تغييرات واسعة تطال السلطة التنفيذية في مصر على أمل تحسين الآداء

تزامن أداء الحكومة الجديدة في مصر اليمين الدستورية مع تغييرات واسعة شملت المحافظين في محاولة لامتصاص غضب الشارع المصري حيال أداء السلطة التنفيذية الذي اتسم بالتخبط والعجز عن إيجاد حلول ناجعة للملفات الاقتصادية والاجتماعية الملحة.
القاهرة - أدى وزراء الحكومة المصرية الجديدة اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، بعد تغييرات طالت عددا كبيرا من الحقائب الوزارية، وضمت وزراء من مراحل عمرية شابة، تزامنًا مع تغييرات أخرى واسعة في حركة المحافظين ويتولون مهمة العمل التنفيذي المحلي في الأقاليم.
وعبّر التغيير في الوزراء والمحافظين عن رغبة سياسية لتحسين الأداء التنفيذي، ومحاولة تفكيك أزمات عديدة بسبب ضعف قدرة المسؤولين في الحكومة السابقة على التعامل مع تحديات مجتمعية واقتصادية، قادت لتململ شريحة كبيرة من المواطنين.
شهدت التغييرات التي طالت الهياكل العليا للمؤسسات التنفيذية في مصر تعيين 20 وزيرا جديدا، و23 نائبًا للوزراء، مع تعيين نائبين لرئيس الحكومة بعد أن غاب هذا المنصب عن التشكيل السابق، ما يشير لرغبة في تحقيق قدر من التجانس في إدارة ملفات، تشكل أهمية قصوى للدولة عقب انتقادات واجهتها الحكومة المستقيلة بالعمل في جزر منعزلة.
وتضمنت التعديلات تعيين الفريق كامل الوزير، وكان يشغل منصب وزير النقل وأصبح مسؤولاً عن وزارتي النقل والصناعة والتجارة الخارجية، نائبًا لرئيس الحكومة لشؤون الصناعة، وخالد عبدالغفار ويشغل منصب وزير الصحة نائبا لشؤون الموارد البشرية. وطال التغيير وزارات سيادية، حيث تمت ترقية اللواء أركان حرب عبدالمجيد صقر (محافظ السويس) إلى رتبة فريق أول وتعيينه وزيرا للدفاع، والسفير بدر عبدالعاطي وزيرا للخارجية، والمستشار عدنان فنجري وزيرا للعدل.
وبعث هذا التغيير رسائل للرأي العام، مفادها أن التشكيل الوزاري الجديد ليس مجرد استبدال أشخاص بآخرين، وأن الأمر يعبر عن تعديلات في توجهات وسياسات عامة، قد تخفف من حدة الانتقادات الموجهة لإعادة تكليف رئيس الحكومة مصطفى مدبولي.
وتضمن التغيير الإطاحة بوزراء المجموعة الاقتصادية الذين وقع عليهم الجزء الأكبر من الانتقادات الفترة الماضية، وجرى تعيين الوزير أحمد كوجاك وزير للمالية خلفا لمحمد معيط، وكريم بدوي وزيراً للبترول خلفا لطارق الملا، ومصطفى كامل عصمت وزيراً للكهرباء خلفا لمحمد شاكر، وإسناد وزارة التجارة والصناعة إلى وزير النقل. وكان الغرض من ذلك امتصاص غضب شعبي كان من الواجب التعامل معه بإيجابية عبر تنفيذ برنامج إصلاح جديد وتغيير من قاموا بعملية تنفيذ السياسات بشكل خاطئ.
وكشفت الإطاحة بغالبية المحافظين والإبقاء على 6 فقط من الوجوه القديمة، وتعيين 32 نائبًا في المحافظات المختلفة عن حراك على مستوى الإدارة المحلية التي تشكل بؤرة فساد فشلت الجهات التنفيذية السابقة في التعامل معها، في محاولة لتحسين الأداء الخاص بالخدمات المقدمة للمواطنين وتشكل أحد أسس الاستقرار السياسي والأمني.
