تعيين لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان يعكس تحولا في مقاربة باريس لأزمة الرئاسة اللبنانية

جهاد أزعور يتنحى مؤقتا عن مسؤولياته في صندوق النقد استعدادا للاستحقاق الرئاسي.
الجمعة 2023/06/09
ماكرون للودريان: نريد مقترحات عملية

عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان في الوقت الذي تشهد فيه الساحة اللبنانية حالة سيولة كبيرة في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للبلاد، لاسيما بعد تسجيل إجماع مسيحي على المسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور.

بيروت - قالت أوساط سياسية لبنانية إن تعيين فرنسا لوزير خارجيتها السابق جان إيف لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان يؤشر على تغير في المقاربة الفرنسية حيال أزمة الشغور الرئاسي في البلاد، خصوصا بعد توصل المكونات المسيحية الرئيسية إلى إجماع حول ترشيح الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق جهاد أزعور.

ولفتت الأوساط إلى أن القرار من شأنه أن يضع حدا لاحتكار المستشارين باتريك دوريل وإيمانويل بون ورئيس الاستخبارات الخارجية برنارد إيمييه لمسار حل أزمة الرئاسة في لبنان، حيث كان الثلاثي يدفع باتجاه خيار دعم مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو الأمر الذي أثار امتعاضا شديدا في صفوف القوى المسيحية في لبنان.

وأكدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا الخميس، أن باريس ليس لديها مرشح رئاسي في لبنان، وما يهمها أن يصبح له رئيس للجمهورية خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

صندوق النقد يقول إن لبنان في حاجة إلى تحرك عاجل بشأن إصلاحات اقتصادية شاملة لتجنب عواقب يتعذر إصلاحها

وجاءت تصريحات كولونا خلال اجتماع مع وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبدالله بوحبيب على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة داعش الذي عقدت أشغاله في العاصمة السعودية الرياض.

وأعلنت الوزيرة الفرنسية أن “مبعوث فرنسا الجديد إلى لبنان سينشط ليسرّع في مسار انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية”.

وكان مستشار للرئيس الفرنسي طلب عدم الكشف عن اسمه ذكر في وقت سابق أنّ لودريان (75 عامًا)، الذي شغل منصب وزير خارجية فرنسا لمدة خمسة أعوام حتى 2022، سيُكلّف بصفته رجلًا يتمتع بخبرة واسعة “في إدارة الأزمات”، بالمساعدة في إيجاد حلّ “توافقي وفعّال” للأزمة اللبنانية.

وأضاف المستشار أنّ لودريان “يخطط للذهاب إلى لبنان قريبًا جدًا”، مشيرًا إلى أنّ الرئيس ماكرون طلب منه “أن يعدّ له سريعا تقريرا عن الوضع” في هذا البلد يتضمّن “مقترحات عمل”.

وجاء تعيين لودريان بعد أيام قليلة من زيارة أجراها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس حاملا معه مقترح القوى المسيحية بترشيح أزعور الذي يعتبره حزب الله “مرشح مواجهة وتحدّ”.

وقال رئيس حركة النهج النائب اللبناني السابق حسن يعقوب إن “تكليف وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان بالملف اللبناني من قبل فرنسا يعكس توجها ومقاربة جديدين للملف الرئاسي، لأن لودريان يدير سياسة فرنسا الخارجية بالتنسيق مع الأميركيين، وهذا يعني الابتعاد عن دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية”.

ولفت يعقوب في تغريدة على تويتر إلى أن “الجميع يبحث عن الاسم الثالث، والسؤال هو كم يحتاج هذا الرئيس من الفراغ حتى يصل؟”.

في المقابل يرى مراقبون أن فرنسا قد تذهب في سياق محاولة إقناع الثنائي الشيعي بقبول أزعور، خاصة إذا لم يتضمن برنامجه الرئاسي أي توجه استفزازي لكليهما، وانحصرت مفردات البرنامج في الدفع باتجاه استقرار الوضع السياسي والتركيز على الإصلاح الاقتصادي.

