تغير المناخ يقوض قدرة الزراعة على توفير الغذاء للعالم

يشكّل تغير المناخ أحد أكبر التحديات التي تواجه إنتاج المحاصيل، حيث تزداد حدّته وتأثيراته سنة بعد أخرى، وهو ما ينذر بعواقب جسيمة على قدرة النظم الزراعية على الاستمرار في تأمين الغذاء لسكان العالم، الأمر الذي يتطلب من الحكومات حشد جهودها لمواجهة هذه الأزمة الوجودية.
لندن - باتت الزراعة أكثر هشاشة وأقل قدرة على التكيّف مع ارتفاع درجات الحرارة، واختلال أنماط الأمطار وتكرار موجات الجفاف والفيضانات، خصوصًا في المناطق النامية التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة المطرية التقليدية.
ويؤكد الخبراء أن تغير المناخ لم يعد خطرًا مستقبليًا فحسب، بل أصبح واقعًا يوميًا يعيد تشكيل خارطة الإنتاج الزراعي العالمي، ويهدد الأمن الغذائي لنحو 7.95 مليار شخص. ويعد ضمان حدود النظام الغذائي والتكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ أمرا أساسيا لتحقيق الأهداف الخضراء، خاصة مع نمو السكان.
ويُتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى الحد من قدرة المحاصيل على توفير الغذاء للعالم، إذ عائد السعرات الحرارية لستة أنواع منها، من بينها القمح والأرز، سينخفض عالميا بنسبة تتراوح بين 11 و24 في المئة بحلول سنة 2100.
ووفقا لدراسة أجرتها مجموعة من العلماء ونُشرت في مجلة “نيتشر” الأربعاء، فإن تسجيل ذلك الانخفاض في إنتاج المحاصيل سوف يحصل حتى لو تكيّفت الممارسات الزراعية مع الاحترار المناخي.
وبحلول عام 2050 سيشهد هذا السيناريو “المعتدل”، الذي ستبلغ فيه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذروتها حوالي عام 2040 ثم تتراجع تدريجيًا، وهو مسار يتماشى مع الاتجاهات الحالية، خسائر عالمية تُقارب 8 في المئة.
وإذا تفاقم تلوث الكربون، فإنّ فقدان السعرات الحرارية في نفس المحاصيل الأساسية الستة، الذرة والقمح والأرز وفول الصويا والذرة الرفيعة والكسافا، سيرتفع إلى ما يقرب من الربع بحلول نهاية القرن، وفقًا لما ذكره الباحثون.
وبشكل عام، فإنّ كل درجة مئوية إضافية من الاحترار تُقلّل من قدرة العالم على إنتاج الغذاء من هذه المحاصيل بمقدار 120 سعرة حرارية للفرد يوميًا، أو ما يقرب من 5 في المئة من الاستهلاك اليومي الحالي، وفقًا لحساباتهم.
وقال المؤلف المشارك سولومون هسيانغ، الأستاذ في كلية ستانفورد دوير للاستدامة في كاليفورنيا، “إذا ارتفعت درجة حرارة المناخ ثلاث درجات، فهذا يُشبه تخلي جميع سكان الكوكب عن وجبة الإفطار.”
وستقع أكبر الخسائر في أقاصي الاقتصاد الزراعي: في المناطق الزراعية الكبرى الحديثة التي تُعدّ مصدرًا رئيسيًا للغذاء، والتي تتمتع حاليًا ببعض أفضل ظروف النمو في العالم، وفي مجتمعات زراعة الكفاف التي تعتمد عادةً على محاصيل الكسافا الصغيرة.
وستكون أميركا الشمالية الأكثر تضررًا، حيث ستفقد خُمس غلتها بحلول عام 2100 في سيناريو تلوث الكربون المعتدل، وخُمسَيها إذا استمرت الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري بوتيرة متسارعة.
وبالتعاون مع أكثر من اثني عشر عالمًا، قام هسيانغ والقائد المشارك أندرو هولتجرين، الأستاذ المساعد في جامعة أوربانا – شامبين، بفحص بيانات من أكثر من 12 ألف منطقة في 55 دولة.
وأخفقت الحسابات السابقة لتأثير ارتفاع درجة حرارة الأرض على غلة المحاصيل عمومًا في مراعاة سبل تكيف المزارعين، مثل تغيير أصناف المحاصيل، وتغيير مواعيد الزراعة والحصاد، وتغيير استخدام الأسمدة.
وقدّر العلماء أن هذه التعديلات ستعوّض حوالي ثلث الخسائر المرتبطة بالمناخ على مدى السنوات الـ75 المقبلة، وذلك في ظل سيناريو ارتفاع الانبعاثات، إلا أن الآثار المتبقية ستظل مدمرة. وقال هولتجرين "أي مستوى من الاحترار، حتى مع مراعاة التكيف، يؤدي إلى خسائر عالمية في الإنتاج الزراعي.”
ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بنحو 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة في أواخر القرن العشرين، يعاني المزارعون في العديد من المناطق بالفعل من فترات جفاف أطول، وموجات حر غير موسمية، وتقلبات جوية تُقوّض الغلة.
وأظهرت أبحاث سابقة أن القيمة الغذائية لمعظم المحاصيل تنخفض أيضًا مع ارتفاع درجات الحرارة. وكشفت الدراسة التي نشرتها مجلة "نيتشر" عن اختلافات حادة في تأثير الاحتباس الحراري على المحاصيل والمناطق المختلفة.
وفي أسوأ سيناريو لارتفاع انبعاثات الكربون، ستنخفض غلة الذرة بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2100 في جميع أنحاء حزام الحبوب في الولايات المتحدة وشرق الصين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
وبالنسبة إلى فول الصويا، ستنخفض غلة الولايات المتحدة بمقدار النصف مما يتم إنتاجه حاليا، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة الخُمس في البرازيل.
وستنخفض خسائر القمح بنسبة الخُمس في شرق وغرب أوروبا، وبنسبة 30 إلى 40 في المئة في مناطق زراعة القمح الأخرى، في مقدمتها الصين وروسيا وأميركا الشمالية، فيما ستتضرر الكسافا بشدة في كل مكان تُزرع فيه.
23
تريليون دولار خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية بسبب تدهور التربة بحلول 2050
وأشار الباحثون إلى أنه “على الرغم من أن الكسافا لا تُشكل جزءًا كبيرًا من الإيرادات الزراعية العالمية، إلا أنها محصول معيشيّ مهم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.”
ومن بين المحاصيل الستة التي خضعت للدراسة، يُعد الأرز هو المحصول الوحيد الذي يُتوقع أن يستفيد في مناخ أكثر دفئًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى الليالي الدافئة.
ويقول خبراء إن تدهور الأراضي الزراعية وكل المجالات المرتبطة بها له علاقة متشابكة مع عوامل مختلفة على غرار ارتفاع درجة حرارة الأرض والجفاف وحرائق الغابات والجراد الصحراوي.
كما أن له انعكاسات سلبية على إنتاج المحاصيل وتصدير السلع الغذائية وارتفاع أسعار الغذاء والأمن الغذائي والصحة، وأيضا النزوح والهجرة والفقر والبطالة والتدهور الأمني والنزاعات المسلحة.
وليس التغير المناخي، الذي ينتج عنه التصحر والفيضانات، مسألة هينة خاصة وأن ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية تتصحر خلال العقود الأخيرة، بسبب عوامل بيئية وبشرية.
وقدرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في أحد تقاريرها خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية والدخل، في جميع أنحاء العالم بسبب تدهور التربة، بنحو 23 تريليون دولار بحلول عام 2050. أما برنامج الأمم المتحدة للبيئة فيقدر القيمة الإنتاجية المفقودة سنويا في الدول النامية بسبب ظاهرة التصحر بنحو 16 مليار دولار.
وسبق أن حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من أن أكثر من 30 في المئة من التربة الزراعية حول العالم مهددة بفقدان إنتاجيتها بسبب التآكل والتصحر الناجمَين جزئيًا عن التغيرات المناخية.