تعويض أميركي لسجناء أبوغريب يضع السلطات العراقية أمام حرج إنصاف ضحايا سجن الحوت

أحداث سجن أبوغريب على فظاعتها لم تمنع وجود من يمتلك شجاعة الاعتراف بها ومحاولة التعويض عنها ماديا ورمزيا وفتح باب الأمل لضحاياها ولو بشكل متأخر، وهو أمر غير متاح لضحايا كثيرين أمثالهم داخل السجون العراقية وتعرّضوا للظلم على يد أبناء جلدتهم ولا يأملون منهم الاعتراف يوما بما اقترفوه بحقهم والتكفير عنه ولو بمجرد اعتذار.
بغداد- حمل قرار أميركي بدفع تعويضات لثلاثة عراقيين تعرضوا للتعذيب في سجن أبوغريب، بارقة أمل لبقية السجناء الذين تعرضوا لسوء معاملة وتعذيب في السجن المذكور إبان الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، لكنّه أثار في المقابل حسرة أعداد كبيرة لدى السجناء الذين عاشوا ظروفا مشابهة ليس داخل السجن ذاته، ولكن في السجون العراقية التي يديرها أبناء جلدتهم ويقول هؤلاء السجناء وذووهم إن ظروفها القاسية وممارسات السلطات المشرفة عليها جعلتهم يعتبرون أن سجن أبوغريب سيء السمعة لم يعد يشكل استثناء.
ولا يعتبر مطلب التعويض لسجناء مثل سجن الحوت في الناصرية بجنوب العراق بعضهم دخله ظلما ولمجرّد الاستناد لوشاية المخبر السرّي وبعضهم توفي داخله بعد أن تجاوز مدّة محكوميته ولم يستطع الخروج بسبب تعقيدات قضائية وإدارية والبعض الآخر غادره بأضرار جسدية ونفسية وأمراض مزمنة بسبب التعذيب وسوء المعاملة وتردي ظروف الإقامة فيه، مطلبا واقعيا، إذ يستدعي أولا اعترافا غير مأمول من السلطات بتلك التجاوزات.
وفي ضوء ذلك تنصرف غالبية المطالبات نحو تحسين ظروف السجناء والكف عن المعاملة الخشنة لهم، وفي أفضل الأحوال باتجاه رفع الظلم عن المسجونين دون موجب قانوني واضح.
وتمكّن عدد محدود من سجناء أبوغريب العراقيين من الحصول على إنصاف من قبل السلطات الأميركية، في خطوة تضمنت منفعة مادية كبيرة لهم، وأخرى رمزية لمن مروا بذلك السجن الرهيب تتمثّل في الاعتراف بالظلم الفادح الذي تعرّضوا له، وهو أمر يطالب به ذوو السجناء في السجون العراقية ويحثّون السلطات على الشجاعة في الاقتداء به وتطبيقه.
وبعد أكثر من عقدين من تعرض سجناء أبوغريب للتعذيب، أمرت هيئة محلفين فدرالية بولاية فرجينيا الأميركية، شركة “كيسي بريميير تكنولوجي” المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية، بدفع مبلغ 42 مليون دولار لثلاثة عراقيين بعدما رفع ثلاثة مساجين سابقين دعوى قضائية ضد الشركة عام 2008.
وشكّل قرار الهيئة بارقة أمل للسجين السابق طالب محمد، بالحصول على تعويضات جراء تعرضه لمختلف أنواع التعذيب على يد القوات الأميركية أثناء احتجازه في سجن
أبوغريب، وفق ما ذكره في حديث لوكالة الأناضول.
وقال محمد البالغ من العمر سبعة وخمسين عاما إنه يعاني من صعوبة في المشي بسبب الصدمات الشديدة التي تعرض لها أثناء الاحتجاز وأمراض أخرى.
وأشار إلى أن القوات الأميركية اعتقلته دون أي سبب أثناء عودته إلى منزله في أكتوبر 2003 وتم نقله أولا إلى قاعدة الحبانية في محافظة الأنبار ثم إلى سجن أبوغريب بعد خمسة
أيام.
وأضاف “احتجزت في السجن لمدة عام وأربعة أشهر دون أي سبب، وكان الجنود الأميركيون يسألونني باستهزاء عن سبب اعتقالي.”
وتابع “لم تكن هناك فضيحة واحدة، بل كانت هناك فضائح كثيرة في أبوغريب، كانوا يهاجموننا بالكلاب ويلقون القنابل الصوتية علينا، وكذلك تم تعذيبنا جنسيا.”
وأكد محمد على إطلاق الجنود الأميركيين الرصاص الحي باتجاه المهاجع في السجن. وأضاف “قُتل شخصان بالرصاص أمام عيني، ثم وضعوا القتلى في كيس أسود، وعندما رأيت ذلك، بدأت أعاني من مشاكل نفسية، ولا تزال آثار التعذيب ظاهرة على يدي وأجزاء أخرى من جسدي.”
ولفت إلى أنه أصيب بمرض جلدي بسبب مشاكل نفسية مستمرة منذ نحو عشرين عاما، مؤكدا أنه لم يتماثل للشفاء رغم تلقيه العلاج النفسي.
