تقرير: ملفات سرية للأسد تكشف عن محاكمة أجهزة المخابرات للأطفال

لندن – كشفت ملفات ووثائق استخباراتية تحصلت عليها صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، بعد أن أعطاها مقاتلو "جبهة تحرير الشام" حق الوصول إلى 4 فروع استخباراتية في مدينة حمص، عن أن أفراد الأسر السورية كانوا يتجسسون على بعضهم البعض، والمعلمون خانوا التلاميذ و"الخونة" تعرضوا للتعذيب والقتل، وفق ما نقلت صحيفة "التايمز".
وتظهر من آلاف الصفحات التي حللتها الصحيفة، كيف تم إجبار سوريين وإغرائهم للإبلاغ عن أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم لجهاز الأمن، وكيف أن أقسام المخابرات المخيفة اخترقت هواتف المشتبه بهم وكانت تتبعهم، وسجلت حتى علاقاتهم العاطفية، وأن أطفالا واجهوا تهمة "إهانة" النظام ورئيسه، مع أن عمر الواحد منهم لا يتجاوز 12 عاما.
كما تم إجبار سجناء تحت التعذيب على التخلي عن أسماء متعاونين مزعومين، وأن فروع أجهزة المخابرات تقاتلت مع بعضها للحصول على أفضل المخبرين.
واتضح من الملفات والوثائق أيضا، أن الرصد الاستخباراتي في دولة بشار الأسد، كان نسخة شبيهة إلى حد كبير بوزارة أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، أو Stasi الشهير، حيث كان أفراد الأسرة يتجسسون ويسترقون السمع والبصر على بعضهم، وكان لأدنى شك أن يؤدي الى زج أشخاص عاديين، حتى وأطفال، في زنزانات من الأسوأ، وإلى تعذيب وإعدام.
كما تفصّل آلاف الملفات المكتوبة بأقلام حبر أنيقة أو مطبوعة باللغة العربية الفصحى، الطرق التي تسلل بها النظام إلى جماعات الاحتجاج والمتمردين منذ بدء الثورة في 2011 عليه، إضافة لكشفها عن تفاصيل شبكة واسعة من المخبرين، وكيف أجبرت أجهزة المخابرات الأشخاص الذين اعتقلتهم على الكشف عن أسماء المتعاونين المزعومين، ممن سيتم احتجازهم، وفقا لما ورد بالتقرير.
ويمكن التعرف من الوثائق والملفات إلى الطريقة التي كانت تعمل بها أجهزة الأمن السورية المروعة "وغير الكفؤة، في معظم الأحيان" منها شك مستمر بأن جواسيسها هم عملاء مزدوجون. كما يمكن التعرف إلى الطريقة التي يتجسس بها المخبرون من أجهزة المخابرات المختلفة على بعضهم البعض، وإلى استجواب الأطفال المتهمين بعدم الولاء للنظام وإلى تدوين الملاحظات على علاقات عاطفية للمشتبه بهم من مراهقين وبالغين.
وذكرت "صنداي تايمز" أنها حللت على مدى يومين وثائق تتعلق بالطريقة التي استخدمها النظام لإرغام الناس على الإبلاغ عن أصدقائهم وأقاربهم وجيرانهم، وتعرّفت إلى سجلات عن اعتقال ومخابئ اتصالات داخلية تتعلق بإدارة المخبرين الذين وقعوا تحت الشك والتحقيق معهم. كما تم السماح للصحيفة بالبحث في الوثائق ونسخها ونشرها، بشرط تغيير الأسماء والتواريخ والمواقع المحددة، حتى لا نضر بمحاولات محاسبة المخبرين في المحاكم.
وكان من الواضح أن أجهزة الأمن جاهدت كي لا تخرج سجلاتها إلى النور، ففي اثنين من فروعها حاول ضباط حرق ما فيهما من ملفات. وكانت الغرف بأكملها مليئة بالرماد، ولم ينج من الحرق سوى قصاصة ورق عرضية مكتوب عليها بخط واضح، لأنه لم يكن لديهم وقت لحرقها كلها.
ومع انهيار الجيش وتدفق المقاتلين إلى حمص، فاتتهم غرف. وكانت هذه الوثائق تحتوي على عشرات الآلاف من الملفات التي ظلت سليمة، مجمدة في الوقت المناسب في 7 ديسمبر الجاري، أي قبل يوم من الوصول إلى دمشق وإنهاء حكم عائلة الأسد.
