تفاهمات متبادلة مفتاح سوريا لرفع العقوبات الأميركية

سوريا تبدي استعدادا للتعاون في ملف الأسلحة الكيميائية والمفقودين الأميركيين وتؤجل معالجة ملف المقاتلين الأجانب وتطلب "تفاهمات" بشأن مكافحة الإرهاب مع واشنطن.
السبت 2025/04/26
دمشق لواشنطن: بعض الشروط تحتاج حوارا

دمشق - ردت سوريا كتابيا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبقت معظمها لكن البعض الآخر يتطلب "تفاهمات متبادلة" مع واشنطن، وفقا لنسخة من الرسالة اطلعت عليها رويترز.

وكانت الولايات المتحدة قد سلمت سوريا في الشهر الماضي قائمة تتضمن ثمانية شروط تطالب دمشق بالوفاء بها، من بينها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية وضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة السورية.

وتأتي هذه التطورات في ظل حاجة سوريا الماسة لتخفيف العقوبات التي تثقل كاهل اقتصادها المنهار جراء 14 عامًا من الحرب، حيث فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية عقوبات صارمة على سوريا في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد.

وفي يناير الماضي، أصدرت الولايات المتحدة إعفاء لمدة ستة أشهر لبعض العقوبات لتشجيع المساعدات، إلا أن تأثير هذا الإجراء كان محدودا.

ومقابل تلبية جميع المطالب الأميركية، ستمدد واشنطن هذا التعليق لمدة عامين، وربما تُصدر إعفاءً آخر، وفقًا لما ذكرته مصادر لرويترز في مارس.

وكانت رويترز أول من أفاد بأن المسؤولة الأميركية البارزة ناتاشا فرانشيسكي سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في اجتماع شخصي على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل يوم 18 مارس.

وسعى الشيباني، في أول خطاب له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة، إلى إظهار أن سوريا تعالج بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والبحث عن الأميركيين المفقودين في سوريا.

وكانت تعليقاته العلنية متوافقة مع محتوى رسالة سوريا الخاصة إلى الولايات المتحدة، والتي اطلعت رويترز على نسخة غير مؤرخة منها. ولم يُنشر محتوى الرسالة من قبل.

وأكد مسؤولان غربيان ومسؤول سوري مطلع على فحوى الرسالة تطابقها مع النسخة التي اطلعت عليها رويترز.

وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، تتعهد سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية للعثور على الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتوضح بالتفصيل عملها لمعالجة مخزونات الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك توثيق العلاقات مع هيئة مراقبة الأسلحة العالمية.

لكن الرسالة لم تتناول بشكل كافٍ مطالب رئيسية أخرى، بما في ذلك إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب، وفقًا للرسالة.

وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تلقي واشنطن ردًا من السلطات السورية على طلب أميركي باتخاذ "تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة".

وقال المتحدث "نقوم حاليًا بتقييم الرد، وليس لدينا ما نشاركه في الوقت الحالي"، مضيفًا أن الولايات المتحدة "لا تعترف بأي كيان كحكومة سورية، وأن أي تطبيع مستقبلي للعلاقات سيُحدد بناءً على تصرفات السلطات المؤقتة".

ولم ترد وزارة الخارجية السورية فورًا على طلب التعليق.

وأفادت الرسالة أن مسؤولين سوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنشتاين، لكن القضية "تتطلب جلسة تشاورية أوسع".

"ما يُمكن تأكيده حتى الآن هو تعليق إصدار الرتب العسكرية عقب الإعلان السابق بشأن ترقية ستة أفراد"، جاء في الرسالة، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر، بينهم أويغور وأردني وتركي، في مناصب في القوات المسلحة للبلاد.

ولم يُذكر ما إذا كانت الرتب المُعيّنة قد أُزيلت من المقاتلين الأجانب، ولم يُحدد الخطوات المستقبلية المُزمع اتخاذها.

وقال مصدر مُطلع على نهج الحكومة السورية تجاه هذه القضية إن دمشق ستؤجل معالجتها قدر الإمكان، نظرًا لرأيها بضرورة معاملة المتمردين غير السوريين الذين ساعدوا في الإطاحة بالأسد معاملة حسنة.

وحول طلب أميركي للتنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب والقدرة على شن ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن "الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة".

وتعهدت بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في سوريا، وتعهدت باتخاذ "الإجراءات القانونية المناسبة"، دون الخوض في التفاصيل.

وكان الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع قد قال في مقابلة في وقت سابق من هذا العام إن القوات الأميركية المنتشرة في سوريا كانت هناك دون موافقة الحكومة، مضيفا أن أي وجود من هذا القبيل يجب أن يتم بالاتفاق مع الدولة.

وقال مسؤول سوري مُطلع على الرسالة إن المسؤولين السوريين كانوا يبحثون سبلًا أخرى لإضعاف المتطرفين دون منح الولايات المتحدة إذنًا صريحًا بتنفيذ ضربات، معتبرين ذلك خطوةً مثيرةً للجدل بعد سنوات من قصف القوات الجوية الأجنبية لسوريا خلال حربها.

وصرح دبلوماسي كبير وشخص آخر مُطلع على الرسالة لرويترز بأنهما يعتبرانها تُعالج خمسة مطالب بالكامل، لكن بقية المطالب تُركت "معلقة".

وأضافا أن الرسالة أُرسلت في 14 أبريل، أي قبل 10 أيام فقط من وصول الشيباني إلى نيويورك لإلقاء كلمة أمام مجلس الأمن. ولم يتضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أرسلت ردًا على رسالة سوريا.

وصرح مسؤول سوري ومصدر أميركي مُطلع على الرسالة أن الشيباني سيناقش محتواها مع مسؤولين أميركيين خلال زيارته إلى نيويورك.

وأعربت سوريا في رسالتها عن أملها في أن تُفضي الإجراءات المُتخذة، والتي وصفتها بـ"الضمانات"، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.

وفيما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سوريا، ذكرت الرسالة أن الشرع شكّل لجنة "لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية"، وأنه لن يُسمح للفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بالعمل. وقد أُرسلت الرسالة قبل أيام قليلة من اعتقال سوريا لمسؤولين فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي.

وأضافت الرسالة "في حين أن المناقشات حول هذا الموضوع قابلة للاستمرار، فإن الموقف الشامل هو أننا لن نسمح لسوريا بأن تُصبح مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل".

كما أقرّت الرسالة بوجود "تواصل مستمر" بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في عمّان بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأفادت بأن سوريا تميل إلى توسيع هذا التعاون. ولم يُعلن سابقًا عن المحادثات المباشرة بين سوريا والولايات المتحدة في عمّان.