تفجير كنيسة مار إلياس يؤجج التوتر بين قسد ودمشق

قوات قسد ترفض رواية الحكومة السورية بأن منفذي الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة أرثوذكسية ليسوا سوريين وجاؤوا من مخيم الهول.
الخميس 2025/06/26
دعوات لإجراء تحقيق شفاف وموثوق

دمشق - رفضت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذات القيادة الكردية، مساء الأربعاء، ما أعلنته الحكومة السورية عن أن منفذي الهجوم الانتحاري الدموي الذي استهدف كنيسة قرب دمشق ليسوا سوريين وجاؤوا من مخيم الهول الواقع شمال شرق البلاد، وهو ما قد يُشعل فتيل أزمة جديدة بين الطرفين، ويُلقي بظلال كثيفة على مستقبل أي تفاهمات محتملة.

وفي بيان صادر عن مركزها الإعلامي، وصفت قسد هذه الاتهامات الصادرة عن وزارة الداخلية السورية بأنها "غير صحيحة" و"لا تستند إلى حقائق أو وقائع حقيقية".

ويذكر أن مخيم الهول، الذي تديره قوات قسد، يضم حاليا نحو 40 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين يشتبه بارتباطهم بتنظيم داعش.

وقُتل ما لا يقل عن 25 مصليًا وأُصيب 63 آخرون بجروح الأحد عندما فجر انتحاري نفسه داخل كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق. هذا الهجوم، وهو الأول من نوعه منذ سيطرة حكومة الشرع التي يقودها إسلاميون على السلطة في ديسمبر 2024 بعد الإطاحة بحكم عائلة الأسد، هزّ العاصمة وأثار تساؤلات حول الجهة المسؤولة.

وأعلنت وزارة الداخلية السورية حينها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقف وراء الهجوم، بينما تبنت جماعة تُدعى "سرايا أنصار السنة" العملية.

وفي تصريحات لاحقة الثلاثاء، قالت وزارة الداخلية السورية إن منفذي الهجوم ينتمون إلى خلية تابعة لتنظيم داعش، وهم غير سوريين، وتسللوا إلى العاصمة قادمين من شرق سوريا، وتحديدا من مخيم الهول.

وأكدت أن جميع أفراد الخلية تم اعتقالهم، وضبطت بحوزتهم كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات.

ومن جهتها، أكدت قوات قسد أنها بدأت، عقب صدور هذه المزاعم، بإجراء "مراجعة دقيقة وتحقيق شامل" أثبت عدم وجود أي أدلة على مغادرة أي أجانب للمخيم خلال الأشهر الأخيرة.

وجاء في البيان "أكد التحقيق أن الأشخاص الوحيدين الذين غادروا المخيم خلال هذه الفترة هم سوريون، وتم خروجهم بناء على طلب من الحكومة في دمشق"، مشيرا إلى أن العراقيين الذين غادروا تمت إعادتهم إلى بلادهم في إطار عمليات الإعادة التي تشرف عليها بغداد.

وأضافت قسد "المخيم لا يضم مقاتلين إرهابيين أجانب".

وشددت قوات سوريا الديمقراطية، التي قادت المعارك ضد تنظيم داعش حتى هزيمته في عام 2019، على استمرار تعاونها مع التحالف الدولي في محاربة الإرهاب داخل سوريا.

وفي الوقت الذي عبرت فيه عن حزنها لضحايا تفجير كنيسة مار إلياس، دعت قسد الحكومة السورية إلى إجراء تحقيق شفاف وموثوق، ونشر نتائجه للرأي العام.

واختتم البيان بالقول "اتباع نهج قائم على الحقائق هو وحده الكفيل بمنع تكرار مثل هذه المآسي".

وتُعد كنيسة "مار إلياس" من أبرز أماكن العبادة المسيحية في ريف دمشق، وتحمل أهمية روحية وتاريخية كبيرة بالنسبة للمجتمع المسيحي السوري، وتستضيف بانتظام فعاليات دينية واجتماعية، خصوصاً أيام الأحد وخلال الأعياد.

واستهداف مثل هذه الأماكن الدينية له رمزية كبيرة، ويهدف غالبا إلى إثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الاستقرار الاجتماعي.

وكان المسيحيون يشكلون نحو 10 في المئة من سكان سوريا الذين كان يبلغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، لكن أعدادهم تقلصت بشكل كبير خلال الصراع الذي استمر 14 عاما، وذلك لأسباب أهمها الهجرة.

ويقدر عدد المسيحيين الذين يقيمون الآن في مدن رئيسية مثل دمشق وحلب ويعيشون في مجتمعات مختلطة ببضع مئات الآلاف فقط، هذا التراجع الديموغرافي يجعل استهدافهم أكثر إيلاما ويعكس حجم التحديات التي يواجهونها في ظل الصراعات المستمرة.

تُشير اتهامات دمشق الأخيرة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بتسهيل خروج منفذي تفجير كنيسة مار إلياس من مخيم الهول، إلى محاولة واضحة لوضع قسد في موقف حرج، وتوريطها بشكل مباشر أو غير مباشر في الهجوم.

يأتي هذا التصعيد اللافت للنظر رغم استئناف المفاوضات بين الجانبين في الأيام الماضية، وتوافقهما على السعي لحل المشاكل العالقة.

ونفي قسد القاطع لهذه الاتهامات، وتأكيدها أن من غادروا مخيم الهول هم سوريون بطلب من دمشق نفسها، وأن لا وجود لأي أجانب في المخيم، يضع الكرة في ملعب دمشق، ويفرض عليها إثبات صحة ادعاءاتها.

وهذا التضارب في الروايات لا يهدد فقط بتقويض جهود المصالحة، بل يُلقي بظلال كثيفة على مصير أي تفاهمات مستقبلية، ويُعمّق الفجوة بين الطرفين.

ويبدو أن دمشق تتبنى استراتيجية واضحة تهدف إلى استخدام حادثة تفجير الكنيسة كأداة للضغط على قسد، وربما نزع الشرعية عنها أمام المجتمع الدولي. فباتهام قسد بتسهيل خروج الإرهابيين، تسعى دمشق إلى إظهار أن المناطق الخاضعة لسيطرة قسد هي بؤر لزعزعة الاستقرار والأمن، وأن قسد غير قادرة على إدارة ملفات حساسة مثل مخيم الهول بشكل فعال.

وهذه المحاولة لتوريط قسد يمكن أن تكون جزءًا من خطة أوسع لإعادة التفاوض من موقع قوة، أو حتى لتبرير أي تحركات مستقبلية ضد مناطق سيطرة قسد. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة إذا لم تتمكن دمشق من تقديم أدلة دامغة لدعم اتهاماتها، مما قد يُفقدها المصداقية.

في المقابل، تجد قسد نفسها في موقف دفاعي حرج، حيث تسعى جاهدة لتفنيد هذه الاتهامات وإثبات براءتها، حيث يُشكل تأكيد قسد على أن الذين غادروا مخيم الهول هم سوريون خرجوا بطلب رسمي من دمشق، وأن المخيم لا يضم مقاتلين أجانب، رداً مباشراً وقوياً على مزاعم الحكومة السورية.

ويُظهر هذا الرد تصميم قسد على حماية صورتها ومصالحها، خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على دعم التحالف الدولي في حربها ضد داعش. ويعزز نجاح قسد في دحض هذه الاتهامات موقفها التفاوضي ويُبقي الضغط على دمشق، مما قد يُجبر الأخيرة على مراجعة استراتيجيتها والعودة إلى طاولة المفاوضات بنهج أكثر واقعية.

وتضع هذه الاتهامات المتبادلة مستقبل العلاقات بين دمشق وقسد على المحك، فبعد فترة من استئناف المفاوضات التي كانت تُبشر ببعض الانفراج، عادت الأجواء لتُشحن بالتوتر والاتهامات.

ويُهدد هذا الوضع بتقويض أي جهود لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، ويزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.