من خلال التنصت على الهواتف، واختراق أجهزة الكمبيوتر، وإرسال عملاء لمراقبة المشتبه بهم شخصيًا، جمعت أجهزة الأمن مستوى شاملًا بشكل لا يصدق، ومملًا للغاية في كثير من الأحيان، من التفاصيل حول حياة الأشخاص الذين كانوا يراقبونهم. وفقا للصحيفة البريطانية.
وتضمنت تقارير المراقبة التي أعدها المخبرون روايات شاملة عن موقع المرآب حيث قامت والدة المشتبه به بإصلاح سيارتها، وانتظام زيارة مشتبه به آخر لأقاربه وعدد المباني السكنية المملوكة لثالث.
وليس من الواضح أي من التهم والاعترافات العديدة المفصلة في السجلات صحيحة، أو نتيجة للتعذيب، أو زورا من قبل المخبرين، أو اخترعها ضباط الاستجواب. لكن، وفقاً لمعتقلين سابقين، وتقارير جماعات حقوق الإنسان بما في ذلك منظمة العفو الدولية، فإن احتجاز السجناء السياسيين في سوريا كان يتبع عملية متسقة. في البداية، حيث يتم استقبال المعتقلين بحفاوة، ثم يتم حبسهم في زنزانة انفرادية وسحبهم بشكل منتظم للاستجواب.
وكان بعضهم يتعرض للتعذيب. ففي غرفة صغيرة تقع قبالة الممر الرئيسي في فرع المخابرات الجوية بحمص، أشار رشيد الأبرش، وهو معتقل سابق يعمل لصالح "صنداي تايمز" لتحليل الوثائق، إلى صندوق صغير يخرج منه سلكان نحاسيان. وكانت نهايتهما بشكل بدائي على شكل حلقات توضع في إصبع كل يد، وتستخدم في صعقهم بالكهرباء. وقال الأبرش إن الجريمة التي قد توجه إلى المعتقلين المؤيدين للمعارضة قد تزداد أو تنقص وفق عدد أسماء "الإرهابيين" الذين يعطونهم للمحققين. وكانت أغلب محاضر الاستجواب التي قمنا بتقييمها تحتوي على أسماء متهمين بالتعاون مع المعتقلين.
ولم يكن أحد في مأمن من النظام، ففي الربيع الماضي، تم اعتقال طفل عمره 12 عاماً، أحضروه "لتمزيقه ورقة تحمل صورة الرئيس". ويقول تقرير استجوابه: "في (التاريخ) بينما كان (المتهم) في فصله، تم العثور على ورقة ممزقة تحت مقعده تحمل صورة الرئيس. ثم ألقى (الصبي) بها في سلة المهملات. بعدها أُبلغ معلمه المشرف التعليمي في (المدرسة) الذي أبلغ مركز الشرطة".
"تم احضار المعلم (الاسم) للاستجواب، وأكد أنه أُبلغ بالورقة الممزقة من قبل طلاب آخرين بالفصل. وعندما سأل (الصبي) عن ذلك، زعم أنه مزق الورقة دون أن يلاحظ صورة الرئيس. وأكد لنا المعلم أن الطالب هادئ وذا أخلاق حسنة ولم يسبق له أن أبدى سلوكا سلبيا. أجرينا فحصا عن عائلته وتبين أنهم لم يشاركوا بأي أنشطة تتعلق بالأحداث الجارية في البلاد". مع ذلك، تم إرسال الطفل بعد 4 أيام للمحاكمة.
كما ليس من الواضح من الوثائق عدد الأشخاص في سوريا الذين كانوا يتجسسون لصالح أجهزة الأمن. ومع ذلك، فإن النطاق الهائل لعملياتهم يظهر من حقيقة وجود عدد كبير من المخبرين المشبعين في المجتمع لدرجة أنهم تجسسوا على بعضهم البعض بشكل متكرر، وفي كثير من الأحيان دون علم. وتمتلئ صفحات الأرشيف التي قامت الصحيفة بتحليلها بإشارات إلى السجناء الذين تم إحضارهم للاستجواب ثم أطلق سراحهم بعد اكتشاف أنهم عملاء سريون لأجهزة الأمن.
