تغيّر المناخ والحرب ينهكان منتجي العسل في سوريا

الحرب أفرزت أزمة اقتصادية خانقة ضاعفت حدتَها عقوبات تفرضها دول غربية على دمشق.
الجمعة 2023/09/29
قطاع في مهب الريح

رنكوس (سوريا) - يجد معظم النحالين في سوريا أنفسهم عالقين بين منغصات تغير المناخ الذي أثر على تربية النحل وعمليات إنتاج العسل، وقلة الدعم الحكومي جراء مخلفات الحرب التي أنهكت المنتجين.

وشكلت الحرب التي شهدتها سوريا منذ 2011 بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية المدعومة من تركيا كابوسا للنحالين، حيث كانت معظم عمليات إنتاجهم تندرج ضمن مسعى تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلية، والفائض كان يذهب إلى التصدير.

ورغم أن تحسن الوضع الأمني في عدة محافظات اشتهرت بإنتاج العسل، من بينها العاصمة دمشق ومحافظتا درعا وحماة، سمح لآلاف العائلات النازحة بالعودة إلى منازلها وإعادة إحياء أعمالها، فإنها تجد صعوبة بالغة في تحقيق طموحاتها في هذه الصناعة. وفي أرض شبه قاحلة، لولا عدد قليل من الأشجار قرب دمشق، يعاين إبراهيم ضميرية قفران النحل بحثاً عن العسل الذي انحسر إنتاجه على وقع النزاع وتبعات الجفاف.

ويقول الستيني ضميرية من خلف قناع، بينما يرتدي زياً أبيض اللون يقيه لسعات النحل، لوكالة فرانس برس “لم يكن ينقصنا سوى جنون الطقس، لقد استنزفتنا الحرب أساساً حتى أنه لم يعد بمقدورنا تحمّل نفقات تربية النحل”.

إياد دعبول: قفران النحل انخفضت إلى 150 ألفا في أوج النزاع عام 2016
إياد دعبول: قفران النحل انخفضت إلى 150 ألفا في أوج النزاع عام 2016

وقبل اندلاع النزاع كان ضميرية يمتلك أكثر من مئة قفير، لم يبق منها اليوم إلا أربعون، تعود عليه بإنتاج ضئيل.

وفي بلدته رنكوس، التي نالت نصيبها من الدمار والتهجير جراء النزاع، يقول ضميرية “إذا استمرت المشاكل التي نواجهها من ناحية تغيّر المناخ وغلاء الأسعار فمن الممكن أن أتخلى عن المهنة بشكل كامل”.

وأفرزت الحرب أزمة اقتصادية خانقة ضاعفت حدتَها عقوبات تفرضها دول غربية على دمشق. وتراجعت قدرة المواطنين الشرائية حتى باتوا عاجزين عن توفير أبسط احتياجاتهم وسط ارتفاع كبير في أسعار المواد الأساسية.

ويتنقّل ضميرية بين صناديق النحل المطلية باللونين الأخضر والأبيض، التي تلقّاها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضمن أحد مشاريعها التنموية في سوريا.

وتشتهر بلدة رنكوس بصناعة العسل، لكن موجات الحرّ الشديد، وقبلها البرد القارس أثناء فصل الربيع، قضت على مساحات من النباتات المزهرة التي يتغذّى النحل من رحيقها.

وانخفض عدد قفران النحل في سوريا من 635 ألف قفير قبل النزاع إلى 150 ألفاً عام 2016 حين كان النزاع في أوجه، قبل أن يعود ويتحسّن تدريجياً، وفق قول رئيس اتحاد النحّالين العرب إياد دعبول.

وألحق النزاع، وفق تقرير للأمم المتحدة عام 2019، أضراراً بإنتاج العسل الذي كان يعدّ صناعة تقليدية في البلاد، مع انخفاض عدد القفران بنسبة 86 في المئة جرّاء الدمار أو الإهمال بدءا من ريف دمشق وصولاً إلى اللاذقية.

وساهم استخدام القنابل على نطاق واسع خلال المعارك في مفاقمة التلوث، بينما يتسبّب سوء استخدام المبيدات وانتشار الطفيليات التي تهاجم الخلايا في ارتفاع معدّل وفيات النحل، وفق التقرير ذاته.

وتوجد في سوريا اليوم 400 ألف قفير بلغ إنتاجها خلال العام الحالي نحو ألف و500 طن من العسل إلى حد الآن، مقارنة مع ثلاثة آلاف طن عام 2010. وتراجع أيضاً عدد مربّي النحل من 32 ألفاً إلى 18 ألفاً.

ويشرح دعبول أن “تطرّف المناخ أثّر كثيراً على النحل وخاصة في فصل الربيع الذي يُشكّل أساس دورة حياته” لاسيما مع “انخفاض درجات الحرارة في موسم الحمضيات الذي يشكّل مرعى أساسياً للنحل”.

كما أدى ارتفاع درجات الحرارة، في ظاهرة تزداد عاماً بعد عام، إلى اندلاع عشرات الحرائق في المناطق الحرجية. وأودى ذلك، وفق دعبول، “بأكثر من ألف خلية نحل في جبال الساحل، وحرمان النحل من مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية”.

500

طن من العسل يتوقع إنتاجها في 2023 مقارنة مع ثلاثة آلاف طن في عام 2010

وتنعكس مظاهر التغيّر المناخي، من تصحّر وتراجع الأمطار وجفاف الأنهر وتطرّف درجات الحرارة بعكس الفصول، لا على النحل فحسب، بل أيضاً على الغطاء النباتي والمحاصيل الزراعية.

وأدى النزاع وتداعيات التغير المناخي، وفق المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سهير زقّوت، إلى “خفض الإنتاج الزراعي في سوريا بنحو خمسين في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة”.

وسوريا من البلدان المتأثرة بالتغير المناخي تأثرا شديدا. لكنها أيضاً، بحسب زقوت، “من أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل بهدف مواجهة التغير المناخي”.

وعلى غرار منظمات دولية أخرى تخصّص برامج لدعم تربية النحل في سوريا، وزّعت اللجنة بالتعاون مع منظمات محلية المئات من قفران النحل ومستلزمات تربيته على مربين ومزارعين في مدن سورية عدة.

وتقول زقوت لفرانس برس إن اللجنة تحاول مساعدة الناس “على التكيّف مع تغيرات المناخ لعدم قدرتهم على ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إلى جانب تبعات الحرب والعقوبات”.

وفي أحد بساتين رنكوس يقطف المزارع ومربي النحل زياد رنكوسي ثمار تفاح تالفة من شجرة يبست أغصانها جراء قلة المياه.

ويتحسّر على أرض كانت تضمّ أكثر من ألف شجرة، لم يبق منها اليوم سوى 400 جراء الإهمال وتراجع الأمطار من ناحية، وتلف جزء كبير منها خلال فترة المعارك من ناحية أخرى.

وغالباً ما يقطع السكان الأشجار لاستخدامها في التدفئة خلال فصل الشتاء الذي يحلّ قارساً في تلك المنطقة، في ظل شحّ محروقات مزمن تعيشه سوريا في السنوات الأخيرة وانقطاع طويل في التغذية بالكهرباء.

وقال رنكوسي “منذ نحو خمس سنوات، يأتينا قحط وتصحّر لم نعتد عليهما، وهذا العام أتتنا موجة برد قارس (خلال الربيع) وذهب الثمر، وهذه مظاهر غير مألوفة لسكان رنكوس”. وأضاف “عندما تختفي الأشجار والأزهار لا يجد النحل ما يرعاه، فيهجر المنطقة أو يموت”.

10