تعيين وزراء سياسيين لا يلقى قبولا رسميا في مصر

القاهرة - ينتظر مصريون الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد إعادة تكليف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتشكيلها، وسط تساؤلات حول إمكانية اللجوء إلى تعيين وزراء لديهم خلفيات سياسية غابوا تماما عن الحكومة التي قدمت استقالتها أخيراً، ونالت انتقادات بسبب ضعف أدائها. وحث إعلاميون مقربون من الحكومة على تعيين مستشاريين سياسيين للوزراء لأجل التعامل مع مسألة غياب البعد السياسي لدى بعضهم.
وأكدت قصواء الخلالي، الإعلامية المقربة من السلطة، ومقدمة برنامج “المساء مع قصواء”، المذاع على فضائية “سي بي سي”، على أهمية أن تراعي حكومة مدبولي الجديدة وجود مستشارين للوزراء، وقالت “نحتاج مستشارين سياسيين حقيقيين للوزراء بالحكومة المرتقبة وليس الاعتماد على مستشارين يقبضوا ويمشوا”.
وتضمن التكليف الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي لمدبولي بتشكيل حكومة جديدة من “ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة”، وغاب الحديث عن السياسة، ما يشي بالاستمرار في نهج الاعتماد على التكنوقراط.
وطرحت دوائر حزبية إمكانية الاستعانة بشخصيات سياسية هذه المرة على أن تتبنى وجهة نظر تتماشى مع توجهات الدولة في الاقتصاد، واعتبرت ذلك من شأنه إثراء العمل في الوزارة بأفكار ورؤى مبتكرة، لأن الاعتماد على الكفاءات فقط أسهم في وقوع الحكومة السابقة في مشكلات بسبب ضعف قدراتها على التواصل مع الرأي العام وغياب طرح رؤى لمعالجة بعض التشوهات السياسية.
وطالب باسل عادل رئيس كتلة الحوار (حزب تحت التأسيس انبثق من المعارضة) في مقال كتبه بجريدة “المصري اليوم” الخميس أن يتوجه مدبولي لاختيار شخصيات سياسية هذه المرة تتبنى وجهات نظر بصبغة ليبرالية ليطمئن المستثمر المصري والأجنبي أن الحكومة تشجع القطاع الخاص، وتقف مساندة له ولنجاحه، معتبرا أن “اختيار وزراء من السياسيين والشخصيات العامة يجعل للحكومة طعمًا ولونًا”.
وتصطدم هذه النوعية من التقديرات بمطبات عديدة، فحركة السياسة في مصر تعاني من التضييق، ولم تفرز شخصيات قادرة على إدارة ملفات شائكة، ولم تتمكن مؤسسات دشنتها الحكومة لتنمية المهارات السياسية من تقديم رموز تلفت الأنظار إليها.
ومازالت تجربة الاستعانة بنواب للوزراء والمحافظين من “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” التي تضم كوادر شبابية من أحزاب عدة ومستقلين عالقة في الأذهان، حيث لم تتمكن التدريبات التي قدمت لهم من أن تعكس نفسها في الأداء العام.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن اختيار وزراء لديهم خلفية سياسية جيدة يشكل اختيارا ناجحا في دول تمنح الوزراء حق وضع السياسات العامة للدولة، وهو أمر لا يتحقق في مصر، إذ يتحول كبار المسؤولين لمنفذي قرارات دون صنعها، ومع أن هناك أحزابا موالية للحكومة، لا يتم الاختيار منها بسبب غياب الكوادر القادرة على تولي منصب الوزير.
وأضاف كامل السيد في تصريح لـ”العرب” أن وجود وزراء سياسيين يتطلب ظهور مؤسسات تسهم في تكوينهم السياسي، وهذه غائبة حتى الآن، أو لا تقوم بدورها كاملا، وأن هيئات مثل التنظيم السياسي للاتحاد الاشتراكي أو منظمة الشباب، ظهرتا في ستينيات القرن الماضي، غير موجودة حاليا، واعتمدت الأنظمة المتعاقبة على خريجي تلك المؤسسات في مناصب قيادية عديدة.
