تفكيك منصات البشير الإعلامية يؤسس لمنظومة جديدة

تشهد الساحة الإعلامية السودانية جملة من التغييرات تستهدف تفكيك بنية نظام الرئيس عمر حسن البشير البائد، بعد أن أضحت سيطرة أذرع جماعة الإخوان على عدد من وسائل الإعلام تمثل شوكة في ظهر الإصلاحات التي تجري في قطاعات ثقافية وإعلامية، وتعرقل عمل الحكومة الانتقالية.
الخرطوم - حظرت الحكومة السودانية صحيفتين عن الصدور ومنعت محطتين تلفزيونيتين من البث باعتبار أن هذه المؤسسات كانت تتلقى تمويلا من نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أطيح به في أبريل من العام الماضي.
وأعلنت لجنة تفكيك نظام البشير وإزالة التمكين، الحجز على أصول وحسابات قناة الشروق الفضائية، وشركة الأندلس التي تبث منها شبكة طيبة، وشركة الرأي العام التي تصدر عنها صحيفة الرأي العام وصحيفة السوداني.
وتؤول أموال تلك المؤسسات إلى وزارة المالية، وتحفظت قوات الشرطة على مقار الصحيفتين الشروق وطيبة. وجاءت الإجراءات بعد أيام من قيام فيصل محمد صالح، وزير الإعلام والثقافة، بإصدار قرار وقف بث قنوات طيبة الفضائية لعدم حصولها على تصاريح قانونية من السلطات الرسمية.
وتعرضت لجنة التفكيك لمعارضة حزب “المؤتمر الشعبي” الذي أسسه الراحل حسن الترابي، الأربعاء، مشبها قرار المصادرة بتأميم الصحافة في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري. ويتوقع العديد من الإعلاميين أن تلعب تركيا نفس الدور في السودان كما فعلت بدعم إعلام تنظيم الإخوان في مصر، حيث سارعت بإنشاء محطات فضائية في أنقرة ضمت الصحافيين المنتمين للتنظيم.
وترددت معلومات في السودان عن أن تركيا منحت شبكة طيبة الفضائية، المملوكة للإخواني عبدالحي يوسف، حق البث مرة أخرى من إسطنبول.
تركيا منحت شبكة طيبة الفضائية المملوكة للإخواني عبدالحي يوسف، حق البث مرة أخرى من إسطنبول
ويرى بعض الخبراء أن هذه التطورات ستغير موازين القوى المسيطرة على الإعلام، لأن شركة الأندلس ومجموعة قنوات طيبة تعد الأكثر حضوراً، ويصل عددها إلى 10 قنوات، بعضها يبث باللغات الأفريقية المحلية، وعملت دوما على الترويج لنظام البشير في الداخل والخارج، إلى جانب أن صحيفة السوداني المملوكة لرجل الأعمال والقيادي في حزب البشير، جمال الوالي، من أبرز الصحف التي تعادي النظام الجديد.
وفي عهد البشير أنشأ جهاز الأمن الوطني والمخابرات العديد من المؤسسات الإعلامية، وجرى توظيف المئات من الموالين والمحسوبين على الحركة الإسلامية في السودان في القنوات والصحف، ما حوّلها إلى منصات ترويجية للبشير، وفق سياسية تحريرية تعبوية. ولم تتوقف مطالبات قطاع كبير من الإعلاميين عن سرعة تفكيك سيطرة عناصر الإخوان على المؤسسات الإعلامية، كواحد من أهم بنود واستحقاقات الوثيقة الدستورية، عقب عمل تلك المؤسسات على تأليب المواطنين ضد الحكومة.
وقال الإعلامي السوداني محمد شمس الدين إن قرارات تفكيك المنظومة الإعلامية كانت منتظرة منذ فترة، وصدورها حاليا مسألة مهمة، بسبب الدعم المستمر الذي تقدمه لعناصر النظام البائد،ولقي القرار ارتياحا كبيرا في الأوساط الشعبية التي تبحث عمن يتحدث بلسان الثورة في الإعلام.
وأضاف شمس الدين في تصريح لـ”العرب”، أن هذه القنوات تخاطب بالأساس المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، وليس لديها نسبة مشاهدة كبيرة بين المواطنين المناوئين للتنظيمات الإسلامية، ما انعكس على خطابها أخيرا، حيث حاولت زرع الفتنة بين المواطنين من خلال الترويج لكل ما من شأنه زعزعة ثقتهم في الحكومة.
