تغريد شيباني تترجم الواقع السوري بتشكيلات لونية

ريشة منبهرة بسرد قصص إنسانية.
الاثنين 2023/09/18
ترجمة للواقع

تسير الفنانة السورية تغريد شيباني بخطى ثابتة، لتثبت حضورها كواحدة من الفنانين المعاصرين الذين ينطلقون من التراث والحرف التقليدية ليصنعوا عالما تشكيليا خاصا بهم، يعكس التفاعلات الإنسانية وينطلق من المرأة كنموذج جمالي ينقل إلى المتفرج تجربة حسية لفهم المشاعر ولغات الحياة المتنوعة.

دمشق - ترسم الفنانة التشكيلية السورية تغريد شيباني بمختلف أنواع الألوان وعلى كل الوسائل، ومنها القماش والخشب، وتبدع بأسلوب التكوين الفني في تشكيل مجسدات وأشكال جديدة لتعكس ما في داخلها من تفاعلات إنسانية، فهي ترى أن الفن لغة الحياة واستجابة للمشاعر، وتحاول ترجمة الحالات الإنسانية بشكل عفوي ورسم ما تحسه بالريشة التي تستجيب لموهبتها مراوحة بين الفنّين الدمشقي والفارسي القديم.

وجاء معرضها التشكيلي الأخير "ترانيم الحجر والشجر" الذي أقامته في المركز الثقافي في أبورمانة ليقدم حوارات متعددة ومعروضات امتزجت بالتشكيل اليدوي الفني بانتقاءات لونية مناسبة للمواضيع. وركزت الفنانة التشكيلية على أشكالٍ هندسية لتقدم الفن التكعيبي، معبرة عن مضامين الأشياء وأشكالها من خلال ما تقدمه من رموز أحياناً أو ما تقدمه بشكل تعبيري أكثر وضوحاً في جمع بين المدارس الفنية المنوعة.

وكانت المرأة من أهم المواضيع التي قدمت كثيرا من الرؤى والأفكار من خلالها وأظهرت جماليات مختلفة منذ القديم إلى وقتنا المعاصر لتجمع بين الأصالة والمعاصرة. وأشارت الفنانة شيباني إلى أنها أدخلت في معرضها الذي ضم حوالي أربعين عملا فنيا، تماثيل حجرية من تكوينها الإبداعي في إسقاط مبتكر لما تعنيه الأوديسة، مبينة أنها حاولت ترجمة الواقع بأسلوب فني آخر قوامه الحجارة والتشكيلات اللونية.

الفنانة التشكيلية تركز على أشكالٍ هندسية لتقدم الفن التكعيبي، معبّرة عن مضامين الأشياء وأشكالها من خلال ما تقدمه من رموز
◙ الفنانة التشكيلية تركز على أشكالٍ هندسية لتقدم الفن التكعيبي، معبّرة عن مضامين الأشياء وأشكالها من خلال ما تقدمه من رموز

وأضافت أنها قامت من خلال النحت والتكوين التشكيلي بالوصول إلى ما تحبه من الطبيعة وما فيها من المعاني التي تختلج في روحها كالبحر والشاطئ، وما تؤثر به في البيئات البشرية في مواضيع تشبه القصة والرواية الأدبية. وعن اللوحة التشكيلية أشارت شيباني إلى أنها استخدمت اللون الزيتي والأكريليك وابتعدت عن الأسلوب الذي استخدمته في الأحجار، ما جعل معرضها أكثر شمولية في مجال الإبداع.

يذكر أن الفنانة خريجة معهد إعداد المُدرسين، قسم العمل اليدوي، وفي رصيدها معرضان فرديان في كفرسوسة، وآخر في مدينة جرمانا، كما شاركت في عددٍ من المعارض الجماعية، منها "تراث وأجيال" ضمن فعالية أيام الفن التشكيلي السوري، و"الحداثة والتجديد في التراث العربي"، كما شاركت في الكثير من المعارض الفنية على مستوى سوريا خلال الأزمة التي واجهتها البلاد بشكل جماعي وفردي.

وكان معرضها الثاني بعنوان "ظلالٌ مُلونة وأغصانٌ مُزخرفة”، ضمّ تسع عشرة لوحة وتسعة أعمالٍ يدوية تنوّعت بين المرايا والصناديق، استخدمت فيها الفنانة خلطة العجمي المصنوعة من عجينة الزنك والسبيداج والغراء العربي، لإبراز الخطوط الرئيسية في العمل الفني والتركيز على ملامح الجمال في سطح اللوحة.

وتفضل الفنانة المدرسة التكعيبية من خلال الرسم والاعتماد على التشكيل الهندسي، فهي تقدم إبداعات جديدة على الساحة الفنية، وتبين في أغلب تصريحاتها أنها ترسم على القماش وخاصة بألوان الأكريليك وأن الفارسي يستجيب على الخشب ويأتي بشكل أكثر فنية وإبداع.

وفي أعمالها السابقة، ذهبت شيباني نحو تصوير الماضي العربي المشترك والماضي السوري، مؤكدة أن الغاية من استحضار الماضي هي المقارنة بين قدرات الماضي والحاضر للاستفادة والربط الإيجابي وتكوين فن متطور يجمع بين الأصالة والتراث ويخدم الحاضر والمستقبل. وقدّمت الرسامة السورية عدة موضوعات إنسانية، أبرزها يتعاطى مع المرأة، أمّاً وآلهة وأيقونة. وهي ترى أنّ دعمها دائمٌ للنساء، بوصفهن اللبنة لكل ما حولنا، أوَّل الشيء ومادّته التي يتكوَّن منها.

كذلك، ضمّ معرضها “ترانيم الحجر والشجر” أعمالاً بأسلوبها القديم في العجمي والذي بدأت العمل عليه عام 2017، وهي حرفة فنية يدوية قديمة، دمشقية الأصل، درجت العادة على استخدامها لتزيين قاعات الاستقبال والمجالس في البيوت والقصور، أساسها عجينةٌ من الزنك والغراء العربي، أبدعت فيها مُنتجات مُنوّعة كالمرايا والصناديق، مع رسوماتٍ تختلف موضوعاتها، ثم كانت الانعطافة الأخيرة نحو اللوحة التشكيلية، وتقول عنها “التجربة اليوم غنية جداً، ذهبتُ بها نحو الزيتي والأكريليك والرسم المباشر، بعيداً عن النافر في العجمي، أظهرتُ عمق اللوحة خارج الإطار الزخرفي".

◙ الرسامة تجد أن أهم المواضيع الفنية المقربة إليها هي التي تتعلق بالإنسانية جمعاء وبالمرأة وحضورها وصمودها وكينونتها

وتجد الرسامة أن أهم المواضيع الفنية المقربة إليها هي التي تتعلق بالإنسانية جمعاء وبالمرأة وحضورها وصمودها وكينونتها، وكذلك المواضيع التي تتعلق بالمجتمع وصموده وهويته، لكنها رسمت أيضا عددا من لوحات البورتريه تكريما لفنانين كبار مثل بيكاسو على القماش، واستخدمت خلال تشكيلها الأكريليك لأنه أفضل وأكثر ما يؤدي الحالة على القماش.

وترى شيباني أن الفنان يكوّن ثقافته الفنية من خلال تعامله مع الحياة والمجتمع واجتهاداته المعرفية، ولا يمكن أن يتتلمذ على يد أحد ليكوّن منظومته الفنية، فالموهبة حاضرة، وتحتاج إلى أناة وتطوير فقط. لذلك، فإن الفنان يجب أن يستمر ويستطيع أن يعبر الزمن ويبحث عما يمكنه من ذلك، ليقدم فناً قادراً على البقاء والاستمرار والحضور لأن الفن هو جزء من ثقافة وإيجابيات.

وعن معرض "ترانيم الحجر والشجر" بينت مديرة الثقافة بدمشق نعيمة سليمان أن معرض الفنانة شيباني يختلف في تعدد مكوناته وتنوعها حيث احتوى أعمالا في فن النحت والرسم والتكوين، بعضها عن الواقع والآخر عن الماضي. ما جعل المعرض زاخراً بالإبداع، وهذا “ما يجعلنا نشجع حضور الفنانين الذين يتحدون الواقع ولاسيما في عالم المرأة".

وفي تصريح مماثل قال رئيس المركز الثقافي عمار بقلة إن "المرأة لعبت دوراً مهماً في تنشيط الحركة الثقافية وخاصة على صعيد الفن التشكيلي الذي ظل محافظاً على مستواه الإبداعي خلافاً للكثير من المنتجات الإبداعية التي تأثرت بتحولات العصر الراهن والفنانة تغريد شيباني تعتبر نموذجا".

◙ الحياة لوحات في الفن التكعيبي
◙ الحياة لوحات في الفن التكعيبي

15