تقديم معلومات لوسيلة إعلام معارضة "عمل إجرامي" في الجزائر

تهم ثقيلة لقطع الصلة بين الصحافيين في الخارج ومصادر المعلومات في الداخل.
الاثنين 2023/01/09
ممنوع التواصل

يثير خبر اعتقال “شبكة إجرامية تقدم معلومات لموقع ألجيري بارت” المعارض إشارات استفهام بسبب استهداف السلطة للموقع الذي يبث من خارج البلاد مرارا، بعد أن أثار غضب الحكومة بتقارير حساسة استنادا إلى مصادر داخلية.

الجزائر - بثت الشرطة الجزائرية مقطعا مصورا قالت إنه لشبكة إجرامية تحريضية تنشط تحت غطاء الموقع الإلكتروني “ألجيري بارت” بتلقيها أموالا مقابل فبركة معلومات لزعزعة استقرار الوطن، في أحدث تهمة للموقع الذي ينتهج خطا تحريريا معارضا كشف في عدة تحقيقات عن قضايا تحرج السلطة.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الاعترافات المصورة، التي بثتها المديرية العامة للأمن الوطني الجمعة، ووزعتها على وسائل الإعلام في البلاد، وذكرت “أقر المشتبه فيهم تورطهم في قضية تكوين شبكة إجرامية تحريضية لضرب مؤسسات الدولة طريق التعامل مع الموقع الإلكتروني المعادي ألجيري بارت لصاحبه عبدو سمار المقيم بفرنسا عن خلال فبركة وتزييف المعلومات وتسريب التقارير الإدارية وفق أجندات أجنبية معادية وانتهازية تسعى بكل الطرق إلى المساس بمصلحة الجزائر”.

وبحسب الوكالة تتشكل هذه الشبكة المتكونة من ستة عشر شخصا من عناصر تم القبض عليهم، وآخرين لا يزالون في حالة فرار خارج البلاد.

وأفاد المتهم الرئيسي والذراع الأيمن لعبدو سمار بأن الوقائع تعود إلى عام 2015، حيث قام بإنشاء حساب على موقع فيسبوك، كان الغرض منه “تلقي المعلومات باسم ألجيري بارت” وهو العمل الذي كان يتلقى مقابله 1500 يورو بصفته مسيرا للصفحة.

وتعتبر هذه التهمة حلقة جديدة في إطار الملاحقة القانونية لموقع ألجيري بارت الذي نشر العديد من التحقيقات التي تخطت الخطوط الحمراء للحكومة، وأحرجت السلطات ومن بينها قولها إن “تهديدات الرئاسة الجزائرية بقطع العلاقات التجارية مع مقاولات مغربية، مجرد شعبوية فجة”، وذلك في الوقت الذي تلتزم فيه وسائل الإعلام الجزائرية بخط مواز للسلطة في تكرار الاتهامات للمغرب.

السلطات تريد تخويف المواطن من التعامل مع وسائل الإعلام وبشكل خاص التي تبث خارج البلاد وتتعامل مع مصادر داخلية

وبنتيجة الخروج عن خط السلطة، أصدر القضاء الجزائري في أكتوبر الماضي حكما بإعدام الصحافي محمد عبدالرحمن سمار، المعروف بعبدو سمار مدير موقع “ألجيري بارت”، بعد متابعته بتهمة التخابر وتسريب معلومات تحمل طابع السرية تتعلق بمشاريع مؤسسة سوناطراك عبر موقعه ألجيري بارت.

وأشارت وسائل إعلام محلية إلى صدور حكم آخر يقضي بسجن رئيس لجنة الصفقات بشركة سوناطراك، عويس لمين عشر سنوات بعدما اتُّهم بتزويد الصحافي سمار بجميع المعلومات التي نشرها في وقت سابق.

ويرى مراقبون أن ما تصفه السلطات بشبكة إجرامية تستهدف زعزعة استقرار البلاد، لكل من يدلي بمعلومة إلى وسيلة إعلام أوجعت السلطة بتقاريرها، هو توجه متوقع يهدف إلى محاصرة المعلومات وقطع العلاقة بين الصحافيين وأي مصدر للمعلومة.

ويضاف إلى ذلك تخويف المواطن من التعامل مع وسائل الإعلام وبشكل خاص التي تبث خارج البلاد وتتعامل مع مصادر داخلية.

وجددت السلطات الجزائرية الاتهام لمدير الموقع بالقول إن سمار اعتمد في تنفيذه لمخططه على موظفين يشغلون مناصب حساسة، قدموا له العديد من التقارير الإدارية التي تم تزييفها “قصد التأثير على الرأي العام”، مقابل تلقيهم مبالغ مالية.

وقد أثارت القضية منذ الحكم على مدير الموقع بالإعدام جدلا كبيرا نظرا إلى طبيعة الحكم الصادر فيها، خاصة وأنها تزامنت مع محاكمات عديدة طالت مجموعة من النشطاء المعارضين في الخارج والداخل.