وقال النائب في البرلمان المصري أحمد بلال لـ”العرب” إن التعرف على اتجاهات الحكومة بحاجة لوقت، لأن معظم الشخصيات التي تمت الاستعانة بهم هذه المرة ليسوا معلومين بالنسبة لعدد كبير من المصريين، والنظرة الأولية للحكومة الجديدة يحكمها بيانها الأول المفصل لها أمام البرلمان، والمقرر أن يلقيه رئيسها الاثنين المقبل، وأن الخطوط العامة الظاهرة لا تكفي للتيقن من تحسن جودة الأداء وتعديل السياسات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن وضع برنامج تفصيلي بفترة زمنية محددة ومتابعته من جانب البرلمان أول خطوات نجاحها في تحسين الأوضاع، وأولوياتها يجب أن تتمثل في التعامل مع زيادة أسعار السلع والخدمات ومواجهة ارتفاع التضخم، وحل مشكلات نقص الأدوية، وتوفير المستلزمات الطبية، وحل مشكلات الخبز. وأشار بلال، وهو ينتمي لحزب التجمع اليساري، إلى أن إجراءات إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين هي الملف الأكثر صعوبة، والذي يشكل تهديداً للأمن القومي، وقدرة الأشخاص الحاليين على تحقيق هذا الهدف ليست سهلة في ظل جملة من المشكلات المعيشية.
وذكر أن رئيس الحكومة لم يتغير ويصعب إقناع المواطنين بوجود تغيير في السياسات القائمة، وخطوات الاستدانة من الخارج تسير بالقدر ذاته، وتبقى مسألة تغيير الأشخاص ليست ذات جدوى لمن ينتظرون تحقيق طفرات في الأداء الحكومي، ينعكس سريعا على حياتهم اليومية.
ويسهم منح الوزراء الجدد صلاحيات العمل الكاملة وصياغة البرامج الخاصة بوزاراتهم في إحداث تغيير إيجابي، وأن عقد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لقاءات مع عشرات من المرشحين في الوزارات المختلفة يبرهن على أهمية التعرف على رؤيتهم للتعامل مع الملفات الحيوية في كل وزارة.
وبعث تعيين وزير للتعليم له خبرات في إدارة المدارس الخاصة برسائل على أن خصخصة قطاع التعليم ضمن اهتمامات الوزارة الجديدة، كذلك الوضع بالنسبة للإبقاء على وزير الصحة خالد عبدالغفار وتعيينه نائبًا لرئيس الوزراء بعد أن واجه انتقادات جراء برنامج تأجير المستشفيات الحكومية وخصخصة جزء من الخدمات التي تقدمها.
وأكد الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي أن المناخ الذي يُهيِّئ للتغيير الإيجابي لنمط الحياة في مصر بحاجة للمزيد من العمل، وفتح المجال العام أمام الإعلام وإطلاق سراح سجناء الرأي ممن لم يتورطوا في أعمال عنف وإرهاب وتعديل البنية القانونية المرتبطة بالحبس الاحتياطي وإقرار القائمة النسبية في انتخابات البرلمان المقبل، كلها قرارات يجب أن تُكمل اتجاه القيادة السياسية للتغيير الواسع.
وأوضح سامي في تصريح لـ”العرب” أن اتخاذ قرارات ملموسة تخفف من مشكلات انقطاع الكهرباء، والسيطرة على الأسعار، والاهتمام بمشروعات الطاقة الإنتاجية المحلية، وتطوير القطاعات الصناعية والزراعية، تسهم بشكل مباشر في تحقيق الدعم المطلوب للحكومة الجديدة لتؤدي عملها، وأن المعارضة لديها رغبة في أن تحقق الحكومة نجاحات تعزز استقرار الوضع الداخلي.
وأشار إلى أن "فوبيا" أو الخوف من اختيار شخصيات لها خلفية عسكرية في مواقع محلية في محافظات عدة أمر ليس في محله، لكن من المهم جودة الأداء دون النظر إلى هوية الأشخاص، وأن البيئة المحلية بحاجة لصرامة وحزم. وتم اختيار 17 سيدة في مناصب قيادية متعددة في الحكومة الجديدة وبعض المحافظات، وهي خطوة جيدة تعزز تمكين المرأة، لكن الحكم عليها يتوقف على ما يحققنه من نجاحات على الأرض.
وحظيت عملية اختيار قيادات شبابية بترحيب دوائر سياسية رأت أن تمكين الشباب ينبع من منحهم فرصة للوصول إلى مناصب قيادية، والاستفادة من خبراتهم التي يتم اكتسابها خلال فترة تواجدهم في تلك المناصب، ولدى هؤلاء قناعة بأن ضيق أفق مسارات التطور السياسي المتعارف عليها يجعل هناك ترحيبا باختيار نماذج تشكل قاعدة اختيار مستقبلية، وأن التواجد داخل الجهاز التنفيذي يختلف عن ممارسة السياسة والعمل العام بسبب ظروف البيروقراطية التي تحتاج لأساليب مبتكرة للتعاطي معها.