تغييرات مرتقبة في الجيش الجزائري تكرس التوافقات الجديدة داخل السلطة

الترقية المسربة تعطي الانطباع بأن الرئيس تبون يكون قد وضع أحد رجال ثقته في موقع قوة أكبر تكفل له ضمان الولاء داخل المؤسسة العسكرية.
الثلاثاء 2023/07/04
الجنرال بات محسوبا على جناح الرئاسة الحالية

الجزائر- يتطلع المتابعون للشأن الجزائري إلى الحركة التقليدية السنوية التي دأبت المؤسسة العسكرية على إجرائها بمناسبة عيد الاستقلال، والتي تشكل في الغالب مؤشرا على طبيعة التوازنات داخل المؤسسة الفاعلة في السلطة، وهو ما تجسد في تسريب حول ترقية مدير الأمن الخارجي الجنرال جبار مهنا إلى رتبة فريق.

وتتحدث تسريبات في الجزائر عن ترقية مدير الأمن الخارجي إلى رتبة فريق وهي الثالثة من نوعها في تركيبة الجيش الجزائري، ولا يحوزها إلا قائد أركان الجيش سعيد شنقريحة، وقائد جهاز الحرس الجمهوري بن علي بن علي.

ويعد جبار مهنا واحدا من الصقور الراديكالية في الجيش الجزائري، فهو ينحدر من نخبة حقبة التسعينات التي قادت الحرب على الإرهاب، ورفعت ورقة الحل الأمني ضد الإسلاميين المسلحين كمقاربة وحيدة لحل الأزمة الأمنية في البلاد، قبل أن يذعن الجميع عسكريين ومدنيين لرغبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في مشروع المصالحة الوطنية والسماح للمسلحين المتمردين بوضع السلاح والاندماج في المجتمع مجددا بداية من العام 1999.

◙ أنباء بشأن ترقية مدير الأمن الخارجي إلى رتبة فريق تمهد الطريق لتبون للمرور إلى ولاية رئاسية ثانية

لكن اللافت في مسار مهنا، الذي سجن خلال السنوات الأخيرة بتهمة التربح غير المشروع وعصيان الأوامر العسكرية، أنه لم يعد إلى الواجهة إلا بعد تراجع نفوذ الجناح الذي كان يقوده قائد أركان الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، نهاية العام 2019، ليشغل مناصب مهمة في هرم المؤسسة بداية من دائرة محاربة التشويش والتخريب في جهاز الاستخبارات ثم مديرية الأمن الخارجي.

ويذكر مصدر مطلع بأن مهنا، المحسوب على نخبة العسكر الراديكاليين، بات محسوبا على جناح الرئاسة الحالية، فقد كان للرئيس عبدالمجيد تبون دور فاعل في إرجاعه لشغل مناصب مهمة في المؤسسة العسكرية، وبذلك بعُد نسبيّا عن الجناح الذي ينحدر منه، وهو المعروف بـ”الدولة العميقة” التي كان يديرها مدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال محمد مدين (توفيق).

وإذ لم تتضح معالم الحركة الداخلية بالإعلان عن الترقيات والإقالات في ثوب الإحالة على التقاعد، فإن الترقية المسربة تعطي الانطباع بأن الرئيس تبون يكون قد وضع أحد رجال ثقته في موقع قوة أكبر تكفل له ضمان الولاء داخل المؤسسة العسكرية، تحسبا للمرور إلى ولاية رئاسية ثانية نهاية العام القادم، بعيدا عن الاعتراضات الممكنة من طرف ضباط وقيادات عسكرية.

وتندرج المهمة الحالية للضابط جبار مهنا في إطار الخيارات والقرارات الدبلوماسية والشؤون الخارجية، خاصة ما تعلق منها بالملفات الشائكة على غرار العلاقات الجزائرية – الفرنسية، والعلاقات الجزائرية – الروسية، فضلا عن الأزمات القائمة مع المغرب وإسبانيا، فهو يعد من المتشددين بشأن القطيعة مع الرباط.

وطيلة العقود الماضية وُصفت المؤسسة العسكرية -ولا تزال توصف- بـ”صانعة الرؤساء” المدنيين في الجزائر، فقد حسمت المؤسسة صراع عبدالعزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي في نهاية السبعينات لصالح العقيد الشاذلي بن جديد، ووقفت وراء الجنرال اليامين زروال، ثم بوتفليقة نهاية التسعينات، ورغم أن الأخير نفذ انقلابا أبيض على نفوذ المؤسسة لصالح قوى مدنية، إلا أن الجيش عاد بقوة في التفرد بالشأن السياسي في البلاد بمقدم الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون.

◙ للرئيس عبدالمجيد تبون دور فاعل في إرجاع جبار مهنا لشغل مناصب مهمة في المؤسسة العسكرية
للرئيس عبدالمجيد تبون دور فاعل في إرجاع جبار مهنا لشغل مناصب مهمة في المؤسسة العسكرية

ومنذ العام 2018 بات يصعب التمييز في الجزائر بين حملة محاربة الفساد داخل الجيش التي قادها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح وبين تصفية الحسابات السياسية والولاءات، حيث يتواجد في السجون والمنفى أكثر من 30 جنرالا والعشرات من العقداء والضباط السامين.

ومنذ قدوم قائد الجيش الحالي سعيد شنقريحة تراجعت وتيرة الإقالات والتوقيفات المفاجئة أو المثيرة للجدل، واتخذت من المناسبات التقليدية -خاصة احتفالات عيد الاستقلال المصادف للخامس من شهر يوليو- فرصة للإعلان عنها من أجل إضفاء حالة الاستقرار والانسجام داخل المؤسسة.

ويظهر تناغم لافت في خطابات الرئاسة وقيادة الجيش الحالية، حيث لا يفوّت الطرفان فرص تبادل رسائل الغزل والتناغم، فكثيرا ما يعبر الفريق أول سعيد شنقريحة عن دعم وتهنئة رئيس البلاد على قرارات سياسية لا تدخل في صلاحيات المؤسسة، بينما يكيل تبون في كل مناسبة المديح والثناء للمؤسسة.

ويسود اعتقاد داخل نخبة الجيش بأن تجربة الرئيس الراحل بوتفليقة، الذي أزاح نفوذها لحساب قوى مدنية، لا يمكن أن تتكرر في ظل وجود إجماع داخلي على أن المؤسسة العسكرية هي العمود الفقري للدولة ولا يمكن لمؤسسة أخرى أن تكون بديلا لها.

لكن ذلك لا يحجب امتعاض فاعلين داخل المؤسسة من أداء الواجهة المدنية (الرئاسة والحكومة) في التعاطي مع مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل استمرار الأزمة وحالة الاحتقان الشعبي حيث لا تستطيع المؤسسة أن تكون في الواجهة أو بديلا للسلطة السياسية، وهو ما كان قد أشار إليه في وقت سابق الإعلامي المسجون القاضي إحسان في ما أسماه بـ”عدم رضى قيادات عسكرية عن الرئيس تبون”، وطرح فرضية الوقوف في وجه طموحه لولاية رئاسية ثانية.

1