تفكيك شبكة تخريبية تابعة لحزب العمال الكردستاني يرفع عن بغداد وأربيل حرج التعاون مع أنقرة ضد الحزب

“ثبوت” تورّط حزب العمال الكردستاني في أعمال تخريبية داخل الأراضي العراقية لا يعني فقط توفير المبررات لتوسيع العمليات العسكرية التركية بشمال العراق، ولكن أيضا تمهيد الأرضية أمام السلطات العراقية للتعاون مع نظيرتها التركية في مواجهة الحزب، في وقت تسعى فيه بغداد للمزيد من التعاون الاقتصادي مع أنقرة وللتوصل معها إلى حل لمعضلة المياه.
بغداد - جاء إعلان السلطات العراقية عن توقيف شبكة تابعة لحزب العمال الكردستاني متورطة في إشعال سلسلة من الحرائق في إقليم كردستان العراق وتخطط لإشعال أخرى في بغداد ولاستهداف خط لنقل النفط، متوافقا تماما مع المنظور التركي للحزب الذي تقول أنقرة إنّ خطره لا يقتصر على تركيا وحدها، وإنما يشمل العراق الذي يوجد مقاتلو الحزب على أراضيه، وتدعو بغداد تبعا لذلك إلى التعاون معها إلى أبعد حدّ في مواجهتها العسكرية ضدّه.
وبدأت القوات التركية منذ أيام حملة عسكرية في مناطق تواجد مقاتلي حزب العمل الكردستاني في الشمال العراقي توصف بأنها الأعنف والأوسع نطاقا، ويتوقّع أنها جاءت تنفيذا لوعود رأس هرم السلطة التركية بحسم الحرب ضدّ الحزب في أمد منظور.
وأثارت الحملة احتجاجات العديد من الشخصيات والقوى السياسية التي وجّهت انتقادات لاذعة للحكومة العراقية ولحكومة إقليم كردستان العراق بسبب صمتهما عمّا تعتبره تلك الشخصيات والقوى انتهاكا تركيا لسيادة العراق وحرمة أراضيه.
وجاء توقيف عناصر الشبكة المذكورة ليخفف الضغوط عن الحكومتين الاتحادية والمحلية وليوفّر ذريعة لأيّ تعاون محتمل مع تركيا في حربها ضد الحزب.
وسُجّل خلال الفترة الأخيرة تقارب بين أنقرة وبغداد في الموقف من وجود عناصر حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية وذلك على وقع تنامي التعاون الاقتصادي والتنموي بين تركيا والعراق ومساعي الأخير لحلّ الخلافات مع الجانب التركي حول تقاسم مياه نهري دجلة والفرات، وهو موضوع مؤرق على نحو خاص للعراقيين بسبب تناقص المياه في بلدهم بفعل تأثيرات عامل الاحترار المناخي.
وفي مارس الماضي أثمرت اتصالات مكثفة بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم العراقيين عن إعلان العراق عن تصنيفه حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا محظورا على أراضيه.
لكن حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لا تستطيع تجاوز حدود معينة في التعاون مع السلطات التركية في مواجهة حزب العمال ترسمها لها قوى نافذة مشاركة في الحكومة ذاتها، ومن بينها فصائل شيعية مسلّحة تربطها علاقات وثيقة ومصالح متشابكة مع الحزب.
ومثّل الإعلان عن توقيف الشبكة التابعة لحزب العمال وإحباط “مخطط تخريبي” كان يعتزم تنفيذه في الداخل العراقي تطوّرا كبيرا في قضية تواجد مقاتلي الحزب على الأرض العراقية، وهو ما قد يمنح تركيا فرصة إضافية لتحقيق تقدم في المواجهة التي كانت تريد حسمها منذ نحو أربعة عقود دون جدوى وبدت مؤخرا عازمة على ذلك وفقا لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأعلنت السلطات العراقية، الاثنين، إلقاء القبض على ثلاثة من عناصر حزب العمال الكردستاني تسببوا في حرائق وتفجيرات بمدينتي أربيل وكركوك وكانوا يخططون لعمليات بالعاصمة بغداد.
وقال مقداد ميري المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية إن حرائق أسواق الإقليم كانت مفتعلة وخلفها عناصر من حزب العمال.
وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك لميري مع مدير عام وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان هيمن ميراني تم خلاله الكشف عن تفاصيل حرائق كانت قد طالت خلال الفترة الأخيرة عددا من الأسواق في الإقليم.
وأوضح ميري أن عمليات إشعال النيران كانت تتم باستخدام مادة قابلة للاشتعال تلقائيا بعد وضعها في أماكن معينة. وقال إن “الحرائق التي نشبت في أسواق حيوية أعطت مؤشرات على أنها مفتعلة وتقف خلفها شبكة خطرة”، ما استدعى تشكيل فريق عمل من وكالة الاستخبارات الاتحادية بإشراف رئيس الوزراء ووزير الداخلية.
وشهدت محافظات الشمال العراقي خلال الفترة القريبة الماضية سلسلة من الحرائق الضخمة أتت على مجمع تجاري في دهوك وأسواق شعبية ومخازن تجارية ومواقف للسيارات ومحطة بنزين ما تسبب في وقوع عدد من الضحايا إلى جانب خسائر كبيرة في كركوك وأربيل ونينوى ودهوك.
توقيف عناصر الشبكة جاء ليوفّر ذريعة لأيّ تعاون محتمل مع تركيا في حربها ضد الحزب
وأكّد ميراني من جهته أن المتورطين في إشعال الحرائق ينتمون الى حزب العمال الكردستاني، وأنّ فريق العمل توصل إلى خيوط الجريمة وبعملية نوعية ألقى القبض عليهم وتم ضبط مواد كيمياوية بحوزتهم تستخدم في حرق الأسواق والمولات وجرى تدوين اعترافاتهم.
