تفاؤل حقوقي حذر بعد إلغاء حالة الطوارئ في مصر

بعث قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إيقاف العمل بقانون الطوارئ تفاؤلا لدى الأوساط الحقوقية والقانونية المحلية بأن يعزز هذا القرار المفاجئ الحقوق والحريات في البلاد، لكنها تتخوف من قوانين أخرى مماثلة لحالة الطوارئ تعتبر أنها تعرّض طيفا واسعا من المعارضة لمحاكمات وتحقيقات استثنائية.
القاهرة - قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الإثنين عدم تمديد حالة الطوارئ للمرة الأولى منذ 4 أعوام ونصف العام، حيث فرضها في جميع أنحاء البلاد لأول مرة في التاسع من أبريل 2017 في أعقاب حادث تفجير كنيستين بالتزامن في طنطا والإسكندرية، مع تجديدها كل ثلاثة أشهر.
ووصف المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي في تصريح متلفز القرار بالتاريخي وقال إنه ستتبعه قرارات أخرى مختصة بكل وزارة، لكن مثل هذه القرارات لم تصدر بعد.
ويتوقع حقوقيون ورجال قانون مصريون أن يحقق هذا القرار المفاجئ مكاسب قانونية، منها إلغاء إحالة متهمين إلى المحاكم الاستثنائية، وعودة إمكانية الطعن على الأحكام، ورفع القيود عن الحركة والانتقال والإقامة في أي وقت وأي مكان، وتعزيز الحالة الحقوقية والعمل المدني.
حالة الطوارئ منحت السيسي صلاحيات واسعة مكنته من اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يمثل تهديدا للأمن القومي
لكن ثمة مخاوف في الوقت نفسه من وجود قوانين مقيدة مماثلة لحالة الطوارئ لم تلغ بعد، واستمرار محاكمات وتحقيقات استثنائية، وعدم اتخاذ إجراءات بالعفو والإفراج عن سياسيين.
وفي العاشر من أبريل 2017 وافق البرلمان المصري على إعلان حالة الطوارئ لمدة 3 شهور، لـ”مواجهة أخطار الإرهاب”، إثر مقتل 45 شخصا في هجومين استهدفا كنيستين شمالي البلاد وتبناهما تنظيم داعش الإرهابي. ثم تم تمديدها 16 مرة، حتى صدر قرار عدم التمديد.وحالة الطوارئ الأخيرة هي الرابعة التي يتم تطبيقها في كامل أرجاء مصر منذ سنّ قانونها في 1958، وجرى فرضها لأسباب تنوعت بين الحرب واغتيال رئيس وفض اعتصامين وتفجيرات إرهابية.
ومنحت حالة الطوارئ الرئيس السيسي صلاحيات واسعة واستثنائية مكنته من اتخاذ إجراءات صارمة ضد معارضين وكل من يمثل تهديدا للأمن القومي.
وتمكنت قوات الأمن خلال السنوات الأربع الماضية من اعتقال الكثير من العناصر الخطرة والتي على صلة بتنظيمات إرهابية، ما وفر قدرا لافتا من الأمن والاستقرار في مصر مما دفع إلى توقيف العمل بقانون الطوارئ.
مكاسب مهمة

شوقي السيد: إلغاء الطوارئ يُعيد المحاكمات إلى طبيعتها
يترتب على إلغاء الطوارئ، وفق حديث شوقي السيد الفقيه الدستوري، “إلغاء المحاكمات الاستثنائية، مثل محاكم أمن الدولة العليا طوارئ وعودة المحاكمات إلى طبيعتها وفقا لقانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات الحاليين”.
وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة غير حكومية)، في بيان الثلاثاء، فإنه لم يكن متاحا الاستئناف أو الطعن على أحكام المحاكم الاستثنائية.
وقال أحمد حلمي محام مصري متخصص في قضايا معارضين إن “الفئة الوحيدة المستفيدة من القرار هي المحبوسون على ذمة قضايا مرجح إحالتها للمحاكمة، وبذلك سيحالون لمحكمة جنايات عادية وستكون لهم الاستفادة من الطعن على الأحكام فيها أمام محكمة النقض”.
وأضاف حلمي، عبر صفحته بفيسبوك الثلاثاء، أن هذا المكسب “هام ومؤثر لتلك الفئة (المتهمون على ذمة قضايا مرجح إحالتها الفترة المقبلة)، إذ أن الأمل في تلك القضايا أغلبه معقود بالطعن بطريق النقض فيها”.
وتابع أن الإجراءات التي تنتج عن إلغاء حالة الطوارئ سيتم تطبيقها بأثر رجعي على أي قضية لم يصبح الحكم فيها باتا (نهائيا)، في إشارة إلى إمكانية الطعن.فيما قال المستشار عبدالله الباجا رئيس محكمة استئناف القاهرة إنه في حال وجود أي قانون أو قرار جديد، يتم تطبيق الأصلح للمتهم.
ومن أبرز الآثار التي تُفرض بإعلان حالة قانون الطوارئ وتلغى بإلغائها، هي حظر التجول جزئيا وكليا وأوامر عزل مناطق أو إخلائها والقيود على الحركة والانتقال والإقامة في أي وقت وأي مكان، وفق القانون ذاته.
ورأى عبدالحافظ أن إنهاء الطوارئ يؤدي إلى “دعم الخطوات التي من شأنها أن تعزز الحريات والحقوق، وتحقق انفراجة بمجال حقوق الإنسان والعمل الأهلي بكافه أنواعه، بما يحقق الحياة الكريمة للمواطن”.ووفق سعيد عبدالحافظ عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (رسمي)، لوكالة الأنباء الرسمية، فإن السيسي تعهد في إعلان أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، بأن تتخذ الدولة خطوات لتعزيز الحريات العامة عبر قرارات، منها إنهاء حالة الطوارئ وكافة الآثار المترتبة عليها.
مخاوف حقوقية
لم ير المحامي والحقوقي المصري ناصر أمين أهمية كبرى من إلغاء حالة الطوارئ، حيث قال عبر صفحته في فيسبوك إن “كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس تم نقلها إلى قوانين أخرى، مثل قانوني مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية، وهي مازالت سارية ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ”.
ورحبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية،(غير حكومية)، بقرار السيسي لكنها قالت إن هذه الخطوة “ستكون قاصرة، خاصة مع تشريعات أخرى شرعنت أغلب صلاحيات قانون الطوارئ، وأدخلتها إلى القوانين الجنائية بشكل دائم”.

