تقاسم الأدوار يسهل على الإخوة رعاية آبائهم المسنين

يؤكد خبراء العلاقات الأسرية وعلماء الاجتماع أن تقاسم الأدوار بين الإخوة يسهل عليهم رعاية آبائهم المسنين. كما أن الاتفاق المسبق بينهم حول مسائل الرعاية والإقامة والزيارة وتوضيحها يجنبهم الخلافات ولا يثقل كاهل أحدهم مهما كان ترتيبه في العائلة. ويشير الفقهاء إلى أن خدمة الوالدين واجبة على أولادهما الذكور والإناث معاً.
بيروت - يحمل التقدّم في السن معه ضعف البصر والسمع وتراجع القدرة على النهوض والمشي، والأسوأ من كلّ ذلك المعاناة من فقدان القدرات العقلية، والإصابة بمرض الزهايمر. وغالبا ما تقع مسؤولية رعاية الوالدين المسنين على عاتق أحد أولادهما الذي قد يشعر بصعوبة هذه المهمّة، لاسيّما إذا كان عليه في المقابل إهمال أفراد أُسرته واحتياجاتهم وأهدافهم الشخصية.
كما تعتبر رعاية الشخص المسن من بين إحدى أهم مسؤوليات الأبناء، ولأنها تتطلب بذل الجهد والوقت فإنها قد تتحول إلى مصدر للخلافات والنقاشات الحادة بين الأشقاء خاصة في الحالات التي يحاول فيها بعضهم التهرب من مسؤولياته تجاه الأب أو الأم المسنة.
ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أن الاتفاق المسبق بين الإخوة حول مسائل الرعاية والإقامة والزيارة وتوضيحها من خلال اللقاءات العائلية التي تناقش في هدوء، يساهم في تجنب الخلافات بينهم وعدم تحميل المسؤولية لأحدهم مهما كان ترتيبه في العائلة.
كما أن هذه الطريقة لا تشعر المسن سواء كان الأم أو الأب بأنه صار عبئا ثقيلا على أولاده، وهو ما يمكن أن تنجر عنه العديد من المتاعب النفسية بسبب الشعور بالعجز والضعف أو الخوف من المستقبل ومن إهمال أبنائه له. ويجد اليوم العديد من الآباء والأمهات المسنين أنفسهم في منظمات ومؤسسات رعاية المسنين بسبب الخلافات بين الأشقاء حول تحمل مسؤولية رعايتهم.
الاتفاق المسبق بين الإخوة حول مسائل الرعاية والإقامة والزيارة وتوضيحها من خلال اللقاءات العائلية يجنبهم الوقوع في الخلافات
وبغضّ النظر عن التسميات التي تطلق على مثل هذه المؤسّسات، فإنّ التعبير عن الدور الذي تؤدّيه وهو رعاية المسنّ بعد خروجه من بيئته الطبيعيّة وهي الأسرة إلى بيئةٍ أخرى، له آثار نفسيّةٌ سلبيّةٌ يصعب علاجها أو التخفيف منها.
ومن المشكلات التي ترافق إلحاق الوالدَين بدُور الرعاية أنّ البُعد الماديّ يؤدّي بالضرورة إلى الانفصال العاطفيّ، وبالتالي ثمّة فرقٌ كبيرٌ بين إحساس الإنسان بحاجة والدَيه إليه عندما يكونان في بيته، وبين إحساسه بوجود من يتولّى أمرهما في دارٍ بعيدةٍ عن داره.
ويشير علماء الدين إلى أن البرّ والإحسان لا يتحقّقان بهذا الأسلوب من الرعاية، وبالتالي لا يكون الولد قد أدّى واجب البرّ والإحسان لوالدَيه في أكثر حالات الاستعانة بدُور الرعاية الخاصّة. وقال الشيخ محمد حسن زراقط مدير مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي إن خدمة الوالدين واجبة على أولادهما الذكور والإناث معاً، وبالتالي فإذا لم يوجد لهذين الوالدين إلا ابن متزوج وبنت متزوجة، فالواجب على الابن والبنت رعاية والديهما وخدمتهما مباشرة أو عن طريق شخص ثالث.
