تفاقم الأزمة الاقتصادية يثير هواجس العائلة المالكة في الأردن

حالة من القلق تسود أوساط العائلة المالكة في الأردن على وقع تنامي الاحتقان الشعبي جراء الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد، في غياب الحلول وتفاعل محتشم من قبل المجتمع الدولي الذي تغيرت بشكل واضح أولوياته في المنطقة.
عمان – عكست تغريدات للأمير حمزة بن الحسين شقيق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حالة من التوجس والقلق على مستقبل المملكة في ظل التحديات الكبرى التي تواجهها خاصة على الصعيد الاقتصادي، وتداعياتها على السلم الاجتماعي.
وحذر الأمير الأردني في تغريدات عبر حسابه على موقع “تويتر” من أن تفكك النسيج الوطني في المملكة وزيادة الخلافات بين أبنائها “سيؤديان إلى خسارة الوطن وخذلان الأمة”.
وقال الأمير حمزة بن الحسين “الألم شديد والهم كبير، والخوف على الوطن ومستقبل أبنائه، وأملنا بالنجاة في هذا الوطن ممّا يبدو أنه يدبر له بصون وحدتنا الوطنية المقدسة، فقوتنا بلحمتنا وإخلاصنا لهذا التراب ولبعضنا البعض وإصرارنا على التغيير والتغيير الإيجابي”.
وشهد الأردن في الأشهر الماضية تحركات احتجاجية اتخذت أشكالا مختلفة بمضامين متشابهة، كان من بين عناوينها الكبرى محاربة الفساد والمحسوبية ووقف السياسات الضريبية، وقد برزت دعوات في الفترة الأخيرة تتجاوز البعدين الاقتصادي والاجتماعي إلى السياسي بطرح تغيير الدستور وتشكيل حكومات منتخبة.
وتخشى دوائر صنع القرار في الأردن من المنحى التصاعدي الذي تتجه إليه الأمور في ظل عجز عن اجتراح حلول جذرية لمعالجة الأزمة الاقتصادية، والفوضى التي تموج بها المنطقة ويخشى من أن تصل تفاعلاتها السلبية إلى المملكة.
ودقت المسيرة الراجلة التي قام بها المئات من الشباب الأردني من المحافظات والمناطق الطرفية، منذ 20 يوما نحو العاصمة عمان للاعتصام أمام الديوان الملكي ناقوس الخطر، حيث إن المحتجين كانوا في السابق يتوجهون إلى الدوار الرابع حيث مقر الحكومة، ما يعكس وفق الكثيرين، نوعا من الجرأة التي بدورها تعكس حالة يأس وإحباط من الحكومات المعينة، وغياب الثقة في وعودها.
ونبه الأمير حمزة بن الحسين قائلا “إذا تفكك النسيج الوطني واختلف أبناء الشعب الواحد من شتى الأصول والمنابت خسرنا الوطن وخذلنا الأمة، ولن نستطيع الدفاع عن قضايانا، وخدمنا من يريد إضعافنا لتحقيق مطامعهم على حساب الأردن الحبيب”.
والأمير حمزة هو ابن العاهل الراحل الملك الحسين بن طلال، من زوجته الرابعة، الملكة نور الحسين، وكان ولي عهد المملكة من الفترة 1999 إلى 2004.
ويواجه الأردن منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة ساهمت الصراعات الإقليمية في تعميقها، عبر تحوله إلى وجهة للآلاف من النازحين، فضلا عن تضرر قطاع النقل “ترانزيت” عبر الحدود مع كل من العراق وسوريا، إلى جانب تراجع أعداد السياح.
ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في معالجة الأزمة بسبب سياساتها الترقيعية القائمة على ركيزتين وهما التعويل على المساعدات الخارجية من منح وقروض، وزيادة الضرائب على المواطن الأمر الذي أدّى إلى تعميق الأزمة بدل حلها.
وتواصل الأمر ذاته مع الحكومة الحالية برئاسة عمر الرزاز، الذي علق عليه الأردنيون آمالا كبيرة في القطع مع نهج سابقيه، خصوصا وأنه لا ينتمي إلى طبقة المسؤولين ذاتها التي تتداول على المناصب، بيد أن الأخير لم يتمكن من تحقيق تطلعات الشارع لأسباب عدة من بينها وفق متابعين، أنه لا يملك حرية القرار خاصة في الملفات الحساسة، هذا إلى جانب كون طريقة تعاطيه مع الأمور اتسمت بالكثير من الارتباك والتخبط وليس أدل على ذلك إلّا ملف التعيينات.
ويقول خبراء إن الإشكالية تتجاوز أداء الرزاز أو رؤساء الوزراء الذين سبقوه، إلى منظومة كاملة جعلت من المملكة رهينة للمساعدات الخارجية، التي تراجعت بشكل واضح في السنوات الأخيرة نتيجة التركيز الدولي على مناطق أخرى، حيث لم يعد الأردن على سلم الأولويات كما كان في السابق.
ويلفت المراقبون إلى الدول التي لطالما شكلت سندا لاقتصاد الأردن تعد ترغب في منح هبات مجانا لا تعرف مآلات استثمارها، وهي تطالب اليوم بإصلاحات اقتصادية للاستمرار في تقديم هذا الدعم.
وقال رئيس الديوان الملكي السابق فائز الطراونة، خلال استضافته عبر فضائية “المملكة”، الأحد، إن “الأردن اعتمد على المساعدات، وهذا خلق تشوهات اقتصادية داخلية”.
وأوضح “كانت المساعدات تأتي كدعم للخزينة، وكانت الحكومات تجد فيها مناسبة لدعم المواد، في فترة كانت فيها وفرة بالدعم الخارجي”. وبيّن الطراونة، أن “هذا الفعل كان يزيد من شعبية الحكومة، مقابل اعتبار المواطن، دعم السلع حقا له”.
وتابع “يأتي الظرف الذي لا تستطيع عنده الحكومة، إكمال دعم المواد، وتريد التراجع عنه، ثم يحدث الاختلال”. مستدركا، “ليست كل الحكومات، كانت تنتهج هذا الأسلوب في التعامل مع الدعم الخارجي”.
ويقول خبراء الاقتصاد إن إشكالية الأردن اليوم تكمن في وجود بنية اقتصادية مختلة، وغياب التشجيعات للمستثمرين الأجانب والمحليين على السواء، لافتين إلى أن هناك محاولات لتلافي هذا الإشكال بيد أن المسار طويل لتحقيق إنجاز على هذا المستوى، فيما المواطن الأردني لم يعد قادرا على تحمل الأزمة التي أنهكته. وعقد نهاية الشهر الماضي في العاصمة البريطانية لندن مؤتمرا لدعم الأردن، وحرص خلاله المسؤولون الأردنيون على استغلاله لتشجيع الاستثمار، ولكن انتظار ثمار هذا المؤتمر قد يطول، رغم الوعود.
وأكد السفير البريطاني في عمان إدوارد أوكدن التزام بريطانيا بدعم الأردن في جميع المجالات وعلى مختلف المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية والتعليمية.
وأوضح خلال لقاء صحافي في مقر السفارة البريطانية بعمان مساء الأحد للحديث عن مخرجات مبادرة لندن 2019 لدعم وتنمية الاقتصاد الأردني، أن “دعمنا للأردن ثابت وسوف يستمر”، مشيرا إلى أن “السنوات الخمس القادمة ستشهد تحقيق إصلاحات اقتصادية في الأردن بناء على الخطة الموضوعة لإطلاق النمو والاستثمار وفرص العمل والاعتماد على الذات”.