تفاقم أزمة الرقائق يقوّض خطط مصر لتوطين صناعة المركبات

تسبب تفاقم أزمة نقص الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات العالمية في تقويض برنامج إحلال السيارات المتقادمة في مصر بعد إعلان عدد من الشركات المشاركة في البرنامج توقف الإنتاج بمصانعها مع حلول ديسمبر المقبل في ظل نفاد المخزون لديها وعدم قدرة الشركات الأم العالمية على إمدادها بالمكونات في المدى المنظور.
القاهرة - انسحبت عدة شركات للسيارات تنشط في مصر من المبادرة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي مطلع هذا العام والمتعلقة بإحلال وتبديل المركبات للعمل بالغاز، بينها جي.بي أوتو المملوكة للملياردير رؤوف غبور، جراء نقص مكونات الإنتاج.
ولم يخطر على بال أحد أن تكون الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) سببًا في أزمة تهدد استمرار عمل مصانع السيارات والعديد من الصناعات الأخرى مثل الهواتف الذكية والثلاجات المتطورة، فضلا عن الطائرات.
وتستهدف وزارة التجارة والصناعة المصرية تنفيذ برنامج الإحلال ضمن مبادرة الاكتفاء الذاتي من الوقود التي كان من المقدر لها إحلال 50 ألف سيارة تاكسي سيتجاوز عمرها 20 عاما بنهاية 2022، ورصدت ميزانية لتنفيذ الخطة بنحو 160 مليون دولار. وتهدف الخطة إلى تحويل 1.8 مليون مركبة للعمل بالوقود المزدوج (بنزين وغاز طبيعي).

بدوي إبراهيم: الرقائق الإلكترونية تمثل 40 في المئة من مكونات السيارة
وتسهم المبادرة في تضييق فجوة استيراد القاهرة لوقود السيارات والتي تصل إلى 40 في المئة من حجم الاستهلاك المحلي المتصاعد.
ويبلغ عدد المركبات المرخصة نحو 9.4 مليون مركبة، منها 4.3 مليون سيارة خاصة، ونحو 1.2 مليون سيارة نقل، فضلا عن الحافلات وسيارات نقل البضائع.
وتعاقدت الحكومة مع شركتين لتصنيع الميكروباص ضمن البرنامج للعمل بالغاز، وذلك للأهمية الاقتصادية التي ينطوي عليها تشغيل سيارات الأجرة بالغاز؛ إذ توجد نحو 240 ألف سيارة ميكروباص تعمل بالسولار وهي مشكلة كبرى.
ولا تصلح تكنولوجيا عمل السيارات بالوقود المزدوج إلا للتي تعمل بالبنزين، وبالتالي سيتم استبدال المركبات التي تعمل بالسولار (الديزل) بأخرى حديثة تعمل بالغاز، كما سيتم توفير أنظمة تمويل ميسرة تشمل تقسيطا بفائدة 3 في المئة وفترة سداد تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات.
وأعلنت وزارة المالية التي تتولى الإشراف على البرنامج أنها ستوضح للمتقدمين أسباب تأخير التسليم، كما تنوي وضع جدول زمني جديد يتم فيه التسليم بأسبقية الحجز.
وأكدت أن الأزمة ألقت بظلالها على الشركات المشاركة في البرنامج، إذ تواجه المصانع عجزًا في الإنتاج أدى إلى خفض الحصص المتفق عليها مع جميع الموزعين، بينما ارتفعت أسعار المركبات بمعدلات تتراوح بين 3 و5 في المئة.
وقال أمجد منير رئيس مجلس إدارة صندوق إحلال المركبات بوزارة المالية في بيان إن “إجمالي الطلبات وصل إلى 31 ألف طلب، وحتى أغسطس الماضي تم تخريد 4701 سيارة قديمة”.
وتستهدف الحكومة مع نهاية هذا الشهر تسليم نحو 5 آلاف مركبة خاصة ونحو 300 سيارة ميكروباص وتسعى لتثبيت ذلك المعدل شهريا، إلا أن ذلك محفوف بالمخاطر بسبب أزمة إمداد المكونات للمصانع.
وأكد بدوي إبراهيم، الخبير في قطاع السيارات، أن تصنيع المركبة يشمل جزءا ميكانيكيا وآخر إلكترونيا، والأزمة في الجزء الثاني، وثمة مصانع توقفت عن العمل حاليًا وأخرى خفضت الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من النصف نتيجة نقص المكونات، ما تسبب في إرباك السوق، لذلك يعد برنامج الإحلال متوقفا حاليًا انتظارًا لما ستسفر عنه أزمة الرقائق الإلكترونية.
ويبلغ سعر الرقاقة دولارا واحدا، وهي مصنوعة من مادة السيليكون وتُستخدم لتشغيل أشياء كثيرة في السيارة بدءًا من أنظمة إدارة المحرك والفرامل إلى الترفيه والإطارات ومستشعرات الوقوف.
وتعود جذور أزمة الرقائق إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث عملت الأخيرة على نيل المزيد من الاستقلالية في هذا المجال عبر إنشاء صندوق بنحو 30 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات.
وتعد بكين أكبر مستورد ومستهلك لأشباه الموصلات في العالم، رغم أنها لا تنتج سوى 16 في المئة من رقائق أشباه الموصلات ما دفعها إلى التخطيط لإنتاج 70 في المئة من احتياجاتها من أشباه الموصلات بحلول عام 2025.
وتأججت الأزمة بسبب الجائحة، إذ تسبب إغلاق الحدود بين الدول في توقف المصانع عن إنتاج الرقائق، ومع الفتح التدريجي واجه مصنعو الرقائق زيادة مفاجئة في الطلب لتصنيع أجهزة الكمبيوتر ومشغلات الألعاب الإلكترونية بسبب الحجر الصحي ما أثر سلبًا على صناعة السيارات.
المصانع المشاركة في مبادرة إحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي توقفت وسط ارتفاع الأسعار بنحو 5 في المئة
واكتملت أركان الأزمة خلال مارس الماضي مع نشوب حريق في مصنع رينيساس الياباني، ثاني أكبر مصنع لإنتاج الرقائق عالميا، ما أدى إلى شل الإمدادات، إذ لم يكن لدى الشركة مخزونا يكفي إلا لمدة شهر واحد فقط.
وكشفت تقارير عالمية أن قطاع الأجهزة الإلكترونية العالمي يستهلك نحو 470 مليار دولار سنويًا من أشباه الموصلات مقابل 40 مليار دولار بقطاع السيارات، كما تحتاج السيارة الواحدة من 50 إلى 150 شريحة إلكترونية.
وأوضح بدوي إبراهيم لـ”العرب” أن “السيارات من أكثر السلع التي يعتمد تصنيعها على الرقائق الإلكترونية، إذ تمثل هذه الرقائق أكثر من 40 في المئة من مكوناتها، ثم الأجهزة الكهربائية والإلكترونية”، مؤكدًا أن أسعار السيارات في السوق المصرية تشهد ارتفاعات متتالية خلال الفترة الأخيرة جراء الأزمة.
ومن المتوقع أن يفقد قطاع السيارات العالمي قرابة 7 ملايين سيارة كان من المقرر إنتاجها مع نهاية العام الجاري بسبب شح سلاسل إمدادات الرقائق الإلكترونية، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى ابتكار أساليب جديدة تضمن الاستمرارية في كل الظروف.
وأشار بدوي إبراهيم إلى أن مصر تستورد سنويا ما بين 200 و250 ألف سيارة، وقد تتراجع معدلات استيراد السيارات بنسبة كبيرة، ما يرفع أسعارها بشكل عام.
وذكرت جمعية صناعة أشباه الموصلات الصينية أن العالم يمر بنقص غير مسبوق في الرقائق بعد نمو مبيعات أشباه الموصلات بنحو 18 في المئة خلال العام الماضي. وحتى لو توافرت كل المكونات في مصنع ما فلن يتمكن فعليًا من صُنع المنتج إذا كانت تنقصه رقائق مشغل العرض.
وقالت شركة الاستشارات أليكس بارتنرز في مذكرة إن العجز العالمي في الرقائق سيكبد قطاع السيارات فاقدا في الإيرادات بقيمة 110 مليارات دولار، وذلك ارتفاعًا من تقدير سابق عند 61 مليار دولار.

مصطفى حسين: لا توجد بدائل سوى انتظار الإمداد من الشركات العالمية
ويعتمد البرنامج المصري أساسا على السيارات المحلية لأن عدم إمداد مصانع تجميع المركبات بالرقائق يعطلها عن العمل، الأمر الذي يصعب معه تقدير مدة التأخير على المستهلكين الراغبين في إحلال سياراتهم والذين تقدموا بالفعل وانطبقت عليهم الشروط.
وذكر مصطفى حسين، رئيس مجلس معلومات سوق السيارات (أميك)، لـ”العرب” أن “مصانع السيارات العالمية تضررت بشدة جراء الأزمة الراهنة وصدّرت الأزمة للدول الناشئة، وحل المشكلة مرهون بتدخل الدول الكبرى المنتجة للسيارات”.
وتضم قائمة المنتجين الرئيسيين لأشباه الموصلات تايوان التي تستحوذ على 60 في المئة من الإنتاج عالميًا، وكوريا الجنوبية واليابان، والولايات المتحدة التي تنتج الرقائق من خلال شركة إنتل، وتشهد الفترة الراهنة مساعي عالمية بين تكتلات أوروبية لدخول ذلك المجال.
وأضاف حسين أن ملامح الأزمة ستتضح صورتها بشكل كامل خلال ديسمبر المقبل، وبعدها ستتضح الرؤية إن كانت ستستمر خلال العام القادم أم لا، مؤكدًا أن مصر ليست أمامها بدائل سوى انتظار “رصاصة الرحمة” من الشركات الأم في الخارج للإفراج عن بعض المكونات والخامات للشركات المحلية.
واستبعدت رابطة مصنعي السيارات قدرة مصر على تدشين مصنع للرقائق الإلكترونية بسبب ضعف معدل الإنتاج من السيارات مقارنة بالأسواق العالمية، فضلاً عن أن القطاع يعتمد على التجميع وليس التصنيع، بجانب غياب التكنولوجيا والخبرات والسيولة الضخمة التي تحتاجها مصانع الرقائق، إذ تتراوح التكلفة الاستثمارية لإنشاء مصنع متوسط الحجم بين 4.5 و6 مليارات دولار.