وعندما يصل الوالدان إلى سن الشيخوخة ويصبحان غير مستقلين تماما، فمن السهل تحويل قضاء كل احتياجاتهما إلى عادة. وحتى يسهل على الإخوة رعايتهما دون عناء يجب أن يضعوا مسبقا مع والديهما خطة حول الاهتمام بهما في المستقبل، وسوف يسهل ذلك على الجميع مهمة الرعاية. كما يجب على الأبناء التحقق من التغطية الصحية لدى آبائهم، والتعرف على الأطباء الذين يعالجونهم والأدوية التي يأخذونها. كما عليهم عدم نسيان أن نظام التغذية والتدريب البدني الصحي هو جزء أساسي من التخطيط لوالديهم. وطالما بقوا نشطين فإنهم بذلك يحسنون صحتهم واستقلاليتهم ويطيلون أعمارهم.
ولتجنب المناوشات العاطفية أو التافهة التي تحصل بين الإخوة جراء مسؤولية رعاية والديهم، من الجيد إشراك الجميع قدر المستطاع من البداية، وهو ما يمكن فعله بتنظيم لقاءات أسرية لبحث المسألة.
وفي دراسة أجرتها أُستاذتان من جامعة ولاية نيويورك، هما أُستاذة الصحّة العامّة ماري غلانت وعالمة الاجتماع غلينزا سبيتز، حاولتا فيها معرفة ما يبحث عنه الأهل المسنون في علاقتهم مع أبنائهم، عبّر المشاركون عن رغبة قوية في المحافظة على الاستقلالية في موازاة التواصل الجيِّد مع أبنائهم.
وفي هذه اللقاءات يمكن أن يحدد الأشقاء قواعد واضحة بشأن المهام المحددة لكل شخص، ومتى سيأتي الجميع في زيارة ومتى ستتم إراحة الشخص الواقع عليه العبء الأكبر.
وحتى أفراد الأسرة الذين يعيشون بعيدا يمكن أن يشاركوا، حيث يقدمون المساعدة بأي شيء يمكن ترتيبه عبر الهاتف أو كتابة على سبيل المثال.
وسوف تسير الأوضاع بشكل جيد إذا ما تعاون الجميع، طالما أن هذا ممكن. ومن المهم أيضا ألا يجعل الجميع بعضهم البعض يشعرون بالذنب ويجب عليهم تقبل أن وضع الأقارب المتقدمين في العمر أمر صعب على كل الأشخاص المشاركين في الرعاية.
وتعتبر رعاية الشخص المسن من بين إحدى أهم مسؤوليات الأبناء، ولأنها تتطلب بذل الجهد والوقت فإنها قد تتحول إلى مصدر للخلافات والنقاشات الحادة بين الأشقاء خاصة في الحالات التي يحاول فيها بعضهم التهرب من مسؤولياته تجاه الأب أو الأم المسنة.
وإلى جانب الصعوبة الجسدية التي يعانيها الأبناء في رعاية آبائهم، فإن صورة أهلهم بالنسبة إليهم قد تتغير. فالشخص الذي كان قوياً في يوم من الأيّام أصبح ضعيفاً، ومَن كان يقدم الرعاية تحوّل اليوم إلى محتاج إليها، والحامي أصبح ضعيفاً، ومَن كان يتحرّك باستقلالية يحتاج الآن إلى المساعدة في المنزل.
وكلّ ذلك يدفع الأبناء إلى اختبار مشاعر مختلفة ومحيّرة، وقد عددت مود بورسيل، وهي معالجة نفسية ومديرة تنفيذية لمركز الحلول الحياتية بولاية كونيتيكت الأميركية، في قائمة المشاعر التي يحتمل أن يتعرّض لها الأبناء وهم يواجهون تراجع قدرات والديهم وتدهور صحّتهم، ومن أبرزها الخوف، عند الإدراك أنّه لا يمكن للأهل الاعتماد على أنفُسهم بشكل كامل، وأنّهم بحاجة الآن إلى المساعدة. والحزن، لأنّ قدرة الوالدين على التحرّك بشكل مستقل قد تراجعت فجأة أو تدريجياً. والغضب والإحباط ونفاد الصبر عندما تتداخل احتياجات أحد الوالدين مع حياة الأبناء الخاصّة. والشعور بالذنب، بسبب عدم القدرة على قضاء وقت كاف مع الأهل الذين هم بحاجة إلى المساعدة بسبب بُعد المسافة أو مطالب الحياة الأُخرى.