تفاقم ديون مياه الري يرهق المزارعين في تونس

مطالبات بالتدقيق في مستحقات الدولة تجاه القطاع كونها لا تتناسب مع حجم الاستهلاك ومساحات الإنتاج.
الجمعة 2024/05/03
هكذا نسقي المحصول، ما رأيكم؟

يمارس قطاع الزراعة في تونس ضغوطا على الجهات المعنية للإسراع في معالجة مشاكله المزمنة ومعالجتها جذريا، بما في ذلك ديون مياه الري، بعدما استفحلت بشكل لم تعد معه إمكانية التأجيل أكثر بالنظر إلى حالة الإرهاق السائدة بسبب أزماته المتتالية.

جندوبة (تونس) – يصطدم المزارعون في تونس، وخاصة في مناطق الشمال الغربي، حيث يتركز أغلب إنتاج المحاصيل، ومنها الحبوب، بمعضلة تراكم ديون مياه الري، باعتبارها تحديا يهدد استدامة أعمالهم في ظل واقع صعب يعيشه القطاع منذ سنوات.

وبين محاولات حكومية غير مجدية وواقع زراعي متأزم يجد القطاع نفسه في مواجهة صعوبات الجفاف وغياب السياسات الفعالة للنهوض بهذا النشاط الإستراتيجي، مما انعكس على تقلص المساحات، التي كانت مخصصة للمحاصيل الحيوية.

وتواجه الزراعة مشاكل هيكلية عميقة تعرقل تطورها رغم أن القطاع حاول الصمود أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، التي عرفتها البلاد في سنوات ما بعد 2011.

ووفق التقديرات يستأثر القطاع بنحو 80 في المئة من الاستهلاك السنوي للمياه، بينما الصناعة فتستهلك 5 في المئة، ثم السياحة بواقع اثنين في المئة، وتذهب البقية إلى تغطية الطلب المحلي من الاحتياجات اليومية للسكان.

254.1

مليون دولار حجم ديون القطاع الزراعي بحسب تقديرات رسمية تعود إلى عام 2021

وتتولى وزارة الفلاحة إدارة قطاع المياه في البلاد عبر مجموعة هياكل تتبعها، هي شركة استغلال قناة وأنابيب مياه الشمال والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد) والديوان الوطني للتطهير (أوناس) وإدارة الهندسة الريفية ومجامع التنمية الفلاحية.

وتبدو ولاية (محافظة) جندوبة واحدة من أبرز المناطق التي يتأثر مزارعوها بحجم ديون مياه الري، وهم لا يخفون تذمرهم مما آلت إليه أوضاعهم، حيث تحتاج إلى تدخل عاجل من السلطات، كما يقولون.

وطالب عدد من المزارعين وممثلي هياكلهم المهنية في الولاية هذا الأسبوع بالتدقيق في ديون مياه الري وإعادة النظر فيها، مؤكدين أنها لا تتناسب مع حجم الاستهلاك والمساحات التي بحوزتهم.

واعتبر رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بجندوبة لطفي الجمازي أن ملف الديون يستوجب التوقف عند عجز هياكل الدولة عن حله وما تشكله من معضلة حقيقية في وجه الاستثمار في القطاع والمجالات المرتبطة به.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى الجمازي قوله أثناء المجلس الجهوي للمياه الملتئم مساء الثلاثاء الماضي، إنه “يجب معالجة الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع ومراجعة هذه الديون التي يعود بعضها إلى سنة 2006”.

وناهزت ديون مياه الري في الولاية إلى نهاية العام الماضي، نحو 32 مليون دينار (10.2 مليون دولار) موزعة بين شركات إحياء فلاحية، تم سداد حلها 148 ألف دولار فقط، وهناك ديون مستحقة لفائدة المندوبية الجهوية للفلاحة بجندوبة تفوق 2.2 مليون دولار.

لطفي الجمازي: ملف الديون يستوجب التوقف عند عجز الدولة عن حله
لطفي الجمازي: ملف الديون يستوجب التوقف عند عجز الدولة عن حله

وتتوزع الديون لصالح المندوبية بين 890 ألف دولار قبل إحالة المناطق المروية إلى مجامع التنمية في عام 2006، ونحو 440 ألف دولار ديون مستحقة على المزارعين.

