تفاعل عماني واسع مع مشروع ريادي للحماية الاجتماعية

يشكل قانون الحماية الاجتماعية الذي يأمل العمانيون في المصادقة عليه قريبا، مشروعا رياديا ستكون له بصمته المؤثرة على مختلف الفئات العمرية والاجتماعية داخل السلطنة، لما تضمنه من مزايا كبيرة لا تقتصر على المنح النقدية بل وعلى توفير شبكات تأمين واسعة، فضلا عن فتح نظام التقاعد ليشمل جميع العمانيين وليس فقط من هم في الوظيفة العمومية.
مسقط - يلاقي مشروع قانون الحماية الاجتماعية الذي أحالته مؤخرا الحكومة العمانية إلى المجلس التشريعي لمناقشته والمصادقة عليه، تفاعلا إيجابيا واسعا في الأوساط الشعبية والنيابية داخل السلطنة.
ويستهدف المشروع الريادي تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في عمان، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي تضمنتها رؤية عمان 2040، ويحوز على اهتمام كبير ومتابعة خاصة من قبل السلطان هيثم بن طارق.
ويأمل العمانيون في أن تجري المصادقة قريبا على هذا القانون الذي يعد في حال تمريره أحد أهم التشريعات التي أقرت في السلطنة خلال العقد الأخير، لما تضمنه من مزايا كبيرة ستطال مختلف الشرائح العمرية والاجتماعية.
ويستند مشروع القانون الذي يمكن وصفه بمنظومة متكاملة للنهوض بواقع الفئات الاجتماعية، على الطفرة المالية التي حققتها السلطنة خلال الفترة الماضية، والتي مكنتها من استعادة توازنها المالي الذي اهتز خلال السنوات الماضية بفعل أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط.
وقال جهاد بن عبدالله آل فنه عضو مجلس الشورى إن منظومة الحماية الاجتماعية هي منظومة منبثقة من أولوية رئيسية في رؤية عمان 2040 وهي أولوية الرفاه الاجتماعي.
وأضاف آل فنه أن “مشروع المنظومة جاء بعد فترة حرجة مرت على الجميع وكان من تمظهراتها رفع الدعم عن المحروقات ومن ثم إعادة توجيه الدعم على قطاع الكهرباء والمياه، وغيرها من القرارات التقشفية”.
وأشار عضو مجلس الشورى في تصريحات صحفية إلى أنه بعد تمكن الدولة من سداد مجموعة لا بأس بها من التزاماتها الخارجية، وبعد المرور على فترة تصحيح لبعض أوضاع الدعوم في الفترات السابقة من بداية السبعينات، جاء الوقت لأن يتم توجيه هذه الدعوم للفئات المستحقة ووفق آليات وبرامج واضحة ومنضبطة قانونيا وتشريعيا، وهو ما تضمنه المشروع الجديد.
وأوضح أنه بعد رفع الحكومة مشروع منظومة الحماية الاجتماعية لمجلس عمان يبدأ دور مجلس الشورى حيث ينتظره عمل ثقيل لأن هذا النظام واحد من أهم التشريعات التي ستصدر خلال هذا العقد بأكمله.
ويتضمن مشروع قانون الحماية الاجتماعية شقين: الشق الأول يتعلق بالمنافع المباشرة والتي تحدد الفئات الاجتماعية والعمرية المختلفة، لكي تصل إلى مستحقيها وبطريقة أكثر دقة مما كانت عليه في التقسيم السابق الذي كان يعتمد على أسر الدخل المحدود والضمان الاجتماعي فقط.
ويركز الشق الثاني للمشروع على التأمين على الوظائف والتقاعد سواء للقطاع الخاص أو القطاع الحكومي وكذلك العاملين لحسابهم الخاص والحرفيين والأسر الأقل دخلا.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام محلية، فإن مشروع القانون يخصص “منفعة لكبار السن” وهي منفعة نقدية شهرية لكل عُماني وتستهدف كبار السن لتغطية انخفاض قدرة هذه الفئة العمرية على الكسب، كما يخصص “منفعة الطفولة” وهي منفعة نقدية شهرية لكل طفل وتستهدف المخاطر التي تواجه مرحلة الطفولة.
ويتضمن المشروع الطموح “منفعة دعم دخل الأسر” وهي منفعة شهرية تعتمد في استحقاقها على البحث الاجتماعي موجهة لدعم الأسر الأقل دخلا والأقل فرصا للكسب وهي مرتبطة بعدد أفراد الأسرة والدخل الإجمالي لها، كما نص المشروع على “منفعة الأيتام والأرامل” وهي منحة نقدية شهرية تستهدف الأيتام والأرامل الذين لا يتمتعون بتغطية أنظمة التأمين الاجتماعي أو يتقاضون أنصبة معاشات تقاعدية أقل من الاستحقاق المحدّد في هذه المنحة.
وبحسب المشروع سيحصل الأشخاص ذوو الإعاقة على منحة شهرية وتستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة ممن تستدعي حالتهم الرعاية والدعم، سواء كانت الإعاقة منذ الولادة أو بسبب عارض متأخر.
وفي ما يتعلق ببرامج التأمين الاجتماعي فتشمل “التأمين على مخاطر كبار السن والعجز والوفاة (نظام التقاعد الموحد)” وهو البرنامج التقاعدي الأساسي الموحّد الذي يغطي جميع القطاعات في سوق العمل سواء أكانت حكومية أو خاصة.
وتم تصميم هذا البرنامج بما يوفر التغطية المناسبة لمختلف الفئات والوظائف والمهن في سوق العمل، وقد راعى منح الفئة التي أكملت عشرين سنة خدمة فعلية واستوفت شروط التقاعد في الأنظمة الحالية في تاريخ صدور القانون حق التقاعد الاختياري دون الالتزام بسنوات الخدمة المطلوبة في القانون الجديد مع ضمان قيمة معاشها التقاعدي في تاريخ العمل بهذا القانون.
وتضمن المشروع “التأمين الاجتماعي على إصابات العمل والأمراض المهنية” وهو برنامج تأميني يغطي المؤمّن عليه أثناء إصابة العمل ببدل نقدي عند الإصابة، وتعويضات نقدية عند العجز بحسب نسب العجز المترتبة على الإصابة أو المرض المهني، أو بمعاش تقاعدي في حالات العجز الكلي أو الوفاة بسبب إصابات العمل أو الأمراض المهنية.
وشمل كذلك “التأمين الاجتماعي على مخاطر الأمان الوظيفي” وهو برنامج يغطي المؤمّن عليه في حالات إنهاء الخدمة لأسباب خارجة عن إرادة المؤمّن عليه يحل محل نظام الأمان الوظيفي، وقد طُوّر للتعامل مع بعض التحديات التي تواجه النظام الحالي.
وأقر المشروع التأمين الاجتماعي على إجازات الأمومة وهو برنامج تأميني جديد يُعنى بإجازات الأمومة في إطار منظومة تأمين اجتماعية تكافلية لتعزيز الحماية الاجتماعية للأسرة.
بحسب المشروع سيحصل الأشخاص ذوو الإعاقة على منحة شهرية وتستهدف الأشخاص ذوي الإعاقة ممن تستدعي حالتهم الرعاية والدعم
وشمل أيضا “التأمين الاجتماعي على الإجازات المرضية والإجازات غير الاعتيادية” وهو برنامج تأميني يعدل الاستحقاق الوظيفي من الإجازات المرضية والإجازات غير الاعتيادية إلى استحقاق تأميني لحماية المؤمّن عليه، ونقل الكلفة من صاحب العمل إلى منظومة الحماية الاجتماعية.
وقال آل فنه إن أهمية المنظومة الجديدة تتمثل في قانون التقاعد الجديد؛ لأنه في السابق كانت توجد فئات لا تخضع لأنظمة التقاعد وأصبح من المهم إخضاعها لتلك الأنظمة حماية لها في المستقبل، وكذلك لفتح فرص جديدة للشباب وتشجيعهم على ريادة الأعمال والعمل لحسابهم الخاص وكذلك الأعمال الحرفية؛ وأنه في حال استطاعت المنظومة الجديدة توحيد أنظمة التقاعد لكل هذه الفئات فمن الممكن أن نرى توجه الشباب لمثل هذه القطاعات وعدم الاكتفاء والانتظار للحصول على الفرص الوظيفية في القطاع الحكومي.
واعتبر الناشط والأكاديمي حمود النوفلي في تغريدة عبر حسابه في تويتر أن “المشروع سيشكل نقلة نوعية في الحياة الاجتماعية، وخاصة لأسر الدخل المحدود، والباحثين عن عمل حيث من المؤمل أن تشملهم المنظومة بعد إقرار الضوابط”.
وجرى التمهيد لمشروع قانون الحماية الاجتماعية منذ العام 2021، حينما صدر مرسوم سلطاني يقضي بإنشاء “صندوق الحماية الاجتماعية”، تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري.
وقد تضمنت الموازنة العامة للسنة المالية 2023 التي صادق عليها السلطان هيثم في الأول من يناير الماضي، تخصيص مبلغ 384 مليون ريال عماني لدعم منظومة الحماية الاجتماعية.