تغليب النهج الأمني على التنموي.. وصفة مريحة للحكومة المصرية

القاهرة – تؤكد البيانات المتواترة للمؤسسة العسكرية المصرية أن الحرب على الإرهاب متواصلة في سيناء لأجل غير مسمى، وأن عملية التنمية التي وعد بها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع بداية فترة رئاسته الثانية منذ 10 أشهر والتي جدد حديثه الأربعاء بشأنها قد تتأجل حتى تنتهي المعركة.
وينتقد كثيرون استمرار تغليب النهج الأمني على الملف التنموي معتبرين أن القضاء على الإرهاب بحاجة إلى الشروع سريعا في تدشين مشروعات تنموية خاصة في المناطق التي تعرف بأنها ساخنة وينشط فيها الإرهابيون، وهي الرسالة التي لا تلقى قبولا لدى الحكومة، حيث تقارب المسألة بشكل مغاير لجهة أن الاستقرار ركيزة التنمية وليس العكس.
ويرى هؤلاء أن إبقاء ملف الإرهاب في صدارة الأولويات في مصر يعطي الحكومة مبررا لتأخير عملية التنمية الاقتصادية الشاملة، ولكسب تعاطف قطاعات كبيرة من المواطنين تتمنى أن تشعر بمردودات إيجابية لهذا المسار تنعكس على وضعها المعيشي، وإن كان لا يبدو أن هناك أفقا لذلك حيث المفروض أن يكون المساران متلازمين.
وفي إطلالة له بمناسبة الذكرى السابعة والستين لعيد الشرطة جدّد الرئيس المصري الأربعاء تأكيده أن المعركة ضد “جماعات الظلام والشر” مستمرة، وأنه “بكفاءة الجيش والشرطة فإن الشعب قادر على التصدي لكل مخططاتها والمضي قدما في معركته الكبرى للتنمية والإصلاح”.
ويقول مراقبون إن التركيز على العمليات العسكرية قبل أيام من الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير يوحي بأن السنوات الماضية لم تكن كافية للقضاء على الإرهابيين، وأنه من الضروري الحصول على المزيد من الوقت لاستكمال هذه المسيرة. وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، الثلاثاء، أن قوات الجيش والشرطة قتلت 64 تكفيريا شديدي الخطورة في مواجهات بشمال ووسط سيناء ودلتا مصر، ومصرع 7 من العسكريين، بينهم ضابط و6 جنود، لتأكيد أن عملية اجتثاث المتطرفين مستمرة.

ورجحت بعض المصادر لـ“العرب” أن تكون الأرقام المعلنة عن القتلى في صفوف الإرهابيين من المؤشرات الدالة على رغبة الحكومة في عدم الإعلان عن انتهاء العملية الشاملة “سيناء 2018”، بعد مرور عام على انطلاقها في 9 فبراير المقبل.
وأوضح رئيس جهاز الاستطلاع بالقوات المسلحة المصرية سابقا، اللواء نصر سالم، أن العملية الشاملة قضت في عامها الأول على العدد الأكبر من العناصر الإرهابية المتواجدة في شمال سيناء، وحققت نجاحات كبيرة في ظل وضع أمني واجتماعي معقد.
وأشار لـ“العرب” إلى أنه من السابق لأوانه تأكيد إعلان سيناء خالية من الإرهاب، بسبب “استمرار التمويل الخارجي للعناصر الموجودة في الداخل وانضمام عناصر جديدة إلى تنظيم داعش الأشهر الماضية، ما منحه مددا ماديا يجعله يتنفس الصعداء”.
وأطلقت مصر عملية أمنية كبيرة للقضاء على متشددين موالين لتنظيم داعش، كانوا ينشطون في سيناء، وقتلوا المئات من قوات الأمن والمدنيين في هجمات على مدى السنوات الماضية. وذكرت بيانات عسكرية عدة أنه تم قتل أعداد كبيرة ممن يشتبه في أنهم من المتشددين (نحو 550 شخصا)، والقبض على آخرين، والحصول على معلومات مفيدة منهم مكنت أجهزة الأمن من الكشف عن الكثير من الخلايا الإرهابية.

ورغم التقدم الحاصل على مستوى اقتلاع الإرهابيين، لكن يظل شبحهم موجودا، وتحرص جهات أمنية على التنبيه لذلك للبقاء على ذات الجهوزية، ولعدم استعجال المواطنين الحصول على مكاسب اقتصادية وسط أوضاع أمنية متذبذبة.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد كامل البحيري، لـ”العرب” إن العملية الشاملة “أضعفت البنية الأساسية لتنظيم داعش، مستفيدة من الضربات التي تعرض لها التنظيم في كل من سوريا والعراق وليبيا”، وتحتاج المزيد من الوقت لسد بعض الثغرات الأمنية.
ورأى اللواء نبيل أبوالنجا، مؤسس فرقة الصاعقة المصرية بالجيش المصري، لـ“العرب” أنه من الصعوبة القطع بأن الإرهاب سيتوقف قريبا في سيناء، وما جرى أن “قوات الأمن استطاعت أن تجعله تحت سيطرتها بصورة كبيرة، والقضاء عليه تماما يتطلب تغييرا في أسلوب التعامل معه، عبر ترسيم حدود كل قبيلة موجودة في شمال سيناء وتعريفها لتكون مسؤولة عن تأمينها، وإجراء مسح إحصائي تشارك فيه جميع الأجهزة المدنية والعسكرية لحصر العناصر البشرية الموجودة في سيناء لتسهيل مهمة القضاء على العناصر الإرهابية”.
وتمنح هذه المعطيات الحكومة حجة لتأخير تدشين المشروعات التنموية في سيناء مثلا، كما أن الرؤية العسكرية القديمة بشأن التعامل مع سيناء كمسرح عمليات محتمل لا تزال مهيمنة على أفكار بعض القادة العسكريين، ما يعني أن لا توجه في الأفق القريب للتركيز على المعضلة التنموية.