وتخضع القنوات الحكومية، وعلى رأسها التلفزيون السوداني، وقنوات الولايات المختلفة لسيطرة السلطة الانتقالية حاليا، فيما يسيطر رجال أعمال تابعون لتنظيم الإخوان وقيادات أمنية على عدة فضائيات خاصة، في وقت يهيمن فيه بعض رجال الأعمال غير المحسوبين بصورة مباشرة على نظام البشير على قنوات أخرى، لكنهم أيضاً يجري تصنفيهم كتابعين للنظام السابق، لأن تلك القنوات لم تكن لترى النور من دون موافقة الأجهزة القيادية التابعة لحزب المؤتمرالوطني.
ويواجه الإعلام السوداني أزمة أخرى ترتبط بأيديولوجيات ومواقف العاملين في المجال الإعلامي لأن الولاء لتنظيم الإخوان كان بمثابة صك الدخول للعمل في الصحف والقنوات الحكومية والخاصة، ولعل ذلك ما تنبهت إليه وزارة الإعلام، وشكلت لجنة لحفظ ملفات العاملين بالوحدات والأقسام الإدارية بالتلفزيون وحصرها وترتيبها وتصنيفها وإخضاعها للمراجعة.
وأصدر وكيل أول وزارة الثقافة والإعلام الرشيد سعيد يعقوب قراراً بتشكيل لجنة تفعيل قانون “تفكيك نظام الإنقاذ” وإزالة التمكين بوزارة الإعلام، ومهمتها رفع توصياتها للجهة المختصة بإنهاء خدمة كل شخص في الوزارة والوحدات التابعة لها حصل على الوظيفة بسبب استخدام النفوذ أو أيّ شخص آخر ترى اللجنة أن الوظيفة العامة أو الخاصة التي يشغلها أنشئت لأغراض التمكين بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويعد هذا القرار بمثابة ثورة على الأوضاع الراكدة في الإعلام الحكومي، وبدا واضحاَ أن القرارات التي اتخذها وزير الإعلام فيصل محمد صالح، على مستوى التلفزيون وطالت مديري البرامج وعددا من الإدارات الكبرى لم تكن كافية للتخلص من إرث الإخوان الثقيل في الإعلام.
وأنهت وزارة الإعلام، الاثنين، تكليف مدير التلفزيون إبراهيم البزعي، وعينت وكيل أول وزارة الإعلام الرشيد سعيد مديرا بشكل مؤقت لإدارة التلفزيون الحكومي لفترة شهر، ما يبرهن على أن هناك صعوبات في تعامل القيادات العليا مع الخلايا النائمة، وفي الوقت ذاته الإقدام على تحركات تجري بشكل أسرع في دواليب السلطة الانتقالية لربح معركة الإعلام في وقت مبكر والتفرغ للأزمات الصعبة التي يعاني منها المواطنون.
وأكدت الصحافية السودانية رابعة أبوحنة أن ثمة تأييدا واسعا لتحركات السلطة في حقل الإعلام، غير أن القلق يكمن في مستقبل العاملين في هذا المجال، وأن تركيز المجتمع المدني في الوقت الحالي ينصبّ على دعم حقوق هؤلاء واستمرارية من يثبت عدم تعامله مع النظام البائد أو تطويع هؤلاء الصحافيين لصالح السياسيات الإعلامية الجديدة.
وأوضحت لـ”العرب” أن الحكومة عليها استغلال شعبية بعض قنوات الإخوان من خلال تغيير سياستها التحريرية وعدم غلقها بشكل عام، وسرعة إنشاء قنوات وصحف جديدة تسير على خط الثورة، ما يؤدي لتقلص ارتباط المشاهدين بالإعلام الخارجي الداعم لمؤيدي البشير.
وتوقع العديد من الإعلاميين أن تشهد الفترة المقبلة صدور قرارات مماثلة بشأن الصحف والقنوات التي مازالت تدعم الإخوان في السودان، على أن يلحق بها الإعلان عن استراتيجية وطنية تسمح بحرية أكبر للصحافيين والإعلاميين وتغير من ثقافة الأجهزة الأمنية التي مازالت مسيطرة على فئة كبيرة من العاملين في الحقل الإعلامي.