تقرير لجمعيات نسوية يلقي الضوء على خطر تنامي قتل النساء في تونس

التمييز الجنساني والسيطرة الذكورية والزواج القسري عوامل غذّت الظاهرة.
السبت 2024/06/01
احتجاج ضد جرائم قتل النساء

دعت كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف، في تقريرهما إلى اعتماد مصطلح تقتيل النساء من قبل المشرع التونسي، كجريمة قائمة بحد ذاتها، لخصوصية هذه الجريمة ولرد الاعتبار لضحاياها. وبين التقرير أن قتل الإناث غير معترف به كجريمة مستقلة في تونس إذ يعتبر القانون 58 لسنة 2017، أن الاعتداء على حياة المرأة أو قتلها بمثابة عنف جسدي.

تونس - اعتبر التقرير السنوي حول جرائم قتل النساء لسنة 2023 أن ظاهرة تقتيل النساء في تونس، غالبا ما تكون ناتجة عن التمييز الجنساني والسيطرة الذكورية والعنف الأسري والزواج القسري والثقافة والعادات التقليدية والتناول الإعلامي المسيء للنساء وغيرها من العوامل.

وورد التقرير بعنوان “تقتيل النساء: الظاهرة المسكوت عنها” ونشرته كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف.

وفضلا عن التقديم، تطرق التقرير المتكون من 25 صفحة إلى أربعة محاور وهي؛ ظاهرة تقتيل النساء: البعد الاجتماعي والجندري، والإطار القانوني لتقتيل النساء، وإحصائيات مرعبة وغياب سياسات عمومية ناجعة، والتوصيات.

وفي المحور الأول أشار التقرير إلى أن مصطلح تقتيل النساء يحيل إلى الأبعاد الاجتماعية والجندرية المرتبطة بهذه الظاهرة والمتمثلة في أن عملية تقتيل النساء ترتكب بسبب الجنس أو النوع الاجتماعي.

وبحسب التقرير ترتبط ظاهرة تقتيل النساء بجرائم عنف أخرى مثل جرائم الشرف والعنف الجنسي والاغتصاب والتحرش والجرائم العنيفة الأخرى التي تستهدف النساء بشكل خاص لكونهن نساء.

في المحور الثاني “الإطار القانوني لتقتيل النساء” يوضح التقرير أنه على غرار العديد من الدول الغربية والعربية لم يتم إدراج مفهوم تقتيل النساء كجريمة مستقلة في التشريع التونسي رغم مطالبات المجتمع المدني بتضمينه في القوانين الجاري بها العمل.

بحسب التقرير، ترتبط ظاهرة تقتيل النساء بجرائم عنف مثل جرائم الشرف والعنف الجنسي والاغتصاب والتحرش والجرائم العنيفة الأخرى

ويبين التقرير أن قتل الإناث غير معترف به كجريمة مستقلة في تونس إذ يعتبر القانون 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة أن الاعتداء على حياة المرأة أو قتلها بمثابة عنف جسدي بمعنى أن القتل يعد شكلا من أشكال العنف وليس جريمة قائمة بذاتها، وفق التقرير.

وتدعو كل من جمعية “أصوات نساء” وجمعية “المرأة والمواطنة” بالكاف، في تقريرهما، إلى اعتماد مصطلح تقتيل النساء من قبل المشرع التونسي، كجريمة قائمة بحد ذاتها، لخصوصية هذه الجريمة ولرد الاعتبار لضحايا هذه الظاهرة والمساهمة في الحد من هذه الجرائم وتعزيز الوعي بمخاطر جرائم العنف ضد المرأة.

وفي محور “إحصائيات مرعبة وغياب سياسات عمومية ناجعة” ذكّر التقرير ببعض الأرقام والمعطيات التي نشرتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في تقريرها حول الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للسناء ضحايا جرائم القتل وملامح القائمين بالجريمة في الفترة المتراوحة بين جانفي 2018 و30 جوان 2023.

وحسب تقرير وزارة الأسرة تم تسجيل 69 جريمـة قتـل ارتكبت في 19 ولاية خلال الفترة المذكورة. وبينت الإحصاءات المنشورة للوزارة أن جرائم قتل النساء قد تضاعفت 4 مرات من غرة جانفي 2018 إلى 30 جوان 2023.

ويرى تقرير الجمعيتين أن وزارة الأسرة لم تنشر الأرقام المتعلقة بظاهرة قتل النساء بشكل تفصيلي يعكس جديتها في فهم هذه الظاهرة للحد منها فضلا عن غياب أي حملات تحسيسية وتوعوية بخصوص الظاهرة، واعتبر التقرير أن وزارة الأسرة لا تتصدى بشكل كاف لظاهرة قتل النساء بالنظر إلى تزايد عدد الجرائم.

التقرير أوصى بإنشاء المزيد من دور الإيواء وتعميمها في كل الجهات في البلاد وتوفير الإطارات والموارد البشرية

وأشارت الجمعيتان في تقريرهما، إلى تسجيلهما العام الماضي 25 جريمة قتل نساء منها 13 امرأة قتلن على يد أزواجهن. وبينت أن جرائم قتل النساء ليست مقتصرة على جهة معينة وإنما يشمل مختلف الولايات.

