"تقدم" تدشن مؤتمرها التأسيسي وسط انقسامات سودانية

أديس أبابا/ الخرطوم– دشنت تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية في السودان (تقدم) مؤتمرها التأسيسي في أديس أبابا الأحد، بمشاركة واسعة من سياسيين يريدون تشكيل أكبر كتلة مدنية لوقف الحرب السودانية، وسط تباينات برزت داخل التنسيقية عقب التوقيع على إعلان نيروبي بين رئيس مكتبها التنفيذي (بصفته الشخصية) عبدالله حمدوك والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، وجيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، ومطالبة أحزاب وتيارات مدنية بضرورة تعديل نظام عملها.
ويناقش المؤتمر الذي يستمر حتى الخميس المقبل قضايا الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وما ترتب عليها من أوضاع إنسانية سيئة، وإجازة الرؤية السياسية والنظام الأساسي والهيكل التنظيمي، وانتخاب أعضاء الهيئة القيادية الذين سينتخبون رئيسها والمجلس التنفيذي، بمشاركة أكثر من 600 شخص، جاءوا من دول مختلفة.
وتواجه القوى المدنية السودانية تحديات جمة بسبب زيادة التباينات السياسية التي سبقت اندلاع الحرب الراهنة، وفشل محاولات توسيع دائرة التحالف بالشكل المطلوب خلال الفترة الماضية، علاوة على شيوع أزمات تتعلق بانقسامات بعض الأحزاب المنضوية في التنسيقية، ما يهدد نجاحها في ضغط يقود إلى وقف الصراع العسكري.
وتكمن المشكلة الرئيسية في أن تنسيقية “تقدم” واجهت دعاية سوداء ممن لديهم رغبة في استمرار الحرب في السودان، ما أثر على صورتها أمام المواطنين وخلق تجاذبا في الرؤى حيال دعم التنسيقية شعبيا.
وواجهت “تقدم” اتهامات بالانحياز إلى قوات الدعم السريع على حساب الجيش في الحرب الدائرة بينهما منذ منتصف أبريل من العام الماضي، ما يجعلها بحاجة إلى تصحيح صورتها الذهنية قبل الإقدام على تحركات من شأنها أن توسع قاعدة التحالف.
وتضم هياكل “تقدم” عددا من السياسيين البارزين في السودان، على رأسهم رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وقطاعا من منظمات المجتمع المدني، وبعض لجان المقاومة، ومنظمات نسوية، وقوى الحرية والتغيير/ المجلس المركزي، بجانب مجموعة من الأحزاب، أبرزها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي والحزب الجمهوري وتجمّع المهنيين/ اللجنة الأولى.
وقال رئيس لجنة السياسات في حزب الأمة القومي إمام الحلو لـ”العرب” إن التنسيقية تضم شرائح سياسية مختلفة، وتمثل طيفا واسعا من المجتمع المدني على مستوى الجمعيات والمكونات النقابية المهنية، ما جعل انعقاد مؤتمرها التأسيسي في أديس أبابا “تعبيرا مصغرا عن مكونات الشعب السوداني وتطلعاته”.
وأوضح أن الفترة السابقة كانت تمهيدية، وهدفها الوصول إلى أكبر قدر من التيارات السياسية كي تكون ممثلة لمختلف فئات الشعب السوداني، وأن جميع تحركات التنسيقية خلال الفترة الماضية ستخضع للمراجعة في المؤتمر التأسيسي.
وأضاف الحلو في حديثه لـ”العرب” أن الهياكل المتفق على تشكيلها عقب انتهاء المؤتمر ستكون لها مشروعية وتمثيل حقيقي للمكونات المنضوية داخلها، بما يؤدي إلى الضغط من أجل إنهاء الحرب الحالية، وتحقيق تطلعات الشعب، مع تواجد تيار واسع من السياسيين، وهو فرصة جيدة للحوار بجدية أكبر في ظل ظروف الحرب الصعبة.
