تفاهم مبدئي بين فتح وحماس على تشكيل لجنة لإدارة غزة بعد الحرب

توصلت حركتا فتح وحماس إلى تفاهم بشأن تشكيل لجنة إسناد مجتمعية لإدارة قطاع غزة، لكن الكثيرين يشككون في إمكانية بلوغ التفاهم مرحلة الاتفاق النهائي في ظل وجود تحفظات داخل فتح، والأهم أن اتفاقا مثل هذا لا يمكن أن يمر دون موافقة إسرائيلية.
القاهرة - أعلن مسؤولان في حماس وفتح أن الحركتين اتفقتا على تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل المتواصلة منذ أكثر من 13 شهرا.
إلا أن قياديا في حركة فتح في رام الله شكّك في إمكانية إبرام الاتفاق وعكست تصريحاته وجود انقسامات داخل الحركة بشأنه. وتجري مباحثات في القاهرة منذ أيام بين حركتي فتح وحماس برعاية مصرية، بهدف التوصل إلى آلية لإدارة قطاع غزة الذي تديره حركة حماس منذ العام 2007، تاريخ طرد حركة فتح من القطاع الفلسطيني إثر مواجهات مسلحة بين الطرفين.
وتأتي هذه الجهود في سياق تحركات أشمل تهدف إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.
وأنهكت الحرب حركة حماس. وترفض إسرائيل أي دور للحركة في إدارة قطاع غزة بعد الحرب التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق للحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل تسبّب حتى الآن بمقتل 1208 أشخاص.
وتردّ إسرائيل منذ ذلك الحين بقصف مدمر وعمليات عسكرية في قطاع غزة أوقعت 44502 قتيل، وفق وزارة الصحة في القطاع، ودمّرت البنية التحتية.
وقال مسؤول في حماس من القاهرة “بعد حوار بناء عقد في القاهرة في اليومين الماضيين برعاية الأشقاء في مصر، وافقت حماس وفتح على مسودة اتفاق لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي” لتولي إدارة قطاع غزة بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية.
وأكد مسؤول في فتح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس “سيصدر مرسوما رئاسيا بتعيين هذه اللجنة بعد اعتماده مسودة الاتفاق.”
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب إن مفاوضات القاهرة توصلت إلى توافق لتشكيل جبهة إسناد مجتمعية تأخذ على عاتقها إدارة قطاع غزة عبر خطوات تدريجية تبدأ من عقد اجتماعات مماثلة مع الفصائل وعرض ما جرى التوصل إليه على الرئيس محمود عباس (أبومازن)، ثم إصدار الإعلان الدستوري من السلطة الفلسطينية بتشكيل اللجنة من التكنوقراط على أن توفر السلطة خدمات لوجستية تساعد في دمج العاملين بالقطاع المدني من حكومة حماس والسلطة ليكونوا نواة لتنفيذ مهام اللجنة.
وأوضح الرقب في تصريح لـ”العرب” أن المفاوضات واجهت معضلة دمج موظفي حركة حماس من العاملين بالأجهزة المحلية المدنية وجرى التوافق على أن تتحمل الحركة رواتبهم، إلى جانب رفض حماس في البداية لأن تكون مرجعية الإدارة الجديدة للحكومة الفلسطينية قبل أن تعود وتوافق أيضا، كما أنه تم الاتفاق على أن تقوم الإدارة بممارسة عملها بشكل متجرد من الانتماء إلى هذا الفصيل أو ذاك بالتعاون مع حكومة رام الله إلى حين إجراء الانتخابات.
غير أن أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب قال في مؤتمر صحفي عقد في رام الله الثلاثاء “أي لجنة هذه؟ خطأ أن تُقبل مناقشة هذا الموضوع. يجب أن نحافظ على السلطة الوطنية والدولة الفلسطينية ومنظمة التحرير.”
صيغة مسودة الاتفاق جاءت بناء على اقتراح مصري، وتشكّل خطوة أولية ضرورية للتمهيد لاتفاق وقف إطلاق النار” في قطاع غزة
وأضاف الرجوب “نحن نريد حكومة واحدة، ومظلة واحدة وسياسة واحدة وأي حديث أو أي جهد خارج ذلك هو خطأ، ويجب ألا نذهب إلى لجنة هنا أو لجنة هناك.”
ليستدرك قائلا إن “هذا الموقف هو قرار اللجنة المركزية لحركة فتح ولن نكون طرفا في أي خطوة لتكريس الانقسام في الذهاب إلى المربّع الذي يريده (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو.”
وأوضح مصدر فلسطيني قريب من مباحثات القاهرة لوكالة فرانس برس أن صيغة مسودة الاتفاق جاءت “بناء على اقتراح مصري، وتشكّل خطوة أولية ضرورية للتمهيد لاتفاق وقف إطلاق النار” في قطاع غزة.