ومما ورد في اعترافات هؤلاء بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية أنهم كانوا يخططون لاستهداف دولتين جارتين للعراق ولاستهداف خط نقل النفط كركوك – جيهان.
وأشار ميري أيضا إلى أن الشبكة التابعة لحزب العمال الكردستاني كانت تخطط لاستهداف الأسواق في مدينة الصدر والشورجة في العاصمة بغداد، ولاستهداف خطوط نقل الكهرباء في أربيل مركز إقليم كردستان العراق. وتابع قوله “بعد التحقيق الدقيق تم اكتشاف شبكة إجرامية تسببت بأضرار كبيرة للمواطنين في أربيل ودهوك وكركوك وعدة مناطق أخرى في السابق.. وتبين أن الحرائق لم تكن حوادث طبيعية عرَضية بل مدبرة والهدف منها ضرب الاقتصاد وإثارة غضب المواطنين”.
وبحسب الاعترافات التي أشار إليها المسؤولان الأمنيان فإنّ اثنين من المشرفين على تنفيذ المخطّط هما هونر فخرالدين أحمد المنتمين إلى الوحدة 70 من قوات البيشمركة التابعة لحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني ومحمد نجاة حسن من جهاز مكافحة الإرهاب في السليمانية وتم تجنيدهما من قبل حزب العمال الكردستاني وتلقوا تدريبات على تنفيذ العمليات التخريبية على يد مسلحين قدموا من تركيا وسوريا وجبل قنديل.
الوعيد التركي المقترن بتوسيع نطاق الأنشطة العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية يثير الأسئلة عن الموقف الرسمي العراقي إزاء ذلك
ويكتسي ذكر السليمانية مركز نفوذ حزب الاتحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني ضمن قضية الشبكة التخريبية التابعة لحزب العمال خطورة استثنائية ويشكّل “هدية” غير متوقّعة لتركيا التي لطالما اتّهمت قيادات حزب الاتّحاد بالتواطؤ ضدّها مع حزب العمال واحتضان عناصره في مناطق نفوذها، ووجهت تهديدات مباشرة بضرب تلك المناطق.
وورد في تقرير صحفي تركي نشر قبل أيام أنّ فصائل عراقية تشارك في تأمين تدفق شحنات من السلاح إلى مناطق تواجد مقاتلي حزب العمال بشمال العراق تحتوي على طائرات دون طيار وصواريخ، مستخدمة مطار السليمانية كمحطة لوجستية رئيسية في عمليات إمداد الحزب بالأسلحة والذخائر.
ولم يخل التقرير الذي نشرته صحيفة “يني شفق” المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من تهديد باستخدام القوة في ضرب سلسلة إمداد حزب العمال بالسلاح في العراق بما في ذلك المطار الذي قالت الصحيفة إنّ الحزب يتخذه أيضا موقعا لتدريب مقاتليه وإنّه تلقى عبره مؤخرا شحنة منظومات جوية.
ونُقل عن مسؤولين أتراكا قولهم إنّهم طالبوا قوباد طالباني القيادي في حزب الاتحاد الوطني الذي يشغل منصب نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق ببسط السيطرة على مطار السليمانية وإغلاقه في وجه أنشطة حزب العمال وتلقوا وعودا بذلك لكن حزب الاتّحاد لم يلتزم بها، ما جعل أنقرة تمدّد حظر الرحلات الجوية من مطار السليمانية وإليه حتى نهاية العام الجاري.
ويرفض حزب الاتحاد تلك الاتهامات التركية ويقول إنّها جزء من دعاية كيدية يشارك فيها خصومه السياسيون، في إشارة إلى غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني المتهم بدوره بالتواطؤ مع تركيا في عملياتها العسكرية في مناطق إقليم كردستان.
ودخلت المواجهة التي يخوضها الجيش التركي ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في تلك المناطق مرحلة غير مسبوقة من التصعيد.
وتمّ خلال الأيام القليلة الماضية رصد أكبر تدفق للقوات والآليات التركية الثقيلة على مناطق بمحافظة دهوك الواقعة ضمن أراضي الإقليم في ظل أنباء عن مخطّط تركي لاحتلال الغالبية العظمى من أنحاء المحافظة جرى التحضير له على مدى الأشهر الماضية بتركيز نقاط عسكرية ثابتة وربطها بشبكة من الطرق أنشأها سلاح الهندسة التركي وجعلها متصلة بالأراضي التركية لضمان تدفّق القوات والعتاد عند إطلاق الحملة العسكرية الحاسمة التي لوّح بها كبار المسؤولين الأتراك.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام إنّ قوّات بلاده ستنفذ عمليات مكافحة إرهاب “أكثر عزما وفعالية” على مدار شهور الصيف. وكان قد تعهّد في وقت سابق بأن تستكمل تركيا تأمين حدودها مع العراق بحلول الصيف وتنهي ما بقي لها من عمل عسكري وأمني في سوريا.
ويثير الوعيد التركي المقترن بتوسيع نطاق الأنشطة العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية الأسئلة عن الموقف الرسمي العراقي إزاء ذلك، حيث أصبح الصمت الحكومي مثار تكهنات بوجود ضوء أخضر غير معلن من حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للأتراك للتحرك بحرية داخل الأراضي العراقية أملا في طي ملف حزب العمال الذي قد تكون بغداد باتت تنظر إليه باعتباره عائقا أمام تطوير الشراكة والتعاون الاقتصادي مع الجانب التركي.