وظهرت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية عبر مبادرة من قوى سياسية ومدنية خلال مؤتمر تمهيدي عُقد في أديس أبابا خلال أكتوبر الماضي، وحددت أهدافها في وقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي في السودان.
ويتوقف نجاح “تقدم” على مدى قدرتها على جمع أكبر طيف من القوى السياسية الداعية إلى وقف الصراع العسكري، وفي تلك الحالة قد تحظى بمشروعية دولية تساعدها على أن تصبح رقمًا مهمًا في أي معادلة للتسوية السياسية، شريطة أن يأتي ذلك في إطار متماسك من ناحية الأفكار والتوجهات والتصورات، ما يضمن عدم تكرار مواقف سابقة تعرضت لها جراء عدم وجود الدعم الكافي من القوى داخلها للتحرك السياسي.
وجسدت ردود الفعل التي صاحبت إعلان نيروبي حجم المشكلات داخل “تقدم” بعد اتهام عبدالله حمدوك بالانفراد ببعض القرارات، مع أن الرجل وقع على اتفاق بصفته رئيسا سابقا للحكومة لتجنب الكثير من الالتباسات السياسية، لكن اللغط طارده.
وأبدى كل من حزب الأمة القومي والتجمع الاتحادي، وهما من أبرز الأحزاب التي تتشكل منها تنسيقية “تقدم”، تحفظا على بعض بنود إعلان نيروبي، ومن وجهة نظرهما حوى قضايا خلافية تُبحث في المؤتمر القومي الدستوري، خاصة بنود الفصل بين الدين والدولة (العلمانية) والهوية ونظام الحكم وحق تقرير المصير، والتي تحتاج إلى إجازة تشريعية بواسطة برلمان منتخب.
وشدد إمام الحلو في حديثه لـ”العرب” على أن إعلان نيروبي مبادرة فرضتها الظروف السياسية، وأن حمدوك هدف إلى إشراك بعض الحركات المسلحة في جهود التوصل إلى سلام شامل، وهذا لا يمنع وجود بعض التحفظات الإجرائية على طريقة الإعلان نفسه، وتحفظات حول مضمونه، ولذلك ظهر كأنه اتفاق بين أطراف توافقت على قضايا غير قابلة للبت فيها من قبل قوى أخرى.
وأكد رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي على أن إعلان نيروبي لن يؤدي إلى انشقاق داخل “تقدم”، ومهمة المؤتمر التأسيسي وضع الأساس لبنية المواقف الإستراتيجية للتنسيقية، ومعالجة الرؤى الخلافية، والتوافق بشأن شكل الخطاب السياسي والإعلامي، وثمة اقتناع بأن الظروف الحرجة التي يعاني منها السودان والانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الشعب تتطلب التوحد لإزالة العقبات التي تعترض مسيرته، والمحافظة على التكتل وتطويره أمران مهمان للقوى المدنية.
وتسير تنسيقية “تقدم” على جبل من الأشواك والألغام التي تتعلق باتجاه أطراف إسلامية مناوئة لوقف الحرب إلى تدشين تحالف مماثل، واستقطاب قوى كانت محسوبة في السابق على الثورة السودانية لتؤكد مشروعيتها، ما يجعل القوى المدنية لا تحظى بتأييد واسع أو ثقل دولي في ظل عدم توافقها على مبادئ محددة وتأثرها باستقطابات الحرب.
وسحبت أخطاء وقعت فيها القوى المدنية المحسوبة على تيار الثورة من رصيدها، ولذلك قد يكون المؤتمر التأسيسي لتنسيقية “تقدم” فرصة مناسبة لإعادة ترتيب الأوراق بما يضمن استعادة ثقة المواطنين في المجتمع المدني، مع أهمية كسب قطاع كبير من لجان المقاومة التي لديها حضورها الجماهيري بين المواطنين لما تقدمه لهم من مساعدات إنسانية في ولايات متعددة.