مراسلون بلا حدود: حرية الصحافة تواجه العديد من الخطوط الحمراء في الجزائر
مراسلون بلا حدود: حرية الصحافة تواجه العديد من الخطوط الحمراء في الجزائر

ووصف سمار الحكم الصادر في حقه بـ”السابقة في تاريخ الصحافة الجزائرية”، ونفى في فيديو نشره عبر قناته في يوتيوب كل التهم الموجهة إليه، بما في ذلك تعامله مع الموظف الذي أدين معه في نفس القضية.

كما أكدت وسائل إعلام محلية أن الرئيس السابق للجنة الصفقات بشركة سوناطراك لمين اعترف أمام هيئة القضاء بإرسال معلومات عادية وطبيعية إلى الصحافي سمار عبر بريده الشخصي.

واستنادا إلى تطور سير الأحداث في قضية الموقع المعارض للسلطة منذ أشهر، يجد صحافيون أن الضجة التي أثيرت حول “اعتقال شبكة إجرامية” تضع هذا الإعلان موضع شك في مصداقيته، ويبدو أنه انتقام ورغبة من السلطة في ردع كل وسيلة إعلام تنتهج سياسة تحريرية مخالفة للسلطة.

ومن بين القضايا التي أثارها الموقع وتمس بشكل خاص رأس السلطة، كشف الموقع عن علاقات تجارية في مجال تصدير الغاز والبترول بين الجزائر وإسرائيل، مشيرا إلى أن شركة النفط والغاز الجزائرية الوطنية “سوناطراك” قامت بتصدير ما لا يقل عن 50 ألف طن من غاز البترول المسال (جي.بي.إل) إلى إسرائيل، وذلك رغم أن الموقف الرسمي الجزائري يرفض أي علاقة مع إسرائيل.

وهذه التقارير بالإضافة إلى غيرها الكثير تفسر غضب السلطة وثقل التهم التي توجهها للموقع وأي شخص يتعامل معه.

وقبل حوالي ثلاث سنوات، سافر الصحافي سمار إلى فرنسا قبل أن يطلب اللجوء السياسي هناك ليستمر في نشاطه الإعلامي عبر موقعه “ألجيري بارت” اعتمادا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك ويوتيوب.

وسبق أن أثار ضجة كبيرة سنة 2018 عندما تعرض للاعتقال مع نشطاء آخرين اتهموا باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي لابتزاز بعض الشخصيات المحسوبة على عالم المال والسياسة، لكن تم إطلاق سراحه في وقت لاحق.

التهمة تعتبر جديدة في إطار الملاحقة القانونية لموقع ألجيري بارت الذي نشر العديد من التحقيقات التي تخطت الخطوط الحمراء للحكومة

وكان الصحافي سمار من الإعلاميين الأوائل الذين توجهوا إلى الإعلام الرقمي بتأسيس موقع “ألجيري فوكيس” سنة 2013، حيث تخصص في مجموعة من المواضيع السياسية والاقتصادية المثيرة للجدل قبل أن يؤسس موقعه الحالي.

واشتهر بالظهور في برامج تلفزيونية محلية كانت تهتم بالشأن السياسي.

وأكدت قناة “النهار” أن من بين التهم التي تضمنها ملف الصحافي سمار هي “التخابر مع عملاء لصالح دول أجنبية”، وهو الملف الذي يتابع فيه كذلك الرئيس المدير العام السابق لسوناطراك عبدالمومن ولد قدور.

لكن الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي أكد أنه “حتى لو كانت التهمة لا ترتبط بالمجال الصحفي فمن غير المقبول قبول هذا الحكم”. وأضاف “مثل هذه الأحكام تتطلب حضورا شخصيا للمتهم ومواجهة مباشرة مع جميع الوقائع التي تضمنها الملف”.

وسبق لمحكمة بئر مراد رايس بالعاصمة أن أصدرت سنة 2020 مذكرة قبض دولية في حقّ سمار.

وبحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”، تواجه حرية الصحافة العديد من الخطوط الحمراء في الجزائر، حيث أن مجرد الإشارة إلى الفساد أو قمع المظاهرات من شأنه أن يكلف الصحافيين التهديدات والاعتقالات.

وذكرت المنظمة في تقرير نشرته الشهر الماضي، أنه لم يسبق للساحة الإعلامية الجزائرية أن شهدت مثل هذا التدهور، حيث باتت وسائل الإعلام المستقلة تتعرض للضغوط باستمرار ويُسجن الصحافيون أو يحاكَمون بانتظام، ناهيك عن إجراءات الحجب التي تطال العديد من المواقع الإلكترونية.

ويتسم المناخ السياسي بالتوتر الشديد في الجزائر، لاسيما منذ انتخاب الرئيس عبدالمجيد تبون في ديسمبر 2019. ويتعرض الصحافيون ووسائل الإعلام لضغوط عديدة، خاصة من رئاسة الجمهورية والأحزاب والأجهزة الأمنية والسلطات المحلية. ومن الصعب جدا على المراسلين القيام بعملهم بطريقة حرة ومستقلة عندما يكون للسلطة السياسية تأثير مباشر على تعيين وإقالة مدراء وسائل الإعلام والهيئات التنظيمية للقطاع.

5