وشدد على أن “هناك المئات من الضحايا يستحقون الحصول على تعويضات على غرار المساجين الثلاثة.” وأضاف “ربما أعاني من مشاكل أكثر من هؤلاء الأشخاص، لكن الحمد لله استطاعوا الحصول على حقوقهم.”
وأعرب عن رغبته بالحصول على تعويضات من الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنّه يرغب في الاتصال بمحام لرفع دعوى قضائية في الخارج، لكنه لا يملك الأموال لدفعها للمحامي.
وذكر محمد أنه راجع العديد من الجهات في العراق للحصول على حقوقه بعد إطلاق سراحه من السجن، دون الوصول إلى أي نتيجة.
◄ سبق لستة عشر خبيرا دوليا معتمدين من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أوردوا في بيان تفاصيل كثيرة عما يتعرض له السجناء في العراق
وأشار إلى أنّ زوجته تركته بعد إطلاق سراحه من السجن بسبب صور التعذيب التي تسربت إلى الصحافة، موضحا بالقول “زوجتي طلبت الانفصال مباشرة بعد إطلاق سراحي من السجن، وأبنائي اضطروا للتخلي عن الدراسة بسبب الصدمة والتمييز في المدرسة، كما اضطرت بناتي لترك الدراسة بسبب الضغوط في الحي.”
وأكد محمد، الذي يسكن في شقة إيجار بالعاصمة بغداد، على تعرضه مرارا للتنمر من أصحاب المنازل كونه سجينا سابقا في أبوغريب.
وأضاف أنه “مريض يعاني من ارتفاع ضغط الدم وأمراض في القلب، فيما لا يتقاضى أي راتب من الدولة.”
وفي مارس 2003 شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة حربا على العراق بذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل، ووقف دعم النظام القائم آنذاك للإرهاب، و”تحرير الشعب
العراقي.”
وسجن أبوغريب حاليا اسمه سجن بغداد المركزي ويقع قرب مدينة أبوغريب والتي تبعد 32 كلم غربي العاصمة العراقية واشتهر إبان الغزو الأميركي بإساءة معاملة السجناء داخله وتعذيبهم دون أي مراعاة لحقوق الإنسان.
ونشأ عن الغزو الأميركي للعراق نظام جديد تقوده بشكل أساسي أحزاب دينية شيعية وتمتلك العشرات من الميليشيات المسلّحة نفوذا كبيرا داخله.
ولم تلبث تلك الميليشيات أن تحوّلت إلى أداة لقمع واضطهاد شرائح واسعة من العراقيين على أساس طائفي. وما تزال أعداد كبيرة من العراقيين المتهمين بالإرهاب وبمساندة النظام العراقي السابق يقبعون في السجون بتهم يقول ذووهم إنها كيدية ولا تستند إلى أي حجج ودلائل حقيقية.
وتضمن بيان نشره في وقت مرصد أفاد وهيئات حقوقية أخرى مظاهر لـ“الواقع المرير” لهؤلاء السجناء بما يحمله من انتهاكات شديدة وسوء معاملة وإهانات.
واتّخذ البيان من سجن الحوت نموذجا عما يعانيه نحو ثلاثة عشر ألف سجين من تعذيب وتضييق وسلوك عنيف من إدارة السجن.
وأورد شهادات لذوي سجناء قالوا إنّه لا يسمح لأبنائهم برؤية ضوء الشمس إلاّ خمسة عشر دقيقة، مشيرين إلى ظاهرة الاكتظاظ الشديد في السجن حيث يقبع كلّ ثمانية سجناء في غرفة لا تتجاوز أبعادها عرض مترين وطول ثلاثة أمتار وتفتقر للتنوير والتهوئة.
كما أجمعت الشهادات على تواتر حالات سوء معاملة السجناء التي تتراوح بين الضرب والشتم ومختلف مظاهر الإهانة إلى جانب سوء التغذية وضعف العلاج والرعاية الصحية وانعدام أدوية الأمراض المزمنة التي لا يمكن أن تتوفّر إلاّ على نفقة ذوي السجين ويتطلب إدخالها سلسلة معقدّة من الإجراءات وأحيانا دفع رشاوي للقائمين على السجن.
وتتجاوز السمعة السيئة للسجون العراقية النطاق المحلي إلى النطاق الدولي من خلال التقارير السلبية الصادرة بشأنها عن العديد من المنظمات الدولية والأممية المهتمة بحقوق الإنسان.
وسبق لستة عشر خبيرا دوليا معتمدين من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أوردوا في بيان تفاصيل كثيرة عما يتعرض له السجناء في العراق مُسلطين الضوء على قصور النظام القضائي عن متابعة تلك الانتهاكات والتصدي للتعذيب كوسيلة لانتزاع الاعترافات التي قد تؤدي في حالات كثيرة إلى إصدار أحكام جائرة بالإعدام.
وتدعم ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال تقاريرها عن السجون العراقية والذي خصّت بأحدها سجن الناصرية الذي تسببت ظروفه السيئة في ما لا يقل عن ستة وتسعين حالة وفاة على الأقل بين سجنائه في ظرف ثلاث سنوات قالت المنظمة إنّ أصحابها قضوا في ظروف مريبة وظهرت آثار التعذيب على جثثهم وحُرمت العائلات من الحصول على تقارير التشريح.