية حصة بنحو 87 في المئة، لبلومبرغ الشرق أن شركته لا تبيع بالدولار، وتسعر الوحدات العقارية لديها بالجنيه.
لكنه قال إن “سعر صرف الدولار مقابل الجنيه مستخدم فقط كمقياس لضبط السعر مع الكلفة كما هو معمول به في العقود الخاصة بمجال المقاولات ومواد البناء”.
ويرى يوسف البنا، محلل القطاع العقاري في نعيم المالية، أن حركة البيع والشراء في السوق المصرية حاليا “تتسم بالبطء الشديد، بسبب زيادة تكاليف الإقراض، وتأثير أرقام التضخم القياسية على القدرة الشرائية للزبائن”.
وأشار إلى أنه بسبب ذلك لجأت بعض الشركات إلى التحوط من تراجع العملة وزيادة التكاليف عبر تسعير وحداتها أو ربطها بالدولار.
لكن البنا أكد أن الشركات تحصل في النهاية على الجنيه المصري من الزبون للبيع، مؤكدا أن بعض العقاريين يسعرون على سعر صرف 33 إلى 35 جنيها للدولار.
ودفعت زيادة أسعار الغذاء وانخفاض الجنيه مقابل الدولار إلى تسارع التضخم خلال فبراير الماضي إلى أعلى مستوى منذ أكثر من خمس سنوات، ليسجل 31.9 في المئة على أساس سنوي.
وقفز معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار السلع الأكثر تقلبا إلى 40.3 في المئة بنهاية فبراير من 31.2 في المئة في يناير، وفق بيانات البنك المركزي، ليسجل أعلى مستوى له على الإطلاق.
ويشير البنا إلى أن هدف الشركات العقارية من ربط التسعير بالدولار هو المحافظة على هوامش الربح، كون عقودهم مع شركات المقاولات التي تنفذ المشروعات تتضمن شروطاً لتعويض تلك الشركات في حال تغيير سعر الصرف وارتفاع الكلفة.
وتواجه مصر أزمة نقص في العملات الأجنبية هي الأسوأ منذ سنوات، في ظل تزايد الضغوط على الجنيه في الآونة الأخيرة، حيث تسعى البلاد بشكل حثيث إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتدفقات الخارجية إلى سوق الدين المحلية.
وعوّلت الحكومة في منتصف العام الماضي على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد كمصدر أساسي لتوفير العملة الصعبة، عوضا عن الأموال الساخنة التي استثمرت في أدوات الدين.
وتخارجت تلك الأموال سريعا من السوق المحلية وسط الأزمة الروسية - الأوكرانية، حيث رصد البنك المركزي مغادرة أكثر من 22 مليار دولار البلاد في بضعة أيام.
لكن الدولة التي يقدر حجم اقتصادها بنحو 400 مليار دولار، عادت مع نهاية العام الماضي لتعول من جديد على الأموال الساخنة ورفعت أسعار الفائدة بشكل كبير.
ومع ذلك لم تحصل حينها على نتيجة مرضية، لتعود وتعلن عن برنامج لبيع أصول حكومية بحصيلة مستهدفة تبلغ مليارات الدولارات.
ويؤكد القاضي أن آلية التسعير المستخدمة تعكس التغيير بسعر الصرف في نطاق محدد وبحد أقصى معلوم ومحدد للزبون وقت التعاقد. والنظام نفسه معمول به في بيع وحدات مشروع مدينة الجونة منذ سنوات.
لكن مسؤولا في أوراسكوم للتنمية أبلغ بلومبرغ الشرق بأن شركته لا تقوم بربط أسعار بيع وحداتها في مدينة الجونة وفقا لسعر صرف الدولار.
وقال “لأن 40 في المئة من زبائن الجونة أجانب، يتم التسعير وفقا لسعر صرف الدولار واليورو، لكن البيع بالجنيه المصري حسب التشريعات المنظمة لذلك”.
وبحسب شركة الخدمات العقارية جي.أل.أل، شهد عام 2021 إنجاز 19 ألف وحدة سكنية على مستوى القاهرة، ليرتفع المخزون السكني إلى 227 ألف وحدة، على أن يجري تسليم 29 ألف وحدة إضافية في العام الماضي تتركز في مشاريع غرب وشرق القاهرة.
ولفت البنا إلى أن الشركات العقارية “تضع التسعيرة وهي تعلم تماما طبيعة الزبون الذي تخاطبه، ومدى قدرته على الدفع من عدمها”.
ورغم الظروف الحالية يبذل المطورون جهودا لتنفيذ المشاريع في أقصر فترة ممكنة لتجنب الزيادات المحتملة في الأسعار مستقبلا وتقليل خسائرهم.
وقال إن “بعض الشركات ألغت حجوزات وأرجعت شيكات الدفع للزبائن بسبب تأثر هوامش الربح لديهم بالكلفة المرتفعة في ظل تراجع العملة وزيادة التضخم”.
وسعى مستثمرون في قطاع العقارات إلى إعادة جدولة الدفعات المستحقة من الديون، وثمة مطالبات بتحصيل مدفوعات الأراضي التي تم بيعها حديثا على فترات طويلة الأجل تصل إلى عشر سنوات.