تغير المناخ يقوض إنتاجية مزارع الكاكاو

يسلط تحليل جديد أجراه الخبراء مؤخرا الضوء على كيف دفع تغير المناخ درجات الحرارة إلى ما فوق النطاق الأمثل لأشجار الكاكاو في غرب أفريقيا، الأمر الذي يتسبب في زيادة الأسعار ويجعل شركات الشوكولاتة تواجه معضلة تحد من أعمالها.
باريس - تسبّب التغير المناخي بتسجيل درجات حرارة تخطّت مرات عدة خلال العام الفائت، العتبة الحرجة في حزام الكاكاو في غرب إفريقيا، مما أثّر على محاصيل المنطقة التي تزوّد العالم بالشوكولاتة.
ونشرت مؤسسة الأبحاث غير الربحية كلايمت سنترال هذا الأسبوع تقريرا يوضح مدى تأثيرات الاحتباس الحراري على أهم منتجين لهذه الحبوب في العالم.
وقالت كريستينا دال، نائب رئيس العلوم في كلايمت سنترال إن “هذا التحليل هو الأول الذي نعرفه والذي يحاول حقًا تحديد مقدار تأثير البشر وتغير المناخ على أشجار الكاكاو وإنتاجها في غرب أفريقيا.”
وفي العام 2024، تجاوزت الحرارة 32 درجة مئوية لأكثر من ستة أسابيع في 71 في المئة من المزارع التي شملتها الدراسة، بسبب ظاهرة الاحترار المناخي الناتجة عن الأنشطة البشرية، على ما أكّد باحثون من المؤسسة البحثية.
وفي حال تخطت الحرارة هذه الدرجة المثالية لنمو شجرة الكاكاو، يؤثر الحرّ على عملية التمثيل الضوئي ويزيد من الإجهاد المائي على النباتات، مما يؤدي إلى ذبول الزهور ونموّ نباتات أصغر حجما.
ولاحظ الباحثون أن الحرارة التي تزيد عن 32 درجة مئوية “باتت تُسجَّل بشكل أكبر” في هذه المنطقة التي تمثل 70 في المئة من إنتاج الكاكاو العالمي، تحديدا خلال موسم النمو الرئيسي (بين أكتوبر ومارس من كل عام).”
وأشاروا إلى أنّ التغير المناخي يؤدي أيضا إلى تساقط كميات استثنائية من الأمطار وتفاقم الآفات الحشرية، وكلّها عوامل تقوض الإنتاج وتؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار.
وهذا الاتجاه ملحوظ خصوصا في كوت ديفوار وغانا، أكبر دولتين منتجتين للكاكاو، على ما أشار التقرير الذي استند إلى عشر سنوات من البيانات من 44 منطقة تقع في أربعة بلدان وإلى نماذج محاكاة.
وأضاف التقرير أنّ أشجار الكاكاو في كوت ديفوار مثلا كانت واجهت نصف عدد الأيام ذات درجات الحرارة الشديدة لولا الاحترار الناجم عن الغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية.
وتواجه كوت ديفوار أكبر منتج ومصدر للكاكاو في العالم آفاقا قاتمة بعد أن تركت فترة الجفاف غير الطبيعية في نهاية عام 2024 مزارعي البلاد قلقين بشأن غلة المحاصيل.
وشهدت البلاد أيضا كميات أمطار أكثر من المعتاد بنسبة 40 في المئة خلال يوليو الماضي، مما أدى إلى إغراق الحقول في حين كان ينبغي أن تجفّ الحبوب في هذه المرحلة.
وعلى عكس ذلك، “تساقطت كميات قليلة جدا من الأمطار أو لم تتساقط الأمطار خلال ديسمبر” مع أنّها ضرورية في بداية موسم الزراعة.
10
آلاف دولار قيمة الطن في العقود الآجلة المستحقة في مارس المقبل، وفق أونكتاد
وتحتاج أشجار الكاكاو إلى المطر لتحفيز الإزهار وتسهيل نمو القرون. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي هطول الأمطار المستمر كل 10 أيام في يناير إلى تحسين المحصول وجودته من فبراير.
وعلى الرغم من اعتقاد المزارعين أنهم يستطيعون حصاد ما يكفي من المحصول في يناير من المحصول الرئيسي من أكتوبر إلى مارس، فقد يبدأ العائد في الانخفاض بدءا من الشهر المقبل.
وهذه مشكلة تثير قلقا خاصا في كوت ديفوار ، حيث شكلت عملية حصاد الكاكاو ومعالجته ما يصل إلى 32 في المئة من صادرات كوت ديفوار في عام 2023، بقيمة 5.8 مليار دولار.
ولطالما كانت دول غرب أفريقيا هي قلب إنتاج الكاكاو، حيث أنتجت حوالي 3.48 مليون طن خلال موسم 2022 – 2023. وهذا الإنتاج الضخم حيوي لصناعة الشوكولاتة العالمية.
وفي تقرير نُشر بشكل منفصل الأربعاء، أعربت منظمة كريستشن إيد البريطانية غير الحكومية عن قلقها إزاء الضرر المتزايد الذي يواجهه منتجو الكاكاو بسبب آثار التغير المناخي.
وقالت مديرة حملة كريستشن إيد أوساي أوجيغو “يُعدّ الكاكاو مصدر رزق حيوي لأشخاص كثيرين هم من الأفقر في العالم، ويشكل التغير المناخي الناجم عن أنشطة البشر تهديدا خطيرا.”
وتسبب ضعف المحاصيل بارتفاع الأسعار بشكل كبير منذ نهاية العام 2023 في أسواق لندن ونيويورك، حيث تضاعفت ثلاثة أضعاف خلال العام الماضي، مما جعلها السلعة الأفضل أداءً بين السلع الأساسية.
ووصلت أسعار الكاكاو إلى ذروتها عند أكثر من 12.5 ألف دولار للطن في الثامن عشر من ديسمبر الماضي في نيويورك، ومع اقتراب عيد الحب، كان لا يزال يُباع عند مستويات غير مسبوقة.
وارتفعت الأسعار بنسبة 136 في المئة بين يوليو 2022 وفبراير 2024، وفقا لرصد أسعار السلع الأساسية التابع لمنظمة أونكتاد.
وللمرة الأولى، تجاوز سعر الطن في سوق العقود الآجلة عشرة آلاف دولار المستحقة في شهر مارس المقبل، وفقًا لوكالة التجارة التابعة للأمم المتحدة، والتي عزت الزيادات جزئيا إلى تغير المناخ.
وقبل أن تبدأ الأسعار بالارتفاع في العام 2023، كانت عند مستوى يتراوح بين ألفين إلى ثلاثة آلاف دولار لأكثر من عشر سنوات.
وهذه الظروف دفعت الشركات المصنعة للشوكولاتة إلى تقليل استخدام الكاكاو في منتجاتها، مع الاعتماد بشكل أكبر على المخزونات لتلبية الطلب المستمر على الحلوى.
وتراجعت عمليات طحن الكاكاو في أوروبا وآسيا إلى أدنى مستوياتها منذ أربعة أعوام خلال الربع الأخير من عام 2024، مما يعكس ضغوط الأسعار القياسية، وانخفاض المخزونات، على الشركات المصنعة للشوكولاتة.
ووفقا لبيانات صادرة الشهر الماضي، انخفضت عمليات طحن حبوب الكاكاو بنسبة 5.4 في المئة في أوروبا و0.5 في المئة في آسيا مقارنة بالعام السابق.
وسجلت معدلات الطحن في الربع الأخير من العام الماضي في كلا المنطقتين أدنى مستوى منذ 2020، عندما أثرت عمليات الإغلاق أثناء جائحة كورونا واضطرابات التجارة العالمية على صناعة الشوكولاتة.
وعلى الرغم من أن هذه البيانات تُعدّ مؤشراً رئيسياً على توقعات الطلب في السوق، إلا أنه أصبح من الصعب تقييم مدى تعبيرها عن الطلب الفعلي، وسط مخاوف من أن نقص الإمدادات قد يشوه هذه الأرقام.