وأعلن صندوق النقد الدولي الخميس، أن أزعور تنحى مؤقتاً عن منصبه في المؤسسة المالية “من أجل تجنّب أي انطباع عن تضارب المصالح”، مشيرا إلى أنه حاليا في إجازة.

وجاء إعلان صندوق النقد قبل أيام من موعد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس للبنان، وبحسب لغة الأرقام فإن أزعور يملك القدرة على جمع الأصوات الكفيلة بإيصاله إلى قصر بعبدا من الدور الثاني للانتخابات.

لبنان تواصل التخبط في مرحلة الشغور الرئاسي
لبنان تواصل التخبط في مرحلة الشغور الرئاسي وماكرون يدخل على الخط

وكانت ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون انتهت في 31 أكتوبر الماضي، ودخل لبنان مرحلة الشغور الرئاسي، ولم يتمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد 11 جلسة خصصت لهذا الشأن، ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الجلسة الـ12 يوم الأربعاء المقبل.

ويدعم كلّ من حزب الله وحركة أمل، التي يترأسها بري، فرنجية، فيما لا يحظى الأخير بدعم الكتل النيابية المسيحية الأساسية في البرلمان.

وأعلنت قوى المعارضة ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قبل أيام تبنيهم ترشيح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي قابلته قيادات في حزب الله برفض ضمني، داعية إلى حوار غير مشروط.

ويرى متابعون أن مهمة لودريان الجديدة لن تكون سهلة، وأنها ستركز على خيارين، إما إقناع حزب الله وحركة أمل بعدم عرقلة وصول أزعور مقابل ضمانات، أو الذهاب في بديل ثالث يجري التوافق حوله.

وبعدما كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند (2012 - 2017) قبل أن ينضمّ إلى حكومة الرئيس ماكرون ويترأّس وزارة الخارجية (2017 – 2022)، ابتعد لودريان عن الساحة السياسية منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا العام 2022.

تعيين لودريان جاء بعد زيارة أجراها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى باريس حاملا معه مقترح القوى المسيحية بترشيح أزعور الذي يعتبره حزب الله "مرشح مواجهة وتحدّ"

وقال المستشار الرئاسي “لا يزال الوضع صعبًا في لبنان” في ظلّ الحاجة إلى “الخروج في الوقت نفسه من الأزمة السياسية ومن الصعوبات الاقتصادية والمالية”.

وانخرط ماكرون شخصياً في المساعي الرامية إلى حلّ الأزمة اللبنانية لكنّ جهوده باءت بالفشل. ولا ينفكّ الرئيس الفرنسي يناشد الطبقة السياسية اللبنانية تجاوز انقساماتها، لكنّ دعواته لم تلق آذاناً صاغية حتى الآن.

وبحسب باريس، هناك حاجة ملحّة “للتوصّل إلى توافق” يتيح انتخاب رئيس للبنان وكذلك الإسراع في تنفيذ “الإصلاحات الضرورية”.

وحذر صندوق النقد الخميس من أن لبنان بحاجة إلى تحرك عاجل بشأن إصلاحات اقتصادية شاملة لتجنب “عواقب يتعذر إصلاحها” على اقتصاده.

وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك للصحافيين إن هناك حاجة إلى إصلاحات لوقف “الأزمة الشديدة والمتفاقمة” التي يواجهها الاقتصاد اللبناني.

ويرى مراقبون أن المدخل هو الاتفاق على رئيس جديد للبلاد، وقال المستشار الفرنسي إن الخروج من الأزمة “يتطلّب أكثر من اتّفاق على اسم”.

وأضاف أنّ “المرشّح الأنسب هو الشخص الذي سيتمكّن من الالتزام بالإصلاحات الأكثر ضرورية”.

وفي هذا السياق، سيتعيّن على لودريان “الاستماع إلى الجميع في لبنان” من أجل “تسهيل التوصّل إلى حلّ توافقي وفعّال”، بحسب تعبيره.

 

• اقرأ أيضا:

            لبنان بين المواجهة والاعتدال

            عون في دمشق.. مريض يستنجد بمريض

2