وتقول الصحيفة إن كون المرء مخبراً قد يجلب له ذلك المال والسلطة. وفي تقرير صدر عام 2019، وُصف بأنه "سري للغاية: للتوزيع الفوري"، يشرح عميد في فرع استخبارات محلي الفساد والتعامل المزدوج في قلب الأجهزة الأمنية.
وبدأت القصة أثناء التحقيق، حيث ذكر أحد السجناء في أحد فروع المخابرات اسم مخبر كان يدفع لأعضاء أجهزة الأمن التابعة للنظام لتهريب الأشخاص من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ومغادرة البلاد.
وجاء في التقرير أن "عدد الأشخاص المهربين بلغ نحو 100 شخص، وكان المتهم يتقاضى مبلغاً يتراوح بين 800 إلى 1000 دولار عن كل شخص يتم تهريبه".
وكان المخبر الذي ترأس شبكة التهريب موظفاً رسمياً في الدولة. ويشير التقرير إلى أنه لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى العمل قط، لكنه كان يتقاضى راتباً. وركزت شبكته من الضباط الفاسدين على تهريب الناس من الأحياء المعارضة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، ثم إلى الخارج إلى البلدان المجاورة. كما قدم خدمات التهريب لجنود النظام الذين أرادوا الفرار. ورغم ذلك فإن المخبر كان يلعب على كلا الجانبين أيضًا.
وجاء في التقرير أنه "كان يبلغ المسلحين عن مصادر فرعنا حتى يتم قتلهم، مما يضمن بقائه مصدرهم الوحيد ومنع الكشف عن أنشطته الشائنة"، مضيفًا أن إمام مسجد محلي كان من بينهم.
وفي الوقت نفسه، بالإضافة إلى إدارة أعمال الاتجار بالبشر، استخدم المخبر أيضًا ارتباطه بأجهزة الأمن لابتزاز الأشخاص في منطقته المحلية من خلال الادعاء زوراً بأنهم مطلوبون - ثم عرض إنقاذهم من السجن مقابل ثمن.
وكان أولئك الذين يعملون كمخبرين سريين لأجهزة الأمن يخاطرون بحياتهم إذا ما كشفتهم المعارضة المسلحة، أو تم خيانتهم من الداخل.
ومن الواضح أن قوات المتمردين كانت تعرف هويات المخبرين إلى حد ما. ويوضح تقرير صدر في عام 2012، وُصف بأنه سري للغاية، كيف أرسل أحد المتعاونين مع النظام شقيقته إلى منطقة محاصرة يسيطر عليها المتمردون لاستلام سلاح من مقاتلي المعارضة الذين كانوا يوزعون الأسلحة هناك.
إلا أن الرياح لم تجر كما ترغب سفينته، لأن المتمردين لم يسلموها سلاحا، بل أرسلوا بدلا من ذلك رسالة نصية إليه قالوا له فيها "يا كلب، إلى أين أرسلت أختك؟ هل تريد كلاشينكوف لتطلق النار على الجنود وأنت مخبر؟".
في الوقت الحالي، لا تزال سوريا تعاني من انهيار نظام الأسد، ولم يتضح بعد ما الذي سيحدث بعد ذلك، أو من سيقود البلاد. ومع ذلك، تحدث مسؤولون في هيئة تحرير الشام وحلفاؤهم السياسيون عن تقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم النظام إلى العدالة في المحكمة.
وفي مقابلة أجريت هذا الشهر في قصر المحافظ في منطقة طرطوس الساحلية التي تعتبر معقلا للنظام، قال أنس عيروط، المحافظ المؤقت التابع لهيئة تحرير الشام، لصحيفة صنداي تايمز إن شخصيات بارزة في النظام "ستخضع للمحاسبة".
وأضاف "لكننا لن نقدم أحدا للمحكمة دون أدلة ملموسة".
وإذا ما لجأت شخصيات النظام إلى المنصة، فإن الملفات مثل تلك الموجودة في مقر الاستخبارات في حمص قد توفر الدليل الذي يقرر مصيرهم. ومن خلال تفانيهم في البيروقراطية الصارمة وحفظ السجلات، فإن جواسيس الأسد سوف يوقعون على أحكام السجن الخاصة بهم.