تغيير محافظ البنك المركزي يؤكد علل الاقتصاد التركي

أنقرة - اعتبر محللون أن إقدام السلطات التركية على تغيير محافظ البنك المركزي، وإن لم تكن الخطوة مفاجئة، يؤكد مدى استفحال العلل في جسد الاقتصاد جراء السياسات التي يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على اتباعها لتجميل المؤشرات.
ويلقي النقاد باللائمة في الاضطرابات الحاصلة على سياسة أردوغان لخفض الفائدة لتعزيز النمو، حيث يتعارض هذا النهج مع التفكير الاقتصادي التقليدي الذي يدعو إلى زيادته لكبح موجات التضخم التي كانت الأقسى منذ أكثر من عقدين.
وعيّن أردوغان الجمعة المسؤولة المالية السابقة في وول ستريت حفيظة غاية أركان حاكمة للبنك المركزي، في مؤشر يقول خبراء إنه يدل على تحوّل محتمل في سياساته غير التقليدية الرامية إلى مكافحة التضخم.
وبذلك أصبحت الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة غريستون للتمويل العقاري والرئيسة التنفيذية المشاركة سابقا لبنك فيرست ريبابليك والمديرة العامة لغولدمان ساكس أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد.
وستكون أركان التي نُشر خبر تعيينها في الجريدة الرسمية، خامس من يتولى رئاسة المركزي في أربع سنوات، وستحل محل شهاب قافجي أوغلو الذي خفض معدلات الفائدة رغم قيام البنوك المركزية حول العالم بعكس ذلك لمواجهة التضخم.
وتوجهات أركان غير واضحة، إذ ليست لديها خبرة في السياسة النقدية الرسمية عبر مسيرتها المهنية التي تشمل وول ستريت ومجالس إدارة شركات أميركية، وتعليمها الذي تلقته في آيفي ليج وتضمن حصولها على الدكتوراه في الهندسة المالية من جامعة برينستون.
ورافق الإعلان عن تعيين أركان قرار تعيين قافجي أوغلو الذي تسببت سياساته في انهيار تاريخي للعملة في 2021 ودفعت التضخم إلى ذروة 24 عاما عندما تجاوز 85 في المئة العام الماضي رئيسا لهيئة التنظيم والرقابة المصرفية بي.دي.دي.كي.
وخفض المركزي الفائدة إلى 8.5 في المئة من 19 في المئة في عام 2021، وتدار الليرة إلى حد بعيد من خلال العشرات من اللوائح التي تغطي الائتمان والصرف الأجنبي.
وتقهقرت قيمة العملة المحلية مسجلة سلسلة من أدنى مستوياتها على الإطلاق خلال هذا الأسبوع، وجرى تداولها عند نحو 23.5 عقب هذا التغيير، بالقرب من أدنى مستوى قياسي لها.
وتراجع معدل التضخم إلى أقل من 40 في المئة في مايو الماضي للمرة الأولى منذ 16 شهرا. ويعتقد خبراء اقتصاد مستقلون بأنه أعلى من ذلك بكثير وحددوه عند أكثر من مئة في المئة.
وكشف أردوغان الذي بدأ ولاية رئاسية ثالثة عن حكومته الجديدة السبت الماضي وعين محمد شيمشك خبير الاقتصاد السابق لدى ميريل لينش وزيرا للمالية، في مؤشر آخر على تحوّل في السياسات.
والمعروف أن شيمشك الذي كان في السابق وزيرا للمالية ونائبا لرئيس الوزراء في حكومات سابقة يعارض سياسات أردوغان غير التقليدية المتمثلة بخفض معدلات الفائدة لمواجهة التضخم.
ويشير محللون إلى أن المستثمرين غير مهتمين بدرجة الموهبة لدى الفريق الاقتصادي الجديد بقدر اهتمامهم بقدرتهم على مقاومة الضغط من أردوغان الذي سبق ووصف معدلات الفائدة المرتفعة بأنها “أساس الشر كلّه”.
وقال خبير الاقتصاد المتخصص بالأسواق الناشئة تيموثي آش على تويتر إنه “سيتم الحكم على شيمشك وأركان بناء على التحرّكات المرتبطة بالسياسة النقدية والتضخم والليرة”.
وتشمل التحديات الرئيسية التي تواجهها أركان هذا العام إصلاح جو العمل في البنك المركزي، بحسب كبير الخبراء الإستراتيجيين المتخصصين بالأسواق الناشئة إريك مييرسون.
وقال على تويتر "تم تطهير وإعادة تعيين وخفض رتب ونبذ العديد من أفضل خبراء الاقتصاد، وهناك مواهب كامنة يجب أن تسعى لجذبها. لكن هل سيرغبون بالعودة؟".
وسيعتمد نجاح أركان كذلك على مدى استقلالية السياسات التي ستتمتع بها في عهد أردوغان، وفق نك ستادميلر رئيس وحدة المنتجات المالية لدى ميدلي غلوبال أدفايزرز.
ونقلت بلومبرغ عن ستادميلر قولها "نأمل أن يمثل تعيين أركان تحسناً بالمقارنة مع سياسات سلفها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان أردوغان سيسمح للبنك المركزي بزيادة أسعار الفائدة بما يكفي لخفض التضخم".
وأقال أردوغان في الماضي حكاما للبنك المركزي بعد خلافات بشأن معدلات الفائدة، في خطوة أثارت قلق المستثمرين.
وبعد مدة قصيرة من توليه منصبه، قال شيمشك "لا خيار لدينا غير العودة إلى العقلانية"، في مؤشر على الابتعاد عن سياسة المعدلات المنخفضة.
وقال شيمشك على تويتر بعد تراجع الليرة "بينما نواجه تحديات داخلية ودولية، نؤكد التزامنا بصناعة القرارات المبنية على القواعد لتعزيز القدرة على وضع توقعات".
وتابع "لا يوجد طريق مختصر أو حلول سريعة، اطمئنوا بأن خبرتنا ومعرفتنا وتفانينا ستساعدنا على تجاوز أي عوائق محتملة" و"تتمثل أولويتنا بتعزيز فريقنا وتصميم برنامج يمكن الوثوق به".