وذكرتا في تقريرهما، في المحور الثالث، أن هناك تقصيرا في تطبيق القانون بسبب عدم الاستجابة الجادة لمطالب الحماية التي تتقدم بها النساء ضحايا العنف عندما يلجأن إلى الشرطة أو قاضي الأسرة للتبليغ عن تعرضن للعنف الأسري أو طلبا للحماية.

وفي “المحور الرابع” قدم التقرير جملة من التوصيات من أجل تعزيز الشراكة بين الجمعيات النسوية والحقوقية لوضع خطط عمل واضحة للتصدي لظاهرة قتل النساء وضمان تعزيز جهود الحماية والوقاية والتوعية، إضافة إلى تعزيز التعاون بين منظمات المجتمع المدني والدولة للعمل على توفير خدمة ناجعة وفورية في مجال التعهد وحماية ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي.

كما أوصى التقرير، من جملة توصياته، بإنشاء مزيد من دور الإيواء وتعميمها في كل الجهات وتوفير الإطارات والموارد البشرية وتسهيل إجراءات التحاق الضحايا بمراكز الإيواء وتوفير الدعم اللازم لهن. وطالب بالاستغناء عن محاضر عدم التعرض للنساء ضحايا العنف بحجة أن تلك المحاضر هي “وقائية وليست حمائية”ولا تمنع خطر حدوث جرائم قتل.

وباتت ظاهرة قتل النساء على أيدي الأزواج ظاهرة تؤرق المنظمات النسوية، وتهدد استقرار المجتمع التونسي، وبينما تعجز التشريعات على الردع، يدعو المتخصصون إلى ترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي.

وطالبت المنظمات النسوية بحماية النساء ضحايا العنف، بصورة عامة، بخاصة العنف الزوجي، من خلال تعزيز التشريعات وإحكام تطبيقها والتوعية بضرورة معاملة المرأة كإنسان كامل الحقوق.

ومنذ بداية سنة 2024 وإلى غاية الـ19 من فبراير 2024، رصدت جمعيات مدنية خمس جرائم قتل نساء تضاف إليها جريمة مروعة هزت، في السادس من أبريل ، منطقة الجبل الأحمر بالعاصمة، وتمثلت في قتل رجل طليقته صابرين وأمها وخالها داخل منزل العائلة.

Thumbnail

وتعيد جريمة مقتل صابرين إلى الأذهان مقتل رفقة في جهة الكاف (شمال غربي العاصمة) عام 2021 على يد زوجها، وهو رجل أمن، بخمس طلقات من مسدسه، ومقتل سعاد الصويدي في ولاية القيروان (وسط) 2023 خنقاً على يد زوجها في مدينة نصرالله بالقيروان.

واستنكرت جمعية “أصوات نساء” في بيان “تخاذل الدولة وصمتها ما يفاقم جرائم قتل النساء، وعدم اتخاذها إجراءات صارمة ضد الجناة، وعدم التطبيق الفعلي للقانون، عدد 58 لسنة 2017، المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، الذي ينص على تسليط عقوبة السجن مدى الحياة على القاتل إذا كان من الأقارب”. واعتبرت الجمعية أن “تصاعد وتيرة جرائم قتل النساء في الفترة الأخيرة يثير القلق والهلع في صفوف النساء، ويخلق حالة من الفوضى في المجتمع، ويعكس فشل المنظومات والمؤسسات التابعة للدولة في التصدي لظاهرة العنف بمختلف صوره”.

وكشفت دراسة جديدة أن عدد حوادث قتل النساء المسجلة في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة، مشيرة إلى أن نسبة 54 في المئة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم.

وأوضحت معطيات الدراسة، التي حملت عنوان “سكوتنا قاتل”، أنه فيما يتعلق بباقي الجرائم بلغت “نسبة المنفذة ضد أمهات 21 في المئة، و8 في المئة ضد الأخت أو الابنة، و4 في المئة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم”.

ووفق الدراسة التي أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابع للاتحاد الوطني للمرأة التونسية نُفذت 38 في المئة من جرائم القتل، التي راحت ضحيتها نساء، طعنا بالسكين و29 في المئة منها باستعمال آلة حادة و13 في المئة منها خنقا و8 في المئة منها ذبحا و4 في المئة منها دهسا بالسيارة أو إلقاء في البئر أو حرقا.

وقالت الكاتبة العامة لجمعية “نساء ديمقراطيات” (جمعية حقوقية نسوية) أحلام بوسروال إن “تنامي ظاهرة العنف المسلط على النساء وتقتيلهن ينم عن تكريس سياسة الإفلات من العقاب”، وذلك “في ظل تراكم القضايا في المحاكم وطول مسار التقاضي الذي يصل أحيانا إلى 24 شهرا يرافقه ارتفاع خطاب الكراهية على المنصات الاجتماعية وبروز حالة من التطبيع المجتمعي مع العنف ضد النساء”.

ونبهت بوسروال إلى أن الفضاء الرقمي في تونس “ليس مقننا 100 في المئة إذ لم يتم بعد إعداد مجلة إلكترونية تكميلية تتعلق بمكافحة جرائم العنف المسلط على النساء”، وهو ما أدى إلى “الخروج من مجرد خطاب كراهية وتحريض على العنف إلى تنفيذ على أرض الواقع”.

15