وقال عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إن اللجنة ستجتمع في مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مؤكدا “لم يتم الاتفاق النهائي بعد على الاتفاق.”
وأشار عضو اللجنة واصل أبويوسف “ما نُشر عن الاتفاق في القاهرة هو شيء إعلاني، لكن من حيث المبدأ هناك نوع من الاتفاق الذي من الممكن أن يُرسم بعد المشاورات الداخلية.”
وبحسب مسودة الاتفاق تتولّى اللجنة “إدارة شؤون قطاع غزة وتكون مرجعيتها الحكومة الفلسطينية وتكون مسؤولة عن كل المجالات، الصحية والاقتصادية والتعليمية والزراعية والخدمية، وأعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار“.
حماس أضحت على قناعة كاملة بأن لا وجود سياسيا حاليا لها وأن قبول المجتمع الدولي بها أصبح مستحيلا على الأقل في الوقت الحالي
ويقول المحلّل السياسي الفلسطيني والوزير والدبلوماسي السابق غسان الخطيب “لا نعرف حتى الآن ماذا سيكون الردّ الإسرائيلي على مسودة الاتفاق، لأن غزة أصبحت الآن تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ولا أهمية تذكر لأي ترتيب لا يأخذ في الاعتبار إسرائيل.”
ويستبعد الخطيب “تنفيذ الاتفاق، لأن إسرائيل ليست طرفا فيه، والقوة الفعلية في غزة الآن هي في الأساس لإسرائيل.”
وورد في المسودة أن اللجنة تتشكّل من عشرة إلى خمسة عشر عضوا “من الشخصيات الوطنية ذات الكفاءات والمشهود لها بالنزاهة والخبرة والشفافية“.
وأشارت إلى أن عمل اللجنة يبدأ “عقب عقد اجتماع لكافة الفصائل الفلسطينية للاتفاق النهائي على تشكيلها في القاهرة بدعوة من رئيس دولة فلسطين“.
وتتولى اللجنة أيضا “العمل في منافذ القطاع مع الجانب الإسرائيلي وإعادة تشغيل منفذ رفح” بين غزة ومصر، وفقا لاتفاق العام 2005 الذي أبرم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والذي ينصّ على تشغيل معبر رفح، وتواجد مراقبين أوروبيين في الجانب الفلسطيني من المعبر.
وبحسب الرقب، فإن حماس أضحت على قناعة كاملة بأن لا وجود سياسيا حاليا لها وأن قبول المجتمع الدولي بها أصبح مستحيلا على الأقل في الوقت الحالي، وأنها أبدت مرونة في المفاوضات كي تخرج من المشهد بشكل يحفظ ماء وجهها وكرامتها في سياقات غلق المنافذ أمامها في الدوحة وبحث قادتها عن أماكن يقيمون بها، غير أن هناك قناعة فلسطينية بأن يكون خروج حماس من المشهد تقابله إقالة اليمين المتطرف من الحكومة الإسرائيلية وإبعاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية سوموتريش.

وأكد أن القاهرة تحاول ربط ملف جهود التوصل إلى هدنة لتكون مقدمة لوقف كامل لإطلاق النار بملف المصالحة الفلسطينية باعتبارها من تقدمت بمقترح الإدارة المشتركة، بحيث تكون اللجنة مرجعية لأي قرارات مرتبطة بالحرب الدائرة في قطاع غزة، والإمساك بتلك الورقة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتسليم القطاع إلى اللجنة المزمع تشكيلها مع إصرار نتنياهو على رفض تسليم مقاليد إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية أو حركة حماس، وأن وجود شخصيات من التكنوقراط يمكن أن يمنح تطمينات لإسرائيل.
وتقود مصر مع قطر والولايات المتحدة وساطة بين إسرائيل وحماس من أجل التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، لكن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الآن. وتشكّل إدارة غزة بعد الحرب جزءا من المفاوضات.
وتضغط واشنطن على الفلسطينيين لضمان ألا يكون لحماس أي دور في حكم غزة في المستقبل.
وأبلغت حماس وسطاء خلال الأشهر الماضية بأنها لا تتمسك بحكم غزة، لكنها تصر على أن يكون القرار فلسطينيا.
وقال القيادي في حماس “لا توجد حتى الآن إرادة سياسية لدى (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو للتوصل إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى”، مضيفا أن حماس “جاهزة بناء على الثوابت التي حددتها فصائل المقاومة.”
وكرّر هذه “الثوابت” على أنها “الانسحاب العسكري (الإسرائيلي) من القطاع وعودة النازحين، وصفقة جادة لتبادل الأسرى سواء دفعة واحدة أو على مرحلتين، وإدخال المساعدات بشكل فوري، والإعمار.”
وكانت إسرائيل تتمسّك في آخر مواقفها من الهدنة بالإبقاء على وجود عسكري في محورين إستراتيجيين في القطاع.