وفضلا عن ذلك، بلغت ديون المجامع الفلاحية 7.6 مليون دولار، وهي “المديونية الأكثر ثقلا مقارنة ببقية الأطراف المستغلة”، حسب المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية عادل السكوحي.

ووصف عضو النقابة التونسية للفلاحين عادل الزايدي خلال الاجتماع بأن الديون باتت “سيفا مسلطا” على رقاب عدد من المزارعين الذين لا تربطهم بتلك الديون أي علاقة.

ويؤكد أن هذا الوضع يستوجب في نظره تكوين لجنة تدقيق، وتحميل المسؤولية لكل طرف ساهم في تضخيم هذه الديون، واستخلاص ما ستنتهي إليه عملية الدقيق التي يتوقع أن تكون أقل بكثير من الأرقام المعلنة.

وما يعانيه المزارعون في جندوبة من مشاكل مالية جعلتهم يعجزون عن سداد ديونهم، في شكل رسوم استخدام خدمات شبكة المياه وقروض، هي مجرد عينة عن المشاكل ذاتها في العديد من المناطق المشهورة بالزراعة في تونس مثل باجة ومنوبة وغيرهما.

وتظهر أرقام رسمية تعود إلى 2021 أن حجم ديون المزارعين، بما فيها تلك المتعلقة باستخدامات مياه الري، تناهز 800 مليون دينار (254.1 مليون دولار)، وتبلغ نسبة تخلف المقترضين عن سداد ديونهم حوالي 30 في المئة.

وسعى القطاع في الكثير من المرات إلى تشكيل لوبي ضغط من خلال الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة) لدفع المسؤولين إلى تحسين أوضاعه، لكن غالبا ما كانت محاولاته تتعرقل.

وتعد تونس، التي يبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها 2.34 مليار متر مكعب، من بين الدول المهددة بندرة المياه في حوض المتوسط بسبب حدة التغيرات المناخية واستنزاف مواردها.

كما انعكست قلة الأمطار في شكل تراجع المحاصيل الزراعية لاسيما إنتاج الحبوب الذي تراجع إلى نحو 60 في المئة خلال الموسم الماضي، بمقارنة سنوية.

معاناة المزارعين في جندوبة مجرد عينة بسيطة عن المشاكل ذاتها في المناطق المشهورة بالإنتاج مثل باجة ومنوبة وغيرهما

وفي مسعى للتقشف في الموارد المائية المحدودة، فرضت السلطات منذ مارس 2023 إجراءات من بينها نظام الحصص في توزيع مياه الشرب وحظر استخدامها في الري الزراعي ومحطات غسيل السيارات والساحات العامة.

وفي خضم ذلك تسعى الحكومة من خلال زيادة حجم الاستثمارات في قطاع المياه هذا العام إلى مقاومة التحديات الجاثمة على الاقتصاد والتي فرضتها موجة الجفاف المستمرة منذ سنوات وما خلفته من قلة الأمطار.

ورغم التحذيرات على مدار سنوات من وصول البلد إلى مرحلة النقص الشديد في الموارد المائية بسبب التغيرات المناخية، لكن الدولة لم تضع ما يتعين من إستراتيجيات لمواجهة هذا الوضع الذي يقوض نشاط المزارعين مع عجزهم عن تحمل ارتفاع المصاريف.

وكانت العديد من الدراسات التي أجراه البنك الدولي وتقارير أخرى صادرة عن منظمات دولية قد أكدت منذ أكثر من عقد أن تونس ستصل إلى هذا الوضع بسبب التغيرات المناخية، لكن المنتقدين يقولون إن الدولة لم تضع ما يتعين من إستراتيجيات تحسبا لذلك.

ومن بين أهم النواقص التي يواجهها القطاع، نصيبه المتدني من الاستثمارات سواء العمومية أو الخاصة، وهو ما كانت له آثار سلبية على نشاطه.

وتسهم الزراعة بحوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، وبالنسبة ذاتها في إجمالي الصادرات، وتستقطب 8 في المئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد، و14 في المئة من اليد العاملة النشيطة وتؤمن موارد رزق لأكثر من 570 ألف شخص.

11