تقاعس لبنان يغذي مخاطر تحطّم القطاع المالي

بيروت - وجه البنك الدولي انتقادات ممزوجة بالتحذير إلى السلطات اللبنانية بسبب تقاعسها في القيام بالإصلاحات المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد المتداعي، كون هذا التراخي يغذي مخاطر تحطم القطاع المالي الذي يعاني من أزمة حادة منذ ثلاث سنوات.
وأكد المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك جان كريستوف كاريه في مدونة المؤسسة المالية الدولية على منصتها الإلكترونية أن “لبنان بحاجة إلى حل منصف وشامل وعاجل يعيد استقرار القطاع المالي ويضع الاقتصاد على مسار التعافي”.
وجاء تصريح كاريه مع إصدار البنك تقريرا أعده “مرصد الاقتصاد اللبناني” لخريف 2022 بعنوان “حان الوقت لإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو منصف”.
وتشكل إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي أحد البنود الإصلاحية الملحة ببلد حل عام 2019 على مؤشر البنك في المرتبة الثانية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لناحية عدد الفروع المصرفية لكل مئة ألف شخص.
وتوقف القطاع المصرفي الذي فَرض بشكل غير رسمي قيودا صارمة على حركة رأس المال عن تقديم القروض أو اجتذاب الودائع.
ولكن مع ذلك يواصل عمله في نظام سداد مُجزَّأ يُميِّز بين الودائع الدولارية الأقدم قبل أكتوبر 2019، والحد الأدنى للتدفقات الوافدة من الدولارات الجديدة.
ويتعرض أصحاب الودائع الدولارية القديمة لانخفاض حاد في قيمة ودائعهم من خلال عمليات “الليرنة” والاقتطاعات القسرية الفعلية من الديون التي تصل إلى 85 في المئة على الودائع من العملة الأميركية.
وتُعد أعباء الإجراءات الجارية للضبط المالي وخفض المديونية ذات طبيعة تنازلية للغاية، حيث تؤثر على صغار المودعين ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة بدرجة أكبر.
ويؤدي تراجع متوسط الدخل، مقترنا بمعدل تضخم من ثلاث خانات وانخفاض حاد في قيمة العملة المحلية التي فقدت أكثر من 145 في المئة من قيمتها في أول عشرة أشهر من 2022، إلى تقلص شديد في القوة الشرائية مع تضخم يبلغ 186 في المئة.
وذكر التقرير أنه مع زيادة الخسائر عن 72 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، فإن تحرير القطاع المالي بات غير قابل للتطبيق نظرا إلى عدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك.
وأوضح معدو التقرير أن أصول الدولة لا تساوي سوى جزء بسيط من الخسائر المالية المقدَرة، كما لا تزال إيرادات البلد المحتملة من النفط والغاز غير مؤكدة ويحتاج تحقيقها سنوات.
ورأوا أن أي عملية إعادة هيكلة للقطاع المالي يجب أن “تعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة لضمان حماية دافعي الضرائب وصغار المودعين الذين تحملوا حتى الآن وطأة هذه الأزمة”.
وحثوا لبنان على الاعتراف بالخسائر الكبيرة ومعالجتها بشكل مسبق، واحترام ترتيب المطالبات، وحماية صغار المودعين، والامتناع عن اللجوء إلى الموارد العامة.
وقال كاريه إن “عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو قد يتعذر إصلاحه”.
وأشار إلى أنه “بعد مرور أكثر من 3 سنوات على نشوب أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان، لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية الرئيسية حول كيفية توزيع الخسائر المالية يمثل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بشأن خطة إصلاح شاملة”.
◙ البنك الدولي رصد في تقريره أن الاقتصاد اللبناني مستمر في الانكماش لكن بوتيرة أبطأ إلى حد ما بنسبة ستبلغ 5.4 في المئة هذا العام
ورصد البنك الدولي في تقريره أن الاقتصاد اللبناني مستمر في الانكماش لكن بوتيرة أبطأ إلى حد ما بنسبة ستبلغ 5.4 في المئة هذا العام.
وتم تعديل تقديرات انكماش الاقتصاد في 2021 إلى سبعة في المئة من تقدير سابق بلغ 10.4 في المئة لكن تقديره لانكماش عام 2020 ظل كما هو عند 21.4 في المئة.
وقال رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن البلاد “لا يزال بمقدورها أن تبرم اتفاقا مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج قيمته ثلاثة مليارات دولار عبر البرلمان”.
لكن البنك الدولي أكد أن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لا يبدو مرجحا بعد نحو سبعة أشهر من توصل بيروت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع الصندوق.
وقال “يظل التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي بعيد المنال”. وأضاف “نلحظ برلمانا منقسما ومعه فراغ حكومي ورئاسي بما يضفي المزيد من الشك في القدرة على استكمال خطوات سابقة والتوصل إلى اتفاق نهائي في الأشهر القليلة المقبلة”.