تغير المناخ يعيد رسم خارطة التجارة العالمية البحرية

يجمع محللون على أن التأثيرات التي ستلعبها التغيرات المناخية، وما يرافقها من ذوبان جليد القطبين الشمالي والجنوبي، ستفرز منافسة دولية جديدة بغية السيطرة على المسارات التجارية البديلة التي يمكن أن تغير خارطة نقل السلع عبر سفن الشحن.
لندن - تسود قناعة لدى الخبراء بأن الممرات التجارية البحرية الجديدة ستكتسب أهمية كبرى خلال المرحلة المقبلة في ظل التطورات العالمية والمخاطر الجيوسياسية كونها تؤثر بشكل كبير على الموقع الإستراتيجي للدول.
ويشكل قطاع الشحن مرتكزا مهمّا لتجارة البلدان المطلة على البحر، ولم يكن أبدا في منأى عن الأزمات العالمية، وقد أثبتت الجائحة أنه معرض لمثل تلك المشكلات.
لكن مع الظواهر المناخية المتطرفة بدأت تبرز ملامح معركة بين البلدان بإعادة رسم خارطة التجارة العالمية عبر الممرات المائية.
واكتسبت كل من مصر وبنما الكثير من الاهتمام خلال السنوات الماضية بفضل موقعهما الإستراتيجي المرتبط بوجود كل من قناة السويس وقناة بنما، ودورهما في تقليل المسافات التي تقطعها السفن في البحار بشكل ملحوظ.
وتشير التقديرات إلى أن يوجد اليوم نحو 50 قناة هامة حول العالم، ومع التطورات المرتبطة بالتغيرات المناخية سيكون ظهور ممرات مائية وتجارية جديدة واقعا يفرض منافسة دولية، لاسيما مع رصد انخفاض مستوى المياه في قناة بنما بسبب الجفاف.
ولفت ترغوت كرم تونجل كبير المحللين في مركز الدراسات الأوراسية إلى أهمية تنويع مسارات التجارة ليس فقط بسبب القضايا الجيوسياسية، بل أيضا بسبب التغير المناخي.
وقال لوكالة الأناضول إن انخفاض مستوى المياه في قناة بنما الواصلة بين المحيطين الأطلسي والهادئ “أدى بالفعل إلى تعطل حركة عبور السفن”، وهو ما يظهر أهمية تنوع الممرات التجارية.
وأضاف “تطوير مسارات تجارية بديلة يعد أمرا هاما للتجارة العالمية، وإذا نظرنا إلى منطقتنا، سيكون تعزيز الممر الأوسط الذي يمتد عبر آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وتركيا ليربط بين آسيا وأوروبا عبر البر خطوة مهمة نحو ضمان استمرارية التجارة بسلاسة”.
وفي حال تعطل العمل في قناة بنما سينعكس ذلك على تكلفة الملاحة البحرية والنقل في المنطقة الواقعة بين الطرف الجنوبي للأرجنتين والقارة القطبية الجنوبية.
وتابع “باعتبار أن ممر دريك هو البديل الوحيد في النقل البحري في هذه المنطقة، ستكون هناك زيادة في تكاليف النقل”.
وأكد أنه قد يتم طرح فتح خطوط نقل في منطقة القطب الشمالي على المدى البعيد، بسبب مسألة ذوبان القطبين، مشيرا إلى بداية المنافسة فعليا بين روسيا والصين والولايات المتحدة والدول الأسكندنافية بخصوص هذا الأمر.
واللافت أن التجارة الدولية عبر السفن والشاحنات والطائرات التي تنقل البضائع في أنحاء العالم تسهم بنحو 25 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يعني أن التحول في المنافسة نابع عن القطاع نفسه.
مع الظواهر المناخية المتطرفة بدأت تبرز ملامح معركة بين البلدان بإعادة رسم خارطة التجارة العالمية عبر الممرات المائية
وبشكل عام، تتم عمليات التجارة والنقل بين آسيا وأوروبا عبر ثلاثة مسارات رئيسية هي الممر الشمالي عبر روسيا، والممر الجنوبي عبر إيران، والممر الأوسط الذي يمر من الأراضي التركية، وللممرات الثلاثة أهمية إستراتيجية كبيرة للدول التي تمرّ بها.
بيد أن الحرب الروسية – الأوكرانية فاقمت من المشكلات الأمنية المرتبطة بالممرّ الشمالي، كما أن العقوبات على إيران والنزاعات القائمة بمنطقة الشرق الأوسط تجعل “الممر الجنوبي” شديد الخطورة.
وعليه، برز الحديث عن أهمية الممر الأوسط مع حادث جنوح سفينة الحاويات إيفر جيفن بقناة السويس عام 2021، وتراجع منسوب المياه في قناة بنما.
وأدت المخاوف من ارتباك التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية، إلى تحوّل الأنظار فعليا إلى المسارات المائية والتجارية البديلة.
وتعزز تلك التطورات من أهمية وقيمة “الممر الأوسط” الذي يعبر من تركيا إلى منطقة القوقاز.
وهذا الممرّ هو البديل للممر الشمالي الرابط بين الصين وأوروبا، ويمرّ من تركيا إلى منطقة القوقاز ومنها يعبر بحر قزوين إلى تركمانستان وكازاخستان وصولا إلى الصين.
ويقع الممر الذي يمتد من الصين والمملكة المتحدة في مركز نقل تجارة تبلغ قيمته 600 مليار دولار سنويا.
ويعتقد شفق إرتان تشوماقلي أستاذ قسم المالية بجامعة حجي بيرم ولي في العاصمة التركية أنقرة أن للقنوات الاصطناعية التي تموّلها وتنشئها بعض الدول لها فوائد.
وأعطى مثالا على ذلك قناة بنما، قائلا إنها “تقع في أضيق منطقة من القارة الأميركية، وهي واحدة من أشهر القنوات الاصطناعية في العالم، وتتيح لنحو 14 ألف سفينة سنويا، إمكانية العبور بين المحيطين الهادئ والأطلسي”.
وأضاف تشوماقلي أن الشركات والدول “تبحثان دائما عن طرق قصيرة مثل القنوات، التي تختصر زمن النقل وتقلل التكاليف وتوفّر مزايا جغرافية”.
وخلال أكثر من 150 عاما أصبحت القنوات الاصطناعية مشاريع كبرى تخدم الأغراض السياسية والاقتصادية للدول المموّلة.
وأشار تشوماقلي إلى أن الممر الأوسط العابر من تركيا، هو الطريق “الأكثر ملاءمة لنقل المنتجات صينية المنشأ إلى أوروبا والشرق الأوسط عن طريق البر”.
واستدرك “يهدف مشروع قناة إسطنبول، الذي يعدّ جزءا من هذا الطريق الإستراتيجي، إلى جعل تركيا مركزا لوجستيا مهمّا في المنطقة من خلال دعم هذا الممر”.
ومن المتوقع أن يصل العائد السنوي لقناة إسطنبول في حال تم إنجازها إلى مستوى 8 مليارات دولار، في الوقت الذي تبلغ فيه عائدات قناة السويس أكثر من 6 مليارات دولار، وبنما ملياري دولار.