تقاعس لبنان يمُد التشاؤم الاقتصادي إلى العام المقبل

ترتسم على آفاق الاقتصاد اللبناني المنهار خلال 2023 الكثير من الغيوم القاتمة بسبب تقاعس المسؤولين في القيام بالإصلاحات المطلوبة لمعالجة الخراب، كون هذا التراخي يغذي الأخطار المحيطة أصلا بالوضع المالي ويحطم القدرة الشرائية للناس بشكل تامّ.
بيروت - تنتظر لبنان المرهق ماليا استحقاقات اقتصادية كثيرة في العام المقبل، على وقع المزيد من التضخم، فيما يتطلع مسؤولوه نحو خطة تعاف وبرنامج مع صندوق النقد الدولي يخرجان البلاد من الأزمة.
ووفق خبراء، بلغت نسبة التضخم في البلاد أكثر من 1400 في المئة منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، بينما لا تزال الليرة تسجل هبوطاً قياسياً مقابل الدولار.
وفي مقابل هذا التدهور تسعى الحكومة الى إطلاق خطة “التعافي الاقتصادي”، من خلال إجراءات وتشريعات مالية تهدف إلى تعزيز النمو وتخفيض العجز في البلد الذي يستورد 80 في المئة من حاجاته.
ويعاني البلد من محنة صنفها البنك الدولي واحدة من بين أشد ثلاث أزمات عرفها العالم منذ عام 1850، وأدت إلى تدهور معيشي ومالي غير مسبوقين، وجعلت نحو 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، بحسب تقارير رسمية.
وقال وزير المال يوسف الخليل إن “العنوان الاقتصادي العريض للعام المقبل سيكون توحيد سعر صرف الدولار وتنفيذ إصلاحات هيكلية أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي ولجم تدهور قيمة العملة المحلية”.
وأشار لوكالة الأناضول إلى أن ميزانية 2023 المرتقبة “سترتكز على الخطة التي تبنّتها الحكومة: خطة التعافي والإصلاح الاقتصادي والمالي”.
ووفقاً للوزير، فإن “تعزيز الإيرادات يبقى المحور الأهم لاستعادة القدرة التمويلية للدولة، وإعادة الإنتاجية للمؤسسات الحكومية وتأمين الخدمات العامة، مع إيلاء أهمية للشأن الاجتماعي” في ظل تدهور الوضع المعيشي.
ولفت إلى أن “مسار التعافي الاقتصادي على المدى القريب يبدأ مع تنفيذ بنود ميزانية 2022 التي تُستكمل في مشروع ميزانية 2023، على أن يكون ذلك ضمن مسار الخطة الحكومية، ومعه استعادة ثقة المجتمعيْن العربي والدولي”.
وجزء كبير من التدابير الحكومية المرتقبة يعد من أبرز شروط صندوق النقد الدولي، الذي يطالب لبنان بإصلاحات اقتصادية ومالية لقاء تقديم قرض بقيمة ثلاث مليارات دولار لمدة أربع سنوات.
ومن أبرز الإصلاحات إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي، وإصلاح المؤسسات الحكومية لاسيما قطاع الطاقة، وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد والمساءلة.
وفي أبريل الماضي توصل الطرفان إلى اتفاق، لكن الصندوق أعلن بعد خمسة أشهر أن التقدم في تنفيذ الإصلاحات يسير ببطء شديد.
ومن المقرر أن يعدل لبنان في فبراير المقبل لأول مرة منذ ثلاثة عقود سعر الصرف الرسمي للدولار، بمضاعفته عشر مرات إلى 15 ألف ليرة.
ومنذ 1992 حافظت الليرة على قيمتها مقابل الدولار، بفعل سياسة تثبيت سعر الصرف، إلى أن وقعت الأزمة قبل ثلاث سنوات، ما أدى إلى خلق سوق موازية لتداول الدولار.
ومن بين الشروط الإصلاحية المطلوبة من صندوق النقد توحيد سعر صرف الدولار، نظراً إلى وجود 3 أسعار للصرف، وهي السعر الرسمي ومنصة صيرفة والسوق الموازية.
ووصل سعر الدولار في السوق الموازية مؤخرا إلى 45 ألف ليرة، فيما بلغ على منصة صيرفة التابعة للبنك المركزي نحو 31 ألف ليرة.
أبرز التحديات:
- تعزيز الإيرادات
- المفاوضات مع صندوق النقد
- تعديل سعر صرف الدولار
- ارتفاع إضافي في أسعار السلع
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي
- زيادة أسعار الكهرباء
- بدء التنقيب عن الغاز
ويُخشى أن يكون 2023 عاما إضافيا من التضخم والغلاء في البلاد على غرار هذا العام، إذ توقع البنك الدولي أن يبلغ متوسط التضخم 186 في المئة، وهو من بين أعلى المعدلات عالميا. وسيدفع الوضع القائم إلى المزيد من ارتفاع أسعار الخبز والوقود والسلع الغذائية.
كما يتوقع خبراء أن يُسهم تعديل سعر الدولار الجمركي من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة، وارتفاع أسعار سلع إضافية، في احتداد المعاناة المعيشية للناس.
وفي سبتمبر الماضي صادق البرلمان على ميزانية هذا العام التي تضمنت تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، الذي على أساسه تحتسب قيمة الرسوم والضرائب.
وتماشيا مع الإجراءات الإصلاحية وشروط صندوق النقد، من المرتقب أن تحيل الحكومة مشروع الميزانية إلى البرلمان بهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بعدما أنجزت المسودات الخاصة بذلك.
ويرتكز “مشروع إعادة التوازن للنظام المالي” على تحديد الفجوة المالية للنظام المصرفي وتداعياتها على المودعين، كما يهدف إلى إعادة الثقة وضمان حقوق المودعين.
ووفقا للمحللين، قد يؤدي المشروع إلى انخفاض أعداد البنوك التي يبلغ عددها 60 بنكا، نظراً إلى أن بعضها سيتم تصفيته أو دمجه في مصارف أخرى.
وتفرض البنوك منذ تفجر الأزمة في منتصف أكتوبر 2019 قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، كما تفرض سقوفا قاسية على سحب الأموال بالليرة.
وفي نوفمبر الماضي دعا البنك الدولي إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي “بشكل منصف”، وإلى “توزيع الخسائر المالية بصورة أكثر عدلا للمساعدة في وضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي”.
وبلغ حجم الخسائر المالية نحو 69 مليار دولار، بحسب تصريحات سابقة لنائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي أشار إلى أن هذه الخسائر تتحملها الدولة والبنك المركزي والمصارف والمودعون.
من المقرر أن يعدل لبنان في فبراير المقبل لأول مرة منذ ثلاثة عقود سعر الصرف الرسمي للدولار، بمضاعفته عشر مرات إلى 15 ألف ليرة
وفي خضم ذلك لا يزال لبنان يعاني من شح حاد في توفير الطاقة جراء عدم توفر النقد الأجنبي لاستيراد الوقود المخصص لتوليد الكهرباء، مما يدفع اللبنانيين إلى الاستعانة بمولدات خاصة لتوفير الإمدادات.
وعلى وقع تراجع احتياطي العملات الأجنبية لدى المركزي أدى شح وقود الفيول منذ نحو عام ونصف العام إلى توقف معظم محطات توليد الطاقة الحكومية، ما يترتب عليه انقطاع التيار الكهربائي عن المؤسسات والمنازل لساعات طويلة يوميا.
وفي محاولة للحد من هذه الأزمة، ستبدأ مؤسسة الكهرباء الحكومية في مطلع العام المقبل بتطبيق قرار يقضي بزيادة تعرفة الفواتير من 0.5 سنت للكيلوواط الواحد إلى أكثر من 20 سنتا، سعياً لتأمين الأموال اللازمة لاستيراد الوقود.
وفي خضم كل ذلك يتطلع لبنان إلى ثروته الطبيعية من النفط والغاز كعامل مهم للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل في أكتوبر الماضي.
وخاض الطرفان مفاوضات غير مباشرة استمرت عامين بوساطة أميركية ورعاية أممية بشأن منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا.
وفي منتصف ديسمبر الجاري أكدت شركة توتال الفرنسية التزامها بالتنقيب عن الغاز في لبنان بحلول العام المقبل في منطقة الاستكشاف رقم 9 بناء على العقد الموقع مع لبنان.
لكن البنك الدولي ذكر في أحدث تقرير له صدر في نوفمبر الماضي أن الإيرادات المحتملة للبنان من النفط والغاز لا تزال غير مؤكدة، ويستغرق تحقيقها سنوات.
وسجل لبنان خلال العام الجاري نمواً محدوداً بنسبة اثنين في المئة بعد انكماش قاس جراء الانهيار الاقتصادي المتواصل، بلغ العام الماضي سالب 10.9 في المئة وسالب 25.9 في المئة في العام السابق له.