تغيير على رأس الدبلوماسية العمانية يشير الى منعطف في السياسة الخارجية

بدر البوسعيدي عضو الأسرة الحاكمة يخلف يوسف بن علوي في منصب وزير الخارجية.
الأربعاء 2020/08/19
تغيير مهم في السياسة الخارجية

مسقط - دعّم التغيير الذي أحدثه سلطان عمان هيثم بن طارق على رأس وزارة الخارجية سلسلة المؤشّرات التي تواترت خلال الفترة الأخيرة والتي تدل على أنّ السلطنة بصدد إجراء تعديلات مهمّة على وجهة سياستها الخارجية؛ وذلك في ضوء الحاجات المستجدّة للسلطنة، والتي تقتضي الخروج من حالة “الحياد” إزاء بلدان الخليج وقضاياها باتّجاه المزيد من التقارب مع تلك البلدان، والانخراط معها في تعاون سياسي واقتصادي أوسع نطاقا، حيث لم تعد الظروف الطارئة، وخصوصا الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا وعن تهاوي أسعار النفط، تسمح لمسقط بالمزيد من التغريد خارج السرب الخليجي.

وتمّت، ضمن إعادةِ تشكيلٍ لمجلس الوزراء العماني أجراها السلطان هيثم بن طارق وأُعلن عنها الثلاثاء، إزاحة الوجه التاريخي للخارجية العمانية، يوسف بن علوي بن عبدالله الموجود على رأس الدبلوماسية العمانية منذ ثلاثة وعشرين عاما، وعُين مكانه عضو الأسرة الحاكمة بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي.

ولا تمثّل السياسة الخارجية لعمان المجال الوحيد الذي طالته بصمات التغيير التي شرع السلطان هيثم بن طارق في وضعها على السياسة العامّة للسلطنة باتجاه تخليصها من حالة التكلّس والبطء والتواكل على شخص السلطان التي طبعت تلك السياسة لعقود طويلة.

وأظهرت إعادة تشكيل مجلس الوزراء اتساع مدى التغيير تنفيذا لما تعهّد به السلطان هيثم بعد توليه السلطة. وجاء التغيير الحكومي بسلطان بن سالم بن سعيد الحبسي وزيرا للمالية.

وكان لافتا تولي تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد رئاسة البنك المركزي، وهو شخصية مرموقة في السلطنة، حيث كان اسمه متداولا ضمن تراتبية المرشّحين لتولي عرش السلطنة بعد اسم والده الذي كان مرشحا لخلافة السلطان قابوس مباشرة.

كما حَلت المراسيمُ السلطانية ودَمجت هيئات حكومية في وزارات جديدة، وأعادت تسمية كيانات وتعريف مهامها، وذلك في مؤشر على عمق التغييرات التي يريد السلطان هيثم بن طارق إجراءها والتي ترتقي إلى مرتبة إعادة صياغة كاملة للمفاهيم السياسية والنظم الإدارية التي تدار السلطنة وفقها.

ورأى متابعون للشأن العماني أنّ التغيير الذي أحدثه السلطان هيثم بن طارق على رأس وزارة الخارجية جاء بمثابة تهيئة للأرضية من أجل اتخاذ سلسلة من القرارات والإجراءات المهمّة في مجال السياسة الخارجية.

ولسنوات طويلة ارتبط اسم يوسف بن علوي بالدبلوماسية المتفرّدة التي أرساها سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد والتي تميّزت بشدّة التكتّم والعمل بعيدا عن الأضواء، لكن ميزتها الأهم تجسّدت في براعتها الاستثنائية في مسك العصا من وسطها والتوازن على حبل المتناقضات، حيث ظلّت مسقط حليفا موثوقا به لدى واشنطن وعواصم الغرب عموما، دون أن يكلّفها ذلك تقليص حجم التواصل والتعاون والتنسيق مع إيران الخصم اللّدود للولايات المتّحدة.

توقعات بأن يتخذ بدر البوسعيدي خطوة إلى الوراء في العلاقة مع إيران
توقعات بأن يتخذ بدر البوسعيدي خطوة إلى الوراء في العلاقة مع إيران

ولم يستبعد مراقبون أن تخطو الدبلوماسية العمانية بقيادة وزير الخارجية الجديد بدر البوسعيدي خطوة إلى الوراء في العلاقة المتينة التي ظلت لسنوات طويلة تربط بين عمان وإيران، في ظل تعاظم التساؤلات عن الفائدة التي تجنيها السلطنة من وراء تلك العلاقة، فيما الفوائد التي تجنيها طهران واضحة للعيان وأقلّها فكّ عزلتها وشقّ الصف الخليجي ومنع تشكيل جبهة إقليمية موحّدة ضدّها. ومن التغييرات الكبيرة المنتظرة أيضا في العلاقات الإقليمية للسلطنة، ترسيم العلاقة مع إسرائيل اقتداء بالخطوة التي اتّخذتها دولة الإمارات وباركتها سلطنة عمان.

ولن تحتاج مسقط في ذلك إلى ما هو أكثر من إخراج العلاقات التي ربطتها دائما بتل أبيب من طور السرية إلى طور العلن، وكانت قد شرعت في ذلك بالفعل عندما استقبل سلطان عمان السابق قابوس بن سعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة مسقط في أكتوبر 2018.

غير أنّ ما يظل في حكم المؤكّد، تحقيق المزيد من التقارب والتعاون بين سلطنة عمان ودول الخليج، وهو ما شرعت مسقط في تطبيقه بشكل عملي مع دولة الإمارات العربية المتّحدة بعد سنوات من الفتور النسبي الذي ساد العلاقة بين البلدين.

وعجّلت الظروف المالية والاقتصادية الضاغطة على مسقط خطوات تقاربها مع أبوظبي. وكان اختيار سلطنة عمان لبنك أبوظبي الأول وبنك مسقط من أجل ترتيب القرض العاجل من السوق الدولية معبّرا عن ارتفاع منسوب الثقة بين البلدين بعد التغيير الذي وقع مطلع العام الجاري على رأس هرم السلطة في عمان.

ويقول مراقبون إنّ الانفتاح على الإمارات، كما على السعودية، يعطي عُمان فرصة لتطويق مخلفات الأزمة، كما يعطي السلطان هيثم أوراقا بيده لتنفيذ الوعود التي قطعها أمام العمانيين في خطاب تولي العرش.

ويعتقد محللون أن التحوّل الهادئ في المواقف العمانية نحو العمق الخليجي، وتحريك العلاقة مع الإمارات، لا يمكن تفسيرهما فقط بالحاجة الاقتصادية لدى مسقط، وإن كان هذا العنصر عاملا مهما في تسريع هذا التمشي.

ويشير هؤلاء المحللون إلى أن التقارب مع الإمارات وليد مراجعة هادئة يقوم بها السلطان هيثم لعلاقات بلاده الإقليمية سواء ما تعلق بالعلاقات الثنائية أو ما اتصل بالمواقف من القضايا المثيرة للجدل، مثل الموقف من إيران والحوثيين، وهي مواقف أظهرت عُمان أبعد من الرياض وأبوظبي وأقرب إلى طهران، وهو ما يعمل السلطان هيثم على تصويبه دون ضجيج.

ويمثّل تعيين وزير جديد للخارجية العمانية من داخل الأسرة الحاكمة الشروع العملي في جسر الهوة بين سلطنة عمان وأشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول عند مباشرة مهامه على أولوية العمق الخليجي.

1