سعيد عبدالحافظ: قرار إنهاء الطوارئ يدعم الخطوات التي تعزز الحقوق والحريات
ووفق المبادرة المصرية، فإن المحاكم الاستثنائية بنص قانون الطوارئ ستستمر في النظر في جميع القضايا التي أُحيلت إليها بالفعل من قبل النيابة العامة أو التي شرعت في نظرها قبل الإلغاء.
ودعت المبادرة إلى وقف هذه المحاكمات والإفراج عن المتهمين فيها، “خاصة وأن أغلبهم قد تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي (عامين)”.
ويتفق مع هذا التخوف المحامي أحمد حلمي قائلا إن هذه القضايا “لن تحال لمحاكم عادية، ولكن تستمر المحكمة في نظرها والحكم فيها بصفتها محكمة طوارئ، وبالتالي الحكم فيها غير قابل للطعن بالنقض ويقدم فيها فقط تظلم للحاكم العسكري”.
وأردف “بخصوص النيابة المختصة بعرض المتهمين، فلا أثر أيضا للقرار عليها حيث أن نيابة أمن الدولة أحد أفرع النيابة النوعية، وعملها مستمر منذ إنشائها حتى الآن ولا يتعلق بفرض حالة الطوارئ أو إلغائها، وبالتالي بحسب توزيع النائب العام لاختصاص القضايا، تظل اختصاصات نيابة أمن الدولة كما كانت دون تغيير”.
أما الحقوقي المصري نجاد البرعي فقال عبر صفحته بموقع فيسبوك “طبعا رفع حالة الطوارئ خبر مطمئن، لكنه بالنسبة إلي لن يكون خبرا سعيدا ما لم تنعكس آثاره على الأرض”.
واقترح البرعي مطالب، بينها الإفراج عن محبوسين احتياطيا لمدد تصل بعضها إلى 3 سنوات من دون محاكمة.

نجاد البرعي: رفع حالة الطوارئ خبر مطمئن يجب أن ينعكس على الواقع
كما قال السياسي والأكاديمي حسن نافعة عبر حسابه بتويتر “أرحب بشدة بقرار الرئيس السيسي عدم مد حالة الطوارئ، وآمل أن تعقب هذه الخطوة الجريئة خطوات أخرى تنتهي بالإفراج عن كافة السياسيين المحبوسين وإلغاء قرارات حظر السفر والتحفظ على الأموال”.
لكن هذا المقترح يتطلب قرارا رسميا داعما له، إذ قال المحامي حلمي إنه “بالنسبة إلى قضايا الحبس الاحتياطي وتجديد الحبس، فقرار الإلغاء لحالة الطوارئ ليس له أثر قانوني عليها”.
وزاد “بخصوص أوضاع المعتقلين، وهل إلغاء القرار (الطوارئ) يدل على انفراجة بملفهم من عدمه، فهذا الملف القرار فيه سياسي لا علاقة له بقرارات قضائية.. وأي طرح لتلك الكلمات هو من قبيل التوقعات التي لا سند لها من الواقع”.
وعادة ما تؤكد مصر التزامها بتطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان، وتنفي وجود معتقلين سياسيين لديها، وتقول إن جميع المحبوسين هم على ذمة قضايا جنائية بعضها مرتبط بـ”التحريض على الإرهاب والعنف”.