ولفت إلى أن الجزء الأكبر من الأحزاب يدور في فلك تأييد السلطة بلا ابتكار حلول للمشكلات التي تواجهها، كما أن النظام الانتخابي للبرلمان لا يساعد على إفراز وجوه سياسية جديدة أو خلق منافسة حقيقية، وأن جزءا كبيرا من قادة الأحزاب يحصلون على مقاعدهم في البرلمان، لأنهم يتبعون السلطة التنفيذية.
ولا يقوم البرلمان المصري بدوره في صنع الوزراء السياسيين، وتضم بنيته أغلبية موالية، يتصدرها حزب مستقبل وطن، ولا توجد صعوبة في تمرير رؤية الحكومة من خلاله، والمعارضة الضئيلة لا تستطيع مناكفة الحكومة بما يسهم في إبراز رؤيتها.
كما أن ارتكان الحكومة على رئيس الدولة في مخاطبة الجمهور في القضايا القومية والملفات ذات البعد السياسي جعل هناك اتجاه لاختيار تنفيذيين ليس لهم دور مؤثر على المستوى السياسي، بل غالبيتهم يفضلون الابتعاد عن ذلك تجنبا للوقوع في خطأ.
وعلى مدار عقود طويلة لم يتم تعيين رئيس للحكومة في مصر ذي خلفية سياسية سوى في العام 2013 عقب الإطاحة بنظام الإخوان من السلطة، وجرى تعيين حازم الببلاوي الذي شارك في تأسيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، واستمرت حكومته ستة أشهر وجاء خلال فترة انتقالية خاصة.
ويأتي اختيار الوزراء السياسيين غالبا عقب وقوع أحداث سياسية أو ثورات، كنوع من الترضية أو تهدئة الرأي العام الذي تتولد لديه رغبة في تنفيذ ما تتحدث عنه أحزاب المعارضة بشأن إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ولم يحقق أي من الأسماء التي جاءت على رأس وزارات اقتصادية أو لها علاقة بالعمال الأهداف المرجو منها، ما يجعلها لا تحظى بقبول المواطنين الذين لا يثقون في الأحزاب السياسية والعديد من قياداتها.
وأكد المحلل السياسي خالد داوود أن وجود حزب للرئيس على رأس السلطة طيلة ثلاثين عامًا أثناء فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يصحبه اختيار وزراء سياسيين وتم التركيز على من لديهم قدرة للقيام بمهام تنفيذية بعد أن تحول منصب الوزير إلى مساعد للرئيس في تنفيذ التوجهات التي يقررها، فغالبية الصلاحيات بيد الرئيس، ومع عدم وجود حزب يمثل السلطة بشكل رسمي الآن أصبحت الأمور أكثر تعقيداً.
وذكر داوود لـ”العرب” أن اختيار الوزراء يتماشى مع رؤية الرئيس وقدرة الوزير على تنفيذ أهدافه وليس أهداف البرلمان الذي يقر هذا الاختيار، وهو سبب رئيسي في استبعاد اختيار الوزراء من السياسيين، وثمة انطباع لدى شريحة كبيرة من المواطنين أن هؤلاء غير مرغوب فيهم، وقد يكون هذا خطأ، فالكثير من السياسيين لم يحصلوا على فرصة يثبتون بها قدرتهم على تحقيق نجاحات تحسب لهم.
وعانت الكثير من الحكومات المتعاقبة من أزمة غياب الحس السياسي لدى المسؤولين، والتي تقود لتفاقم مشكلات كان يمكن التعامل معها بسلاسة، وعانت حكومة مدبولي المستقيلة من مأزق عدم قبول بعض أعضائها من الرأي العام، وغيابهم عن الظهور الإعلامي فترات طويلة، وحال قرروا الحديث فإن تبعات ظهورهم تأتي سلبية غالبا.