"تقدم" تتدارك خطأ مقاطعة اجتماعات أديس أبابا

الخرطوم - ذكرت مصادر مطلعة أن تنسقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” تعتزم المشاركة في الجولة الثانية من الاجتماعات التحضيرية للحوار السوداني – السوداني، المنتظر انطلاقتها الجمعة، بمقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية.
وتثير مشاركة تنسيقية “تقدم” في الاجتماعات المنتظرة تساؤلات حول دواعي هذا التغير في الموقف، حيث إن التنسيقية التي تمثل القوى المدينة في السودان كانت قاطعت الجولة الأولى التي احتضنتها أديس أبابا. وبررت التنسيقية حينها القرار بغياب الشفافية، وعدم وضوح أجندة اللقاءات، فضلا عن مشاركة عناصر محسوبة على حزب المؤتمر الوطني المنحل.
ولا يعرف ما إذا كان قرار التنسيقية بالمشاركة هذه المرة مرتبطا بوعود حصلت عليها من المفوضية الأفريقية بشأن عدم مشاركة الحزب المنحل في لعب دور بأي عملية سياسية خلال الحرب وما بعدها أم أن الأمر يعود لاقتناع قيادات “تقدم” بأنها ستكون المتضرر الأكبر من المقاطعة، وأنها تترك بذلك المجال لـ”قوى الحرب” للسيطرة على الفضاء السياسي؟
وكشف الناطق الرسمي باسم تنسيقية “تقدم” بكري الجاك في وقت سابق عن اجتماع فني سيجمع القوى السياسية التي قاطعت الاجتماع التحضيري في العاشر من أغسطس الجاري لتقديم مقترح لتصميم العملية السياسية.
وقال الجاك في تصريحات لـ”راديو دبنقا” السوداني “اقترحنا على الاتحاد الأفريقي اجتماعا فنيا يشمل مكونات ‘تقدم’ والقوى المقاطعة، فضلا عن القوى السياسية الأخرى التي لم تشارك في الاجتماع التحضيري وتدعم وقف الحرب". ولفت إلى أن الاجتماع يأتي بغرض الاتفاق على تصميم الرؤية السياسية لتحقيق السلام، وسينعقد في العاشر من أغسطس لتصحيح مسار العملية السياسية.
وأشار المتحدث إلى أن التنسيقية انخرطت في اجتماعات مع الاتحاد الأفريقي الأسابيع الماضية لمعالجة "الربكة" التي بدأت بها العملية السياسية باجتماع تحضيري لم يتم بالتشاور، وجمع قوى تؤيد استمرار الحرب ومتصالحة ومتسامحة مع حكومة الأمر الواقع في بورتسودان.
وكشف الناطق الرسمي لـ"تقدم" عن أن الاتحاد الأفريقي اقترح عليهم عقد اجتماع مماثل للقوى التي قاطعت الاجتماع التحضيري، وأن تشكل لجنة من الطرفين لمراجعة الرؤى، وقال “رفضنا هذا المقترح وهو منهج خاطئ يمنح القوى التي شاركت في الاجتماع التحضيري شرعية ويقر بتصوراتها لحل الأزمة".
وأضاف أن القوى التي شاركت في المؤتمر التحضيري خرجت ببيان ختامي لا علاقة له بعملية السلام مثل تشكيل حكومة وفك تجميد الاتحاد الأفريقي لعضوية السودان وإدانة قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات وكأنها الطرف الوحيد الذي يقاتل في هذه الحرب.
وتابع الجاك “صحيح أن قوات الدعم السريع مدانة بالنسبة لنا بارتكاب تجاوزات ولكن أيضا الجيش ارتكب انتهاكات، وعليه فإن هذه المخرجات لا يمكن التأمين عليها ولن نقبل بأن تكون هذه القوى موازية بالنسبة لنا".
وكانت القوى الحاضرة في الجولة السابقة اتفقت أيضا على أن الحوار السوداني – السوداني سيكون شاملا، ولا يستثني أحدا إلا من صدرت ضده تهم أو أحكام متعلقة بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين وفقا للقانون أو الوثيقة الدستورية، ما يعني فسح المجال لأعضاء المؤتمر المنحل للمشاركة، باستثناء أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية.
وقال المحلل السوداني عادل حمد إن مقاطعة “تقدم” السابقة لاجتماعات أديس أبابا كانت خاطئة، وأن الحضور هذه المرة هو تصحيح لخطأ أكثر منه مؤشرا للحصول على ضمانات معينة من الاتحاد الأفريقي أو تطمينات من أي جهة أخرى، فمن مهام تنسيقية تقدم توسيع القواسم المشتركة بين القوى المدنية الوطنية، فإذا كانت هناك وجوه مستفزة في حزب المؤتمر الوطني المنحل فهناك أيضا شخصيات معتدلة يمكن التفاهم معها على أرضية غير عقائدية.
وأضاف حمد في تصريحات لـ“العرب” أن على “تقدم” البناء على الانفتاح الذي أظهرته في مؤتمر القاهرة الشهر الماضي، لأنه سيمكنها من توسيع دائرة تحالفاتها لا بحصرها في أنها تعيد تكرار نموذج تحالف الحرية والتغيير قبل اندلاع الحرب، وعليها تحاشي ما وقع فيه ذلك التحالف من أخطاء ليكون لها دور مؤثر في توقيت يمكن أن يشهد انفراجة سياسية مع التحركات التي تقوم بها جهات إقليمية ودولية مختلفة.
◙ "قدم" مطالبة بالبناء على الانفتاح الذي أظهرته في مؤتمر القاهرة لأنه سيمكنها من توسيع دائرة تحالفاتها لا بحصرها في أنها تعيد تكرار نموذج تحالف الحرية والتغيير
وأكد أن ليس من مصلحة “تقدم” زيادة عملية الإقصاء لأنها مضرة باللحمة الوطنية، وعليها المشاركة في أي مبادرة يمكن أن تؤدي إلى وقف الحرب ومناقشة المستقبل السياسي للسودان، ولتأكيد الجدية الكاملة فإنه من الضروري الاستماع للأطراف المتباينة، لأن المقاطعة والإقصاء والاختيار وفقا للأمزجة السياسية عملية غير ديمقراطية يجب النأي عنها، لأن السودان بحاجة إلى تضافر الجهود الوطنية، ولا مجال الآن لتصفية الحسابات بين القوى التي تؤمن بمدنية الدولة ووضع ضوابط للحفاظ عليها.
وإلى جانب تنسيقية “تقدم”، كانت قوى سودانية أخرى قاطعت الجولة الماضية من اجتماعات أديس أبابا بينها حركة تحرير السودان عبدالواحد، والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث الاشتراكي، والحزب الاتحادي الأصيل بقيادة الحسن الميرغني. ويرى مراقبون أن المقاطعة لا تخدم الجهود الرامية إلى إحلال السلام في السودان، وأنها تصب في صالح دعاة الحرب، الذين يريدون تسوية على مقاسهم وتخدم أجنداتهم في وضع اليد على السلطة في السودان.
ويشير المراقبون إلى أن الجولة الماضية كانت مخيبة للآمال، وتعكس تخبطا في إدارة الاتحاد الأفريقي للملف السوداني، لكن مع ذلك فإن الأفضل هو حضور القوى الداعية إلى إنهاء الحرب وفرض رؤيتها للتسوية. وتترافق الجهود الأفريقية لجمع القوى السياسية السودانية مع تحركات أميركية حثيثة لعقد مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع في جنيف في الرابع عشر من أغسطس الجاري.
ورغم أن الجيش لا يزال يرفض حتى الآن الاستجابة لجهود التفاوض، لكن مراقبين يرون أن إمكانية حدوث اجتماعات في جنيف واردة، وأن قيادة الجيش تدرك أنه ليس من صالحها الظهور في ثوب الرافض للسلام.
وأكد المبعوث الأميركي توم بيريلو خلال لقاء مع الصحافيين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الجمعة الماضية، على أهمية التنسيق مع الاتحاد الأفريقي بشأن عملية الحوار والعمل بشكل وثيق عليها ودعم اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي المكلفة بتنسيقها. وشدد بيريلو على أن الحوار يجب أن